Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Mar-2020

معاريف: إسرائيل.. من دولة “ديمقراطية إلكترونية” إلى ضفدع عاجز في إناء “كورونا”

 القدس العربي-كل يوم، شريحة إثر شريحة، يقشروننا من كل ذخائرنا التي جمعناها وبنيناها. بإسناد من أنبياء الغضب في توقعات بالآخرة، نوقع بأيدينا خراباً على عشرات آلاف العائلات التي يلقى بها إلى البطالة، ووعد مستقبل الأبناء تبدد. أسرع من انتشار الفيروس، ننزع عنا أيضاً ذخائرنا الاجتماعية، الشخصية والقومية. في نهاية هذا الأسبوع، يبدو كورونا المشكلة الأصغر لإسرائيل.

 
قبل أسبوعين حذرت من أن هناك من يحاول استغلال هذه الأزمة لأغراضه الشخصية والسياسية. وغضب كثيرون مما كتبت. ومنذئذ توقف جهازنا القضائي عن العمل، والسلطة التشريعية لم تعد موجودة، والشرطة والمخابرات تلقوا الإذن لملاحقة إلكترونية للمواطنين، وثمة شك في استطاعة إسرائيل مواصلة تسمية نفسها ديمقراطية. ينبغي للمرء أن يكون أعمى كي لا يرى ما يجري هنا.
 
مثل الضفدع الذي ينضج في الوعاء، ترتفع الحرارة حولنا كل يوم، وقد تغلي المياه الآن ولا يمكننا القفز خارجاً. أتذكر حديثاً لي مع أصدقائي الصحافيين في تركيا، كيف حصل أن صدرت كل بضعة أيام أنظمة طوارئ جديدة لأردوغان وتلوى الجميع بألسنتهم. قالوا إن هذا رهيب، ولكنه سيمر. ولكن هذا لم يمر. الديمقراطيات لا تموت دفعة واحدة دراماتيكية في الظلام، بل بخطوات صغيرة وفي وضح النهار.
 
مثل الضفدع الذي ينضج في الوعاء، ترتفع الحرارة حولنا كل يوم، وقد تغلي المياه الآن ولا يمكننا القفز خارجاً
 
تحت غطاء كورونا تلقت الشرطة والمخابرات الإذن بملاحقة هواتفنا، في خطوة استهدفت الالتفاف على كل رقابة برلمانية عليهما. الخطوة التي تقررت هي ظاهراً صغيرة ومحددة، محدودة بالزمن، وتستهدف خدمة غاية أهم – إنقاذ الحياة. ولكن الروبيكون اجتيز، أما الخطوة التالية التي ستمنح الشرطة والمخابرات صلاحيات أوسع فسيكون قبولها أسهل بكثير.
 
تحت رعب الوباء كان يمكن لرئيس الكنيست أن يصعد إلى خشبة القفز ويرينا ما يفكر به عن قانون إسرائيل. فهل سيفاجأ أحد إذا ما أعلن قبل لحظة من انعقاد محكمة العدل العليا، للبحث في الالتماسات حول تعليق الكنيست، إغلاقاً لن يتيح للمحكمة إجراء المداولات؟
 
رئيس الدولة، ولعله السند غير المنحاز الأخير المتبقي، يصمت حالياً. ربما يخشى بأن عليه أيضاً أن يفرض الإغلاق. نأمل ألا نصل إلى اليوم الذي يصبح فيه رئيس الأركان ورئيس المخابرات الحاجز الأخير أمام تحطيم النظام الديمقراطي.
 
تعالوا نتحدث عن إيطاليا
 
كل شيء بالطبع يتم من أجل الحفاظ على حياتنا، وبإسناد من المهنيين. “يحتمل أن يموت الآلاف من المرض”، وعدنا مدير عام وزارة الصحة موشيه بار سيمان توف بمسرحية رعب يومية. عند النظر إلى معطيات المرض في العالم، من الصعب أن نفهم على أي معطيات يقيم هذا القول. ولكن لماذا كان الرجل الذي يجب أن يوفر قبل شهرين مخزون اًكافياً من الفحوصات، يختار الآن فرض الرعب عليها”. عمله في مثل هذه الأيام هو أن يركض ليشتري الأطقم الناقصة، ولكن بدلاً من هذا، يكبد نفسه عناء إخافتنا. كيف هذا؟ ليس مفهوماً أن تقف قوة عظمى في التكنولوجيا العليا، “أمة الاستحداث” أمام نقص فظيع بعصي ذات رأس قطني.
 
