Monday 17th of November 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Nov-2025

تسونامي أميركي في غزة

 الغد

يديعوت أحرونوت
 
 
بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين 16/11/2025
 
بعد أكثر من شهر على التوقيع على اتفاق إنهاء الحرب في القطاع في 9 تشرين أول (أكتوبر) الماضي، يتضح الحاضر والمستقبل. أولا، ينكشف بشكل ثاقب الجواب عن السؤال كيف وصلت إسرائيل إلى نهاية القتال. إعلانات كبار رجالات الإدارة الأميركية، وعلى رأسهم الرئيس ترامب والمقابلات الصحفية معهم لا تدع مجالا للشك: إسرائيل أجبرت على إنهاء القتال في أعقاب الهجوم الفاشل في قطر، الذي أثار في واشنطن اشتباها جسيما بشأن خروج استراتيجي على التوازن. فالحرب لم تنته لأن الضغط العسكري نجح، بل لأن ترامب قرر أن حربا بلا حدود زمنية وتخطيطا تلحق ضررا ليس فقط بإسرائيل، وإنما بواشنطن أيضا.
 
منذ 9 تشرين الأول (أكتوبر)، يتبين أيضا ما هو الواقع الجديد في القطاع. فمن خلف التباهي الإسرائيلي بأنه لم يكن انسحابا من كل القطاع، تختبئ حقيقة أن الجهة التي تملي اليوم التالي في المنطقة هي الأميركية، وهؤلاء يصادرون من إسرائيل بالتدريج الحصرية على مجالات الفعل المختلفة. القيادة التي أقيمت في كريات جات يفترض أن تكون القدم المتقدمة في تدخل غير مسبوق من واشنطن في النزاع، وحسب تقارير مختلفة ستضاف إليها قاعدة كبرى في حدود القطاع.
لقد ثبتت الهيمنة الأميركية في غزة بضع مرات: موافقة ترامب على قبول جواب حماس على خطة العشرين نقطة خاصته رغم أنه لم يتضمن استعدادا لنزع السلاح؛ المطالبة بمواصلة المسيرة رغم خروقات من جانب حماس (أساسا الحوادث التي سقط فيها ثلاثة جنود إسرائيليون في منطقة رفح والتأخير في إعادة جثامين المخطوفين)؛ المطالبة بالإذن لكل خطوة مدنية لكن أيضا عسكرية في غزة.
في إسرائيل ما يزال من يقررون السياسة يعلنون أنه يمكن في كل لحظة معينة العودة إلى القتال، احتلال أراض من القطاع بل وكله، وفي النهاية إبادة حماس. في هذا تنعكس فجوة آخذة في التعمق مقابل موقف الأميركيين من غزة. فضلا عن ذلك، يبدو أن كل خطوة يدفع بها الأميركيون قدما تستهدف تثبيت واقع جديد على الأرض، بشكل يقيد حرية عمل إسرائيل ويصعب عليها جدا العودة إلى القطاع.
ذرى جديدة في التسونامي الأميركي ستكون في الأسبوع القريب المقبل، حين يؤتى للتصويت في مجلس الأمن بخطة ترامب لليوم التالي في غزة وفي مركزها، نشر قوات أجنبية في المنطقة. إقرار المقترح ليس مضمونا (في ضوء تحفظ روسيا والصين)، لكن يبدو أن المسودات المطروحة منذ الآن تكشف تحديات مركبة: إدماج رجال السلطة الفلسطينية في إدارة غزة والإشارة إلى إمكانية إقامة دولة فلسطينية.
قضية المقاومين العالقين في الأنفاق في رفح تعكس هي الأخرى، الفجوة المتسعة بين القدس وواشنطن. في إسرائيل تتصاعد أصوات كثيرة – أساسا من جانب سياسيين ومحللين – ممن يطالبون بإبادة أو على الأقل اعتقال بعضهم، بخلاف الولايات المتحدة التي تطالب بأن يضعوا سلاحهم ويتمكنوا من العودة إلى الأراضي التي تحت سيطرة حماس أو يتم نفيهم إلى الخارج، ما يعبر بالطبع عن الرفض لضعضعة وقف النار.
بقدر ما تصر إسرائيل على التمسك بخيالات ضارة مثلما في نصف السنة، منذ 18 آذار (مارس) وحتى نهاية الحرب، فإنها ستفقد حضورها، وأساسا قدرتها على فرض "الفيتو" في مواضيع مهمة: حكومة مستقبلية في القطاع مع شخصيات ترتبط بحماس أو قوات دولية على حدود إسرائيل، من دول معادية (وعلى رأسها تركيا).
إن تطلع ترامب إلى التقدم في حفظ الاتفاق من شأنه أن يدفع واشنطن لقبول حلول وسط، حتى وإن كانت على حساب إسرائيل – مثلا الموافقة على أن ينزع السلاح الهجومي من حماس، دون أن يكون مطلوبا الإعلان عن نزع كامل للسلاح. في ضوء الاقتراب من استكمال المرحلة الأولى من الاتفاق، قد يتزايد الضغط الأميركي على إسرائيل لتعميق الانسحاب من الخط الأصفر.
تقف إسرائيل في مفترق استراتيجي وعليها أن تعترف أنها تقف في هذه اللحظة أمام امكانيتين فقط: الصدام مع ترامب ووضع خطوط حمراء أمامه (سيناريو قابل للتنفيذ – لكن سيجبي ثمنا باهظا) أو الاعتراف بالواقع المتغير ومحاولة الحفاظ على حرية عمل قصوى (أساسا الحق في الضرب المتواصل للتهديدات الناشئة، مثلما في لبنان)، وكذا حق "الفيتو" في ضوء قرارات تكون في تضارب حاد مع المصالح الإسرائيلية. في المستقبل البعيد يحتمل أن تطرح مرة أخرى إمكانية العودة إلى القتال – اذا ما رفع ترامب يديه في ضوء إصرار حماس فيقر ذلك لإسرائيل.
يتيح إنهاء القتال المكثف في غزة لإسرائيل نظرة استراتيجية واضحة على ساحات مواجهة أخرى. هكذا تتجلى حقيقة أنه رغم الإنجازات المبهرة في لبنان وإيران – فإن العمل لم يكتمل، ويستوجب جهدا إضافيا لتعميق الضربة التي لحقت بالعدو. 
تركيز الاهتمام في غزة والتمسك بالعودة إلى قتال واسع هناك يضعفان القدرة على الاهتمام بساحات أهم، وليس اقل أهمية – بالشرعية الدولية وخاصة الأميركية.