Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Jun-2020

خلف الأبواب المغلقة.. الثقافة السائدة تفاقم العنف الأسري

 الغد-نادين النمري

“كل شي تغير بس اكتشفت إصابتي بمرض السرطان. تحولت الى أم متسلطة وعنيفة؛ جزء مني كان بده بناتي يكرهوني عشان ما يفتقدوني لما أموت، وجزء آخر ما كان يحتمل الضغط والقلق النفسي بسبب المرض”.
هكذا تصف أم يارا أسباب تحول تعاملها مع ابنتيها. حالة من الإرهاق النفسي والقلق على وضعها الصحي ووضع أسرتها في حال وفاتها، يضاف إلى ذلك التعب والهزال الجسدي نتيجة المرض والعلاج بالكيماوي. جميعها جعلت من أم يارا تتحول دون إدراك منها الى أم متسلطة وعنيفة، وتقول “كنت أرى نظرات الخوف في أعين بناتي، تسلطي جعلهن بعيدات عني. اذكر في إحدى المرات أن ابنتي قامت بتزوير علامة امتحان لتظهر لي أنها حققت علامة كاملة”، مشيرة الى أن سلوك ابنتها هذا كان نتيجة للخوف من ردة فعلي.
على إثر قيام الطفلة بتزوير شهادتها استدعت المدرسة أم يارا، كان كلام المعلمة بمثابة “الصدمة” للأم، تقول أم يارا “توقعت أن تلوم المعلمة ابنتي على سلوكها، لكن المعلمة لامتني أنا لأنني السبب في تحول سلوك ابنتي”.
بحسب المعلمة، فإن سلوك الطفلة تغير بشكل كبير مع تحول شخصية والدتها. أصبحت الطفلة كثيرة التشتت وتعاني من صعوبة في التركيز كما بدت عليها الانطوائية بشكل واضح.
كانت تلك الحادثة بمثابة “جرس الإنذار” الذي تلقته الأم، وتوضح “أدركت أنني بدأت اخسر بناتي وحبهن لي، ادركت أن تأثير ذلك على شخصيتهن سيكون مدمرا. حينها قررت التوجه لطلب المساعدة، شاركت في حملة “سراج” التي اطلقتها المؤسسة العربية للتنمية المستدامة “رواد التنمية” بالشراكة مع مركز العدل للمساعدة القانونية، واستفدت من جلسات الدعم النفسي والاجتماعي التي تقدمها.
أم يارا واحدة من الأمهات اللواتي شاركن بحملة “سراج” وتم الاحتفال باختتامها أمس السبت في حفل افتراضي اقيم على منصة زووم.
بحسب المديرة الاقليمية لمنظمة “رواد التنمية” سمر دودين فإن حملة “سراج” التي اطلقت العام الماضي تمكنت من خلال 6 حلقات تدريبية من الوصول إلى أكثر من 350 أسرة، لنشر وسائل التربية الإيجابية في محيط المجتمع.
وفقا لدودين، “تم خلال الحملة الوصول إلى 58 حالة عنف أسري وتم توثيقها وتحويلها للمساعدة القانونية والنفسية لضمان تحول بيوت هذه الأسر إلى بيوت آمنة”، مشيرة إلى أن
حملة سراج هي “جزء من مشروع الحماية المجتمعية المنفذ بالشراكة مع مركز العدل والتي تهدف إلى الحد من العنف المنزلي والعنف في المدارس في منطقة شرق عمان (جبل النظيف والمريخ).
وتوضح انه تم خلال الحملة إحالة 125 حالة لنحو 18 جهة مختصة من مقدمي الخدمات، كما تم إجراء مصاحبات لـ 7 حالات”.
وجرى خلال الحفل عرض لنحو 10 قصص من الحالات التي وثقتها “سراج” لحالات عنف متنوعة شملت “عنفا جسديا، ونفسيا، وجنسيا وزواجا مبكرا، عمل أطفال، إدمانا وتسربا من المدرسة، منا تم عرض رسائل متخصصة تتعلق بكيفية الحماية من الوقوع في العنف ورسائل توعوية بالجهات المختصة التي يتوجب على الناجين والناجيات من العنف اللجوء اليها لطلب الحماية سواء أكانت حماية قانونية ام دعما نفسيا واجتماعيا”.
أم اكرم (إحدى الأمهات) قدمت خلال الحفل سردا عن رحلتها في “التحول من أم معنفة الى أم تعتمد أسلوب التربية والوالدية الإيجابية”، وتقول “اعتدت على استخدام الضرب في التعامل مع ابنائي الاربعة ظنا مني أن هذا الأسلوب هو الذي سيضمن سلوكهم وحمايتهم من المشاكل”.
وتضيف، “طلب مني ابني في أحد الأيام ان يخرج للعب مع أصدقائه في الشارع. رفضت طلبه لكن بعد ان ألح علي اخذت البربيش وضربته بشدة حتى صاح في وجهي وقالي: بكرهك وبتمنى تموتي”.
تركت تلك الحادثة أثرا نفسيا كبيرا على الأم التي طلبت من ابنها تكرار ما قاله فأعاد نفس الجملة، وهو ما دفع أم اكرم الى الاشتراك بالحملة بناء على نصيحة من والدتها، لافتة الى أنها
“تعلمت من الحملة كيفية اعتماد سبل التربية الوالدية الإيجابية والسيطرة على الانفعالات”.
