Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Feb-2019

التمييز والمحاباة في القبول في الجامعات الأميركية العظمى

 الغد-حسني عايش

كنت قد وعدتكم في نهاية الدراسة المحدودة التي نشرتها في جريدة الغد الغراء في 6/1/2019 عن تعليم القانون في جامعة هارفارد، بدراسة إضافية عن التمييز والمحاباة، في القبول في الجامعات الأميركية العظمى، أو ما يسمى بجامعات النخبة، وهي جامعات أهلية لا خاصة – تديرها جمعيات أهلية – مثل هارفارد، ييل، وستانفورد، وبرنستون… فلأول مرة ومنذ أربعين سنة من المحاولة، تضطر هذه الجامعات إلى الكشف عن كيفية قبول الطلبة فيها. وذلك بعد نقل الموضوع إلى القضاء. 
تتساءل صحفيتان – نيكول هوائج ومليسيا كورن (11/2018: Education ) “لقد قبلت جامعة هارفارد في هذا العام 1962 طالباً وطالبة من بين 42474 تقدموا للالتحاق بها ولكن الكيفية التي تقرر بها ذلك سر طويل”، غير انه سيتغير بأوامر القضاء الذي يفحص كيف تستخدم جامعات النخبة، العنصرية – وغيرها – لتشكيل جسمها الطلابي. سوف تُجبر هارفارد وأمثالها على الكشف عن تفاصيل سياستها في القبول.
القضية المنظورة الآن رفعها طلبة أميركيون من أصل آسيوي ضد جامعة هارفارد لأنها تخضع قبولهم لمعايير أعلى بينما تخففها لغيرهم. ولكن هارفارد تنكر ذلك مدعية أن العنصر/ الأصل هو أحد عناصر القبول الكثيرة التي تعتمدها. 
يرد أحد الأساتذة بيتر سنجر (في الغد 2/11/2018) إن أنظمة القبول في هذه الجامعات تمكنها من انتقاء أفضل الطلبة، وهو حق لها، فيرد عليه المتضررون أن هذه الجامعات تتلقى ملايين الدولارات من الحكومة الفيدرالية فلا يحق لها الإقصاء والاستثناء. 
لقد ظلت هذه الجامعات تخفي أنظمة أو شروط القبول عن الطلبة والجمهور إلى اليوم، على الرغم من مطالبتها بالكشف عنها، إعمالا لمبدأ الشفافية الإنساني، ولكنها لم تفعل، ولم تفعل إلى أن رُفعت الدعوى على هارفارد بالتمييز والمحاباة في القبول. إن لهما الحق في معرفة هذه الأسس، ولكنها ظلت ترفض الإفصاح عنها وبتواطؤ مع السلطات الرسمية المعنية. ومن ذلك – مثلاً – أنها ظلت تقبل طلبة رياضيين وأبناء أو بنات الخريجين (Alumni) والمتبرعين للجامعة، بعلامات في السات (SAT كالتوجيهي)، أدنى من علامات غيرهم. وترفض الطلبة الأميركيين من أصل آسيوي أو لاتيني مع أن علاماتهم أعلى، وملفاتهم أفضل. ظلت الجامعة تتبجح بالخصوصية، وبإساءة الناس لفهم المعلومات إذا أتيحت لهم فرصة الاطلاع عليها. 
وبعد الكشف عن ملفات الطلبة المقبولين والمرفوضين تبين أن الموظفين في إدارة القبول الذين يقرأون ملفات الطلبة التي تضم علاماتهم في السات، والمدارس، وتوصيات المعلمين والمعلمات، ونماذج من كتاباتهم، وأبحاثهم، ونشاطاتهم.. يستنتجون منها ما يخطر على بالهم ويضعونه على طرف الملف، فهذا طالب/ة ذكي/ة، وهذا طالب/ة خجول/ة، وذاك هادئ/ة، وذاك طالب/ة شجاع/ة، أو لديه حس بالفكاهة، أو العطف. ويحصل كل متقدم على درجة/ تدريج (Personal Rating) يشتقها المراجع من تحليل ملفه فيقبل أو يرفض بموجبه. ومع هذا كان يتم قبول أبناء وبنات الخريجين والأساتذة والمتبرعين والرياضيين… على الرغم من ذلك، فأحد الطلبة السباحين قبل في الجامعة على الرغم من أن علامته في السات 970 من 1600، كما قبل مصارع بعلامة 1090 بينما رفض آخرون بعلامة 1300، وهكذا. 
