Saturday 12th of July 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-May-2020

الواقعية السحرية في الأدب

 القدس العربي-مصطفى لغتيري

عرفت الواقعية السحرية في الأدب أوج عطائها وازدهارها في أدب أمريكا اللاتينية، ويمكن اعتبارها باختصار اتجاها أدبيا، جاء كرد فعل على الإغراق في الواقعية، وهو أدب يمزج فيه الكاتب بين الواقع والخرافة أو الأسطورة، ليعطي مزيجا «سحريا» يشد لب القارئ، ويصبح معه الخيال المجنح للكاتب وكأنه جزء من الواقع، ومن أبرز ممثلي هذا الاتجاه خورخي لويس بورخيس وغابرييل غارسيا ماركيز وإزابيل الليندي وميغل أنجيل أستورياس.
حاولنا معرفة مدى انتشار هذا الاتجاه الأدبي في الوسط الأدبي، من خلال آراء بعض المهتمين، فكانت الآراء غنية ومتنوعة، إذ اعتبر رضوان المتوكل الواقعية السحرية في مجال الأدب بمثابة اتجاه أدبي بارز، شكّل براديغما أو إبدالا فنيا لاتجاه سالف كان مغرقا في الواقعية. ويرى أنها ارتبطت في مجال الأدب بذلك المزج والخلط بين كل من الواقعي والخرافي والأسطوري، في قالب فني جذاب آسر لعقل المتلقي، وبرز هذا الاتجاه بشكل لافت للانتباه في أدب أمريكا اللاتينية من خلال نماذج شتى، ولعل أهمها أعمال غابرييل غارسيا ماركيز، من خلال أيقونة الواقعية السحرية «مئة عام من العزلة»، التي ارتبطت بقرية تدعى «ماكوندو» المنعزلة، والتي تحدث فيها وقائع كثيرة مدهشة لا تصدق، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: حدث ولادة آخر فرد من أفراد أسرة تسكن هذه القرية، وهذا الطفل ولد بذيل خنزير بسبب الخطيئة أو علاقة غير شرعية. ونلمس هذا الاتجاه الأدبي، أيضا، في أعمال إيزابيل الليندي، خاصة في رواية « السيد الرئيس» التي تجسدت فيها الواقعية السحرية، من خلال شخصية الرئيس الديكتاتوري المستبد، الذي يقتل بدم بارد، ويستمتع بذلك استمتاعه بطعامه وشرابه، وما رافق هذا من أحداث مختلفة يمتزج فيها الواقعي بالخيالي.
أما فدوى الجراري فترى أن حكمة «خير الأمور أوسطها» هي التي وجهت أنصار مذهب الواقعية السحرية، الذين مزجوا بين سوداوية الواقع وسحرية الفانتازيا، وخلقوا لأنفسهم تيارا يجمع بين هذا وذاك، لعل بمزجهم هذا يلونون الواقع بألوان أخرى غير السواد، ويمنحون الأساطير والخيال أرضا خصبة ومسرحا واسعا، فيصبح بذلك ما هو حقيقي وما هو خيالي سيان، في عالم الواقعية السحرية.
وهذه التقنية الأدبية ظهرت أول ما ظهرت في ألمانيا، إلا أنها اشتهرت وتطورت في أمريكا اللاتينية، حيث تمكن رواد هذا النسق التعبير عن أفكارهم وإيصال رسائلهم بسحرية لا تبتعد عن الواقع، ومن بين الأعمال التي حضرت في الذهن نجد رواية البرازيلي باولو كويلو «الخيميائي» حيث نجد أسطورة الفتى سانتياغو الثائر، الذي رفض حلم الأب في أن يكون ابنه راهبا، يعانق حلمه بشغف، حلم تكرر مرة أو مرتين، ليس عبثا وإنما لإثارة العزيمة لحظة ضعف الهمة، فالحلم يقتضي البحث عن كنز مدفون تحت أهرامات مصر، وحتى الوصول إلى هناك، هناك رحلة سحرية قطعها الحالم المتشبث بكنزه.
 
أما فدوى الجراري فترى أن حكمة «خير الأمور أوسطها» هي التي وجهت أنصار مذهب الواقعية السحرية، الذين مزجوا بين سوداوية الواقع وسحرية الفانتازيا، وخلقوا لأنفسهم تيارا يجمع بين هذا وذاك
 
في مثال آخر نجد التشيكي كافكا وروايته «التحول» حيث تدور الحكاية حول بطل استيقظ في أحد الأيام ليجد نفسه قد تحول لحشرة غريبة، تكبر يوما بعد يوم، الصدمة الكبرى لم تكن بتحوله، وإنما في ردود أفعاله وأفعال أقرب المقربين منه، ألا وهم والداه وأخته الوحيدة، خصوصا بعدما أصبح إنسانا مستهلكا، وليس منتجا كما كان، فأصبح أسير غرفته التي جردوها من الأثاث لتكون سجنا له حتى يباغته الموت.
وتبقى الواقعية السحرية تقنية فنية تمنح للكاتب الخلق والإبداع وللقارئ الإثارة والتشويق.
محمد محيبي من جانبه اعتبر الواقعية السحرية إضافة عناصر فانتازية على الواقعية الاجتماعية بشرط أن لا يشعر القارئ أن هناك خطأ ما.. حيث يمكن تصديقها، نظرا لكثرة ما يعيشه المتلقي من تفاصيل حقيقية، فلا يستغرب لغرس الكاتب الخيال في النص. ومن النماذج المبدعة في أدب المدرسة الواقعية السحرية لكتّاب أمريكا اللاتينية رواية «بيت الروح» لإيزابيل الليندي التشيلية. من أهم شخصيات الرواية كلارا ديل فالي، التي تميزت بحسها المرهف، وامتلاكها في سن مبكرة، قدرة تحريك الأشياء من حولها بمجرد التفكير بذلك، كما لو كانت لديها حياة بداخلها. وكنموذج ثان لهذه المدرسة، نذكر رواية «بيدرو بارامو» للكاتب المكسيكي خوان رولف. تدور أحداث الرواية حول خوان بريسيادو الشخصية المحورية، الذي يقوم برحلة بحث عن أبيه، بعد أن وعد أمه بأن يجده، لينتهي به الأمر إلى مدينة أشباح حقيقية.
فيما قال محمد بادو، إن الأدب قد عمد إلى الاعتماد على مجموعة من الأنماط المختلفة في الكتابة، كالواقعية والفانتازتيك، إلا أن هناك من الكتاب من اعتمد النمطين معا كخاصية أدبية جديدة. من خلال تحويل الواقع العادي إلى أساطير ما يسمى الواقعية السحرية ، وهو تقديم الأشياء الواقعية بشيء من الخيال.
وظهر أول ما ظهر في أدب أمريكا اللاتينية ليبقى خاصية تلتصق به، حيث عمد جل الكتاب اللاتينيين إلى السير عن هذا المنوال، وهنا نستحضر قصة لخورخي لويس بورخيس «اللقاء» من كتاب «تقرير برودي»، التي في الوهلة الأولى يقدم الكاتب الأشياء كما في الواقع اليومي، حضور حفلة شواء في إحدى القرى الريفية مع أحد أقربائه، ثم سرعان ما تتحول الحفلة إلى مسرح الجريمة بطربقة مروعة. لقد قدم هذا النمط الشيء الكثير للأدب، حيث أنه يجعل من الأشياء العادية واليومية تتحول الى أحداث مفاجئة ما يعطي انطباعا للنص في ذهن المتلقي .
فاطمة أكوراي أدلت بدلوها في الموضوع مركّزة على أن الأدب اللاتيني الأمريكي قد عرف في ستينيات وسبعينيات القرن 20 «البوم» أي الازدهار أو نقلة جديدة، تميزت بالمزج بين الواقع والمتخيل. وقد أبدع في هذا المجال أدباء كثيرون نذكر منهم: غابرييل غارسيا ماركيز، من كولومبيا، وكارلوس فوينتس من المكسيك، وماريو بارغاس من بيرو، وآخرون. وسنقتصر على نموذجين:
الأول لكارلوس فوينتس من خلال روايته: الغرينغو العجوز وتتحدث عن اختفاء كاتب من أمريكا الشمالية في المكسيك خلال الثورة المكسيكية سنة 1910. استغل فيها كارلوس فوينتيس حدثا تاريخيا واقعيا، وحبك حوله رواية منمقة وجذابة تمزج بين الواقع والمتخيل بطريقة فنية مبدعة.
والثاني غابرييل غارسيا ماركيز من خلال روايته: «عن الحب وشياطين أخرى» وهي قصة فتاة عمرها 12 سنة، شعرها نحاسي طويل ينمو حتى بعد موتها. استلهم حسب قوله قصتها من أسطورة سمعها من جدته، او ربما من حادث عاينه. عثر على فتاة مشابهة لفتاة قصته أثناء نبش قبور أحد المعابد.
ختمت هذه الباقة من الآراء حبيبة خيموش التي اعتبرت الواقعية السحرية مدرسة أدبية انتشرت في أمريكا اللاتينية، من أساسياتها التخييل المرتكز على الغرائبية.
وضربت مثالا برواية «مئة عام من العزلة» للروائي الكولومبي غارسيا ماركيز الذي اشتهر بهذا النوع من الكتابات، و«الخيميائي» لباولو كويلو: فهي رواية تتأسس على فعل التحويل، على الخيمياء التي تعد «سحرا» يقلب الرخيص إلى غال ويحول النحاس إلى ذهب، السحرية تحضر في الرواية عبر حجري أوريم وتوميم.
لتخلص إلى أن هذا التيار قد حظي باهتمام كبير وإقبال واسع أسس على إثره قاعدة عريضة من عشاق هذا الأدب في العالم بأسره.
 
٭ كاتب من المغرب