ساهمت التدريبات والجلسات التي خضعت لها أم أكرم كثيرا في مساعدتها على كيفية ادارة التوتر والغضب وانعكست بشكل كبير على علاقتها مع أطفالها وقربتها منهم، كما أثرت كذلك على علاقتها مع زوجها وباتت أقل توترا. وتبين أن “الكل يعرف ان كورونا والحظر أثرا كثيرا في زيادة التوتر، كنت كل ما أحس بعصبية أطلب من أولادي ان يذهبوا إلى غرفة ثانية لحد ما أروق وبعدها نحل المشكلة بهدوء”.
من جهتها قدمت الاخصائية التربوية سماح كركي خلال الجلسة عرضا يتعلق بأثر الوالدية الإيجابية على سلوك الابناء، وعرضا عن السلوك العنيف وكيف يمكن استخدام طرق تربوية ونفسية للتكيف وبما يضمن تغيير السلوكيات في حال حصل الشخص على الدعم المطلوب، فيما قدمت مستشارة المؤسسة ريم أبو كشك عرضا عن دور الدراما في علاج السلوك.
في حين قدمت المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية هديل عبد العزيز عرضا عن أهمية رفع الوعي القانوني ودور المساعدة القانونية في الحد من العنف والوصول الى العدالة،
وقالت “هناك حاجة للتوعية والتنبيه بأن العنف غير مقبول ولا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال ولا يجوز إعطاء أي مبررات أو أعذار للتعايش مع العنف”.
وأضافت، “العنف حلقة تتسع في حال لم يتم اتخاذ الإجراءات لكسرها كما ان العنف تصاعدي، أي يبدأ بسيطا ثم يشتد أكثر فأكثر لذلك من المهم ضمان التدخل المبكر لوقفه قبل ان يتفاقم ويتحول إلى حالة كارثية”، مشيرة إلى أنه “من خلال الشراكة بين رواد والعدل تم تقديم التوعية القانونية والإرشاد للأهالي”.
وشددت عبدالعزيز على “أهمية تعديل التشريعات بما يضمن معالجة الفجوات القانونية المتعلقة بالحماية وكذلك معالجة الثغرات الموجودة في منظومة الحماية لضمان حماية أكبر لضحايا العنف”.
وتضمن الحفل كذلك عرضا لنتائج دراسة تحليلية اجرتها “رواد” لنحو 45 حالة عنف تم رصدها، إذ بينت النتائج أن “البيت هو أكثر مكان يمارس به العنف وتحديدا على الأطفال بنحو 34 حالة من أصل 45″، وعزت الدراسة ذلك الى “أسباب ثقافية وقانونية، فالعنف في المنزل هو عنف خلف أبواب مغلقة ووسط ثقافة مجتمعية تعتبر ما يحصل خلف أبواب البيوت شأنا أسريا خاصا، مع تبريرات للعنف الواقع على الزوجة بأنه حق وعلى الطفل باعتباره تأديبا، وهذا يتقاطع مع نصوص قانونية تبيح الضرب التأديبي للأطفال وتحديدا المادة 62 من قانون العقوبات”.
كما أظهرت أن العنف “يمارس بشكل أكبر من قبل الذكور حيث بلغ عدد الذكور الذين مارسوا العنف 39 شخصا مقابل 12 انثى، أي بنسبة 76.5 % للذكور مقابل 23.5 % للإناث، في حين تعرض لأنواع مركبة من العنف أي أكثر من نوع واحد، لكن العنف الأكثر ممارسة على الضحايا كان العنف اللفظي والجسدي وهو الذي تعرض له جميع الضحايا في الحالات الـ 45”.
وفيما يخص دوافع العنف، بينت الدراسة أنها “تتوزع بين عوامل اجتماعية وبيئة ثقافية تتقبل العنف والقناعات المتعلقة ببعض القضايا مثل الزواج المبكر وعمل الأطفال، وجوانب اخرى تتعلق بالإدمان والصحة النفسية، وتعرض الأسر لتغييرات في ظروفها المعيشية، البطالة، ضعف الثقافة القانونية والمعرفة بالقانون”.
وفيما يخص الفقر فقد “تكرر 30 مرة في الحالات الـ 45 التي تم رصدها في الدراسة كأحد أسباب العنف، أي أن الفقر كان أحد العوامل في 66.6 % من الحالات”، معتبرة أن الفقر “حاجز رئيسي أمام عدم قدرة الضحية على الخروج من دائرة العنف والابتعاد عن المعنف بسبب اعتمادها الاقتصادي عليه”.
وأشارت الدراسة الى أن من عواقب العنف “تحول بعض الضحايا الى معنفين مستقبلا، كما تم رصد العديد من الحالات التي أثر عليها العنف نفسيا وسلوكيا، فيما تم رصد محاولات انتحار وايذاء للذات، وحالات أخرى تحولت إلى الإدمان، وأخرى تعرضت فيها الضحية لعاهة دائمة وأمراض مزمنة، في حين كان التسرب المدرسي أبرز نتائج العنف، إلى جانب التبعات الاقتصادية وغياب التمكين الاقتصادي للناجي أو الناجية”.
وأوصت الدراسة بـ “ضرورة مراجعة التشريعات وتحديدا المتعلقة بالسماح بالضرب التأديبي، وإقرار قانون حقوق الطفل، فضلا عن تعزيز برامج رفع الوعي القانوني، وتعزيز خدمات المساعدة القانونية، وتوفير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي، ومعالجة الاختلالات في منظومة الحماية من خلال بناء شراكة حقيقية مع منظمات المجتمع المدني”.