Sunday 9th of March 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Mar-2025

حيدر محمود.. ما أراه في الأفق غير الذي يراه غيري..!!

الدستور

محمود كريشان

كما يقول مؤسس الإعلام الأردني المرحوم الاستاذ صلاح ابوزيد.. كانت الإذاعة الأردنية في ذلك الزمان شيئا آخر غير ما يعرفه الناس عن الإذاعات هذه الأيام.. كانت في حالاتها وطنا مكللا بالفخار.. ومثل كل الأوطان الجميلة.. كانت تولد في الإذاعة «الوطن الأحلام».. وأحيانا تصنع المعجزات..
بداية ذلك الشاب اليافع كانت في برنامج «شعر وموسيقى».. وكان «سنتذاك» صلاح ابوزيد، يفتش في سرعة ملتاعة عن الصوت واللحن.. والايمان.. حين كانت الإذاعة تتصدى وقتها لدور تاريخي يستحق ان يكتب ويدون.. بصدق وأمانة.. كانت الإذاعة تنسج الرسالة.. رسالة الأردن.. وكانت الخطوة الأولى هي صنع الهوية.. للإنسان في هذا البلد..
كانت الأغنية الأردنية إحدى المواد السحرية لصنع الهوية لا لاكتشافها.. لأن الهوية لم تكن موجودة قبل الإذاعة على الإطلاق.. كان «إبن الكرمل» حيدر محمود يدرك ان الأغنية الأردنية احدى المقومات الرئيسية لهوية الإنسان.. واتيح لـ»حيدر» ان يكون بعبقريته الشعرية في عداد الكبار الذين تصدوا لإرساء معالم وقسمات نبيلة في وجه التشكيل الجديد:
أرخَتْ عمّانُ جدائلَها فوق الكتفينْ..
فاهتزَّ المجدُ وقَبَّلَها بين العينينْ..
باركْ يا مجدُ منازلَها والأحبابا..
وازرعْ بالوردِ مداخلَها باباً بابا..
حيدر كان قادرا على تخليد «الحب الهاشمي» في لوحات الشعر.. لم يعرف حرف واحد من روائعها تزلفا أو نفاقا.. فلقد وقع حيدر في حب الإنسان الفريد «الملك الحسين» وعاش في سحر ذلك عمره كله:
شجرة الدُفلى على النهر يغني
باسمه ..
والغار .. والمجد يغني
والنشامى الأردنيون ، حواليه:
سهولا ، وجبالا..
وجنوبا وشمالا..
والنشامى ، أبد الدهر ،
يظلون رجالا..
ظل حيدر منتميا لشاعريته التي لم تسرقها، او تؤثر فيها مهمات انيطت به ووظائف حكومية.. السفير و الوزير والمدير.. بقي «الشاعر العراري» الذي يعشعش في داخله.. وصال وجال وتمرد بين قصيدتي «نشيد الصعاليك» 1989 و «السرايا» 2006 ، وهما قصيدتان دفعتا بشاعرهما الى «الزاوية الحرجة» ، إلا ان حيدر محمود وقد كان يعرف إتجاهات الريح التي تدفع أشرعة سفينته دائما الى الأمام.. ظل فيها وفيا لـ»خال عمار» الشاعر عرار.. مصطفى وهبي التل.. ظل قادرا على القول لأصحاب جوازات السفر الحمراء ، انني لست منكم، وان ما أراه في الأفق ، غير الذي يراه غيري كما قال الأديب هشام عودة «شافاه الله وعافاه»..
*شاعر يتنفس الهوى الهاشمي..
وبعيدا عن ذلك.. عبر العديد من المطربين المصريين عن حبهم للملكة الأردنية الهاشمية، بكلمات تمجد الوطن من هؤلاء وأكثرهم المطربة الرقيقة نجاة الصغيرة، صاحبة الصوت المخملى فهى الأكثر غناء للأردن، وكونت مع شاعر الأردن الكبير حيدر محمود ثنائيا فنيا رائعا قدم للأردن مجموعة من أجمل القصائد تناوب على تلحينها محمد الموجى وجميل العاص.. كانت البداية عام 1970 من خلال قصيدة «نحبه» التى يقول مطلعها:
نحبه كما تحب الزهرة الندى / والنظرة المدى والنهر ماءه الذى تعوّدا / نحبه لأنه الأمل والفرح الحبيب فى المقل / نحبه نحبه لأنه البطل / نحبه لأنه السطر الجميل فى صفحاتنا ونكتب اسمه على راياتنا، فليبق أحلى أغنياتنا وحبنا الكبير فى حياتنا»..
وتقدم نجاة ثنائيا غنائيا مع المطرب الأردنى إسماعيل خضر يقول مطلعه « قد أحببناه وبايعناه، وزرعنا الراية فى يمناه، وحلفنا بتراب الأردن بأن يبقى، فالكل فداه / لو لم أكن من شعبك الوفى يا حسين وددت لو أكون/ لو لم تكن عمان عندى حبة الفؤاد والعينين وددت لو تكون»..
وكان ثالث لقاء بين المطربة والشاعر عام 1974 من خلال قصيدة « طيب القلب» التى يقول فى بدايتها : «جبينك للمجد بوابة ترف عليها بنود العلى/ وأهدابك النجل خيمة عز/ كتبنا على صدرها يا هلا.... وقلنا: هنا موئل الطيبين / وأردن أنعم به موئلا»..
وتوالت اللقاءات بين المطربة والشاعر العاشق لتراب الأردن وحمل عام 1976 رائعة جديدة بعنوان « ترويدة الأحرار» التى تبدع فيها نجاة قائلة : «يَحمِلُكَ النهارْ..فى عينَيهْ..رايَةَ انتِصارْ..يَحمِلُكَ الفَخَارْ حِكايَةً عَلى فَمِ السنابِلْ / وفى ضَمائِرِ السُيوفِ والجَدائِلْ / ودَبكَةً..وميجَنا..ولَهفَةَ انتِظارْ.. / أُردُنّ..يا تَرويدَةَ الأَحرارْ»..
تنوعت الرؤية الشعرية فى عمان عبر قصائد حيدر محمود، فهى المحبوبة وهى أجمل الأسماء، وهى درة الحاضر، وهى قدوة الشعب، وهى حصن العروبة، وهى زمن الحب الجميل، وهى بلاد الفتح والدرة الهاشمية، وهى مواطن الذكريات، وهى غابات الاسمنت، وهى السيف المسلول، وهى أخيرا الحلم الجميل الذى تحقق بالمشاركة والملامسة..
وفى عام 1974 تغنى المطربة فايزة أحمد من ألحان زوجها الموسيقار الكبير محمد سلطان قصيدة حيدر محمود «ليلة قرشية» التى يقول مطلعها:
تزهو بعباءات الفرح الأخضر والشالات الوردية / يا هاشم فاسهر بين رماحك راية عز نبوية.. خفقت وارتفعت باسم الله فكانت أصل الحرية / يا هاشم يا قمر الصحراء وسيدها..زين بحضورك ليلتنا.. واحملنا فوق الأجنحة البدوية، وليتدفق نهر الحب سخيا / ولتترقق نسمات الليل رخية»..
وبمناسبة العيد الأربعين لميلاد الملك الحسين بن طلال - طيب الله ثراه - عام 1975، يصف الشاعر الملك ويقول : كل السنين و جمال سن الأربعين الساحر، باد على جبينه مسرات و أفراحاً تزهو بها المسرات والأفراح على مر السنين، وتشدو كروان الشرق برائعة محمد سلطان وحيدر محمود قصيدة « سحر الأربعين» التى يقول مطلعها: «السحر سحر الأربعين يا مجدنا الزاهى على مر السنين، الشيب فى فوديك أوسمة نبيلة»..
خلال الاحتفالات باليوبيل الفضى لجلوس المغفور له الملك الحسين على العرش، وبحضوره وحضور المغفور لها الملكة علياء الحسين رحمهما الله شدت نجاة برائعة حيدر محمود الخالدة « أرخت عمان جدائلها» التى تغنى فيها بأروع ما يمكن أن يقال فى مدينة..
وفى عام 1979، سافر شاعرنا للعمل في تلفزيون دبي، وبعد عدة شهور حلَّ عيد ميلاد الحسين، وكتب الشاعر قصيدة «السيف والهوية» من «منفاه الاختيارى» هناك، ولم يكد العام ينقضي، إلا وكان قد عاد الى عمّان، وغنت نجاة قائلة :
«أَتَمنّى اللَّحْظَةَ لو تُصبِحُ أَهْدابى جِسْرا يَحْمِلُنى نَحْوَكِ، يَرْمينى فى شُبّاكِكِ أُغْنيَّةْ!.. لو تخطفُ طائرتى الوَرَقِيَّةُ قَلْبي/ لأُقَدِّمَهُ فى عيدِكِ يا عَمّانُ هَدّيةْ!.. أَتَمنّى لو أَلْقاكِ الآنَ..وأنتِ تُقيمينَ على مدِّ السَّاحاتِ الأفراحَ الشَّعْبيَّةْ.. فأنا وَلَدُ الأفراحِ الشَّعْبيَّةْ! أَتَنَفَّسُ رائِحَةَ الأرضِ، وأعْشَقُ زَعْتَرَها البَرِّيَّ، وأحكى معها بشفافيةِ العُشّاقِ، وبالأشْواقِ العَفْوِيَّةْ..والشِّعرُ بسيطٌ مِثْلُ الخُبْزِ، عميقٌ مِثْلُ الحُزْنِ، رحيبٌ مِثْلُ الحُرِّيَّةْ!»..
وكان اللقاء الأخير بين حيدر محمود ونجاة فى رائعة الموسيقار محمد الموجى «ترويدة للسيف الهاشمي» التى تقول فى مطلعها:
«عمان والملك المحبوب/ فارسها ضمت على حبه العينين والهدب/ نهران من واحة الفرسان نبعهما، يعانقان الذرا الشماء والشهب، فمنهما العز وضاء ومختلق/ وفيهما السعد دفاق ومنثقب/ وللبطولة شمس فى ظلالهما وللرجولة عرس يزدهر طربا، التؤءمان هما، والغاليان هما/ من لا يحبهما لا يعشق العرب»..
لقد كان «حيدر» رصيدا فنيا للدولة.. جديرا بأن يبقى في صدارة المشهد الرسمي.. تتكحل عيون أجيالنا برؤيته.. سالما، مكرما.. دوما وأبدا..!!