لقد تبين أن دوائر القبول في هذه الجامعة تصنف الطلبة حسب أصولهم ومنابتهم وطبقاتهم الإجتماعية: أميركي/ أصلي، أبيض، أسود، بورتريكي، أسيوي… لاتيني عائلته ثرية، ابن/ بنت عامل، ابن/ بنت متبرع للجامعة، مع أنهم جميعاً أميركيون، ثم ترتب الأمور إحصائياً، من يفهمها قد يجد أنها ذات دلالة، ومن لا يفهمها لا يرى فيها أي دلالة. 
بعد أن اطلعت – تحت الضغط – وزارة التربية والتعليم على القبول لأول مرة، اعلنت أنه لا يوجد تمييز مقصود ضد الأميركيين من أصل آسيوي، لكنهم لم يستفيدوا من القبول نتيجة الأخذ بتفضيلات للرياضيين، وأبناء الخريجين والمتبرعين وبناتهم.. وقد وافقت على قول هارفارد أن أسس القبول التي تعتمدها تشجع على التبرع للجامعة. 
لكن أحد خريجي هارفارد احتج على هذا الكلام فقال: لماذا يقبل قطعان الأطفال غير الجيدين وغير المؤهلين في أفضل جامعاتنا؟ فردت الجامعة عليه: “إن أطفال (أبناء وبنات) خريجينا وخريجاتنا هم من أقوى الطلبة في البلاد!!!
لم يعجب هذا الجواب أحد أعضاء مجلس الشيوخ فقال: هل نحن بحاجة إلى تعليم طبقي(Cast system) ليستمر بعض الجامعات في القبول على هذا الأساس؟ عندما سُمح للطلبة المقبولين فقط بالإطلاع على ملفاتهم التي تقدموا بها للقبول تساءلوا مندهشين: أين توصيات معلمينا ومعلماتنا؟ أين علامات السات؟ يبدو أنها ليست ذات قيمة في القبول. لقد فوجئوا بالتعليقات التي كتبت عنهم حتى أن أحدهم قال: لو كنت أعرف الظروف/ الشروط التي قبلت بها في الجامعة، لفكرت مرتين قبل الالتحاق بجامعة هارفارد. 
هزت النزعة نحو حرية الإطلاع على ملفات الطلبة الخاصة بالالتحاق أو القبول الجامعات، لدرجة أن بعض المسؤولين فيها هددوا بتدمير هذه الملفات، مدعين أن الاطلاع عليها قد يتسبب لبعض الطلبة بصدمة نفسية لهم جراء ما كتب على بعضها من تعليقات. 
ومن غرائب القبول في هذه الجامعات ما يسمى بالقبول التراثي/ الوراثي أو الوقفي (Legacy admission) الذي تحظى به فئات/ عائلات معينة نشأ في القرن الثامن عشر قبل الاستقلال، أي في أثناء الحكم البريطاني الذي كان ينحاز للطبقة الاستقراطية ويميزها عن غيرها في كل شيء، وليس في القرن الحادي والعشرين الأمريكي الديمقراطي الذي يطالب الجمهور اليوم بإزالته. 
وبموجب هذا الحق قُبل جورج بوش الابن المتوسط أكاديمياً، ورئيس أميركا فيما بعد في جامعة ييل، لأنه ابن الرئيس جورج بوش الأب الذي قبل فيها سنة 1948، وحفيد بوش الكبير سنة 1917 .
ويُعترف لبوش الحفيد/ الرئيس برفضه – في مؤتمر صحفي – هذه التفضيلات التراثية، “وأنه يجب على الجامعات اعتماد الاستحقاق فقط”.
ومن غرائبه كذلك ما يسمى بالقبول بالمقايضة حين يقدم أحدهم للجامعة هدية (هبة مالية) يقبل ابنه/ابنته ثمناً لها، حتى وإن كان مستواه دون المعايير المعمول بها. 
ومن ذلك قبول جارد كوشنر– زوج ايفانكا ابنة الرئيس ترامب وأحد مستشاريه الكبار- في هارفارد، مع أنه دون المستوى وغير مؤهل. وقد فوجئت إدارة مدرسته ومعلميها ومعلماتها وتلاميذها وتلميذاتها بقبوله فيها. وقد اعتبروا قبوله وعدم قبول زملاء له أفضل منه مخيباً للأمال. 
في تفسيرهم لسياسة القبول في هذه الجامعات، يرجعونها إلى ثلاثة أمور: التاريخ أو التراث/ الإرث، والثاني التمييز والمحاباة، والثالث انعكاس لسياسة التمييز ضد اليهود في القبول في النصف الأول من القرن العشرين، حين كان يوضع لهم كوتا لا يتجاوزنها على الرغم من كثرة طلباتهم وارتفاع مستوياتهم. 
يصر الصحفي بيتر شمدت أن سياسة القبول هذه أشبه بخلق رجل ثالثة للتاريخ/التراث في القبول التمييزي، وأنه كان بمثابة رد فعل مباشر لