Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    08-Mar-2017

في فلسفة العلاقة - ابراهيم العجلوني
 
الراي - تعلّمنا الحياة أن لا نسارع الى الحكم على من نتعرف اليه ابتداء, أو لأول ما تربطنا علاقة به. ذلك أن مقاييسنا الذاتية هي اول ما يخدعنا في رسم صورة له سيتبين لنا فيما بعد أنها صورة افترضتها عواطفنا وافكارنا لا الواقع الموضوعي نفسه..
 
خير مدخل لفهم هذا الالتباس ما تحدّر الينا من قول احدهم: أنا اعرف فلاناً, ومن قول محدّثة: وهل جاورته أو صحبته في سفر؟ ذلك أن احدنا لا يعرف بادي الرأي من الاخرين الا ما يبدونه من سمتهم, بل أن بعضهم ليحرصون على ان يكونوا مرآة لرغائب غيرهم (ولكل مرآة لبوسها) ولا بد من زمن تتبين خلاله اصالة أو صدق الانطباعات الاولى من زيفها أو كذبها. ولعل مما يخفى - حتى على الاذكياء - ان عامل الخداع في معظم العلاقات عامل ذاتي, وأن الملوم في خيبة الامل في كثير من الاحيان هو «الناظر نفسه» ذلك أنه كان يرى ذاته في من يتعرّف اليه ولا يرى الى حقيقته الموضوعية وابعاد شخصيته الواقعية.
 
تظل التجربة اذن, أو الخبرة أو المعايشة هي الميزان, ولا سيما حين تتعطل الفراسة في أحدنا أو يحول دون تفعيلها فاعل, من هموم العيش أو شواغل الفكر أو منهما معاً.
 
مشكلتنا اليوم, وفي عصر السرعة واللهوجة, أن معظم ألوان العلاقات منتهية الى أشكال من الحبوط, وأن حاصل ذلك كله أزمة عامة في الثقة بين الناس. وأن برهان الثقة الوحيد هو «المادة» التي لا يختلف على تثمينها اثنان. والمادة اسرع شيء زوالاً ولا تتلبث في الايدي ولا في الأنفس الا قليلاً.
 
من هنا تنعقد علاقات الغالبية العظمى منا وتزول بحسب تحوّلات المادة التي يتم الاحتكام اليها في تقييم هذه العلاقات, ومن هنا تتوقف حميمية هذه العلاقات أو فتورها أو انقطاعها على رصيدها المعلوم من المادة, لا على رصيدها المظنون من القيم والاخلاق والعقائد، ومن هنا يمكن ارجاء تصديق دعاوى الحب والايمان والوطنية والابوة والبنوّة والصداقة حتى يتبين موقف اصحابها من «المادة» في شتى تجلياتها.
 
ونحن نعلم بالخبرة المتطاولة وبتكثّر انموذجات السقوط الاخلاقي أن عبودية الدرهم والدينار غالبة على البشر, وأن معظم العلاقات بين الافراد فيما بينهم, وبين الجماعات فيما بينها, وقف على المادة وتحولاتها, وأن لا شيء ثابت إلاّها في هذه العلاقات, وأن كل تصور لطبيعة (س) أو (ص) يكون لأول التعرف اليه مرشح للسقوط في أول فرصة اكتشاف لحقائقه.
 
رؤية تؤلم النفس وتضعها في دوامة من التساؤلات.
 
لكنها أقرب شيء الى ما انتهينا اليه من غياب العقل والروح في علاقاتنا, ومن حضور «المادة» بكل ثقلها وظلاميتها وطقوس عبوديتها.
 
.. «وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون»..