رئيس الوزراء يحب استخدام تشبيهات الحرب والعدو لوصف الوضع. وبالتالي، إذا بقينا في عالم المفاهيم هذا، فمن الصعب أن أتخيل رئيس الأركان يقف أمام شعب إسرائيل في ذروة معركة قاسية ويعلن بأسى بأن الآلاف سيموتون. فعمله هو أن يقاتل وينتصر، وهذا أيضاً ما يفترض أن يعمله الآن مدير عام وزارة الصحة.
 
في بريطانيا تحدثوا حتى الأيام الأخيرة عن الرغبة في تحقيق “مناعة القطيع”، أما عندنا فالقطيع بات يندفع بفزع نحو الهوة. وكل صوت يحاول أن يحذر القطيع من أنه يندفع نحو مصيبة اقتصادية واجتماعية، يسكتونه. ليس هذا زمن تهدئة، وليس زمن الحديث عن الديمقراطية.
 
“كله على أن نكون إيطاليا”، يقول كثيرون لأنفسهم. إذن هاكم بضع معطيات عن إيطاليا، حيث أحصي حتى الآن نحو 3 آلاف ميت من المرض. لإيطاليا هرم ديمغرافي مميز، مع عدد صغير من الأولاد وثلث السكان أكبر من ستين سنة. كل شتاء يموت هناك 15 – 20 ألفاً بسبب الإنفلونزا. 99 في المئة من الموتى الإيطاليين بكورونا عانوا من أمراض خلفية أخرى. وفي حالات عديدة – حتى النوبة القلبية لمريض كورونا ابن 90 جعله يسجل كضحية أخرى للمرض. إذا كان هناك درس من النموذج الإيطالي، فهو الحصول بأسرع وقت ممكن على أجهزة التنفس وأسرة العناية المكثفة. هذا كفيل بأن يؤثر على معدل الوفيات على نحو أفضل من إلغاء الكنيست.
 
بات الجيش الإسرائيلي يتحدث عن أزمة سترافقنا حتى ربيع 2021
 
الحقيقة المؤسفة هي أنه ليس للعالم العلمي حتى الآن أجوبة مطلقة عن طبيعة هذا المرض. في كل يوم تنشر بحوث تكشف عن مجال آخر له، ولكن معظمها يستند إلى فرضيات، وفي أفضل الأحوال – إلى التخمين العاقل. أما عندنا فقد تبنوا نموذج الحد الأقصى.
 
هذا الوباء يحل بالإنسانية في عصر التذرية، فكلنا اليوم معزولون أكثر مما كنا قبل بضعة عقود، يتصل الواحد بالآخر عبر شاشات ورسائل مكتوبة. والعزلة التي يفرضها علينا كورونا ستسرع هذا الميل. الكائن البشري كائن اجتماعي يحتاج إلى اللمس والقرب من الآخرين. في ظل غيابهما تصبح البشرية أضعف وعديمة الأمان. معاً نحن أقوياء، أما كذرات منعزلة فسهل إخافتنا.
 
هذا الوباء يرينا الآخرين بأنهم مصدر للتلوث، ينبغي الحذر منه وحفظ مسافة عنه. المصافحة، العناق – وهي تجارب تعد جزءاً مما يعطينا الثقة بمن يحيطون بنا – محظوران الآن. بات الجيش الإسرائيلي يتحدث عن أزمة سترافقنا حتى ربيع 2021. فهل بعد أن ينتهي كل شيء سنعود مرة أخرى إلى عادتنا القديمة والطيبة – اللمس البشري، والعناق، والديمقراطية؟
 
بقلم: الون بن دافيد
 
معاريف 20/3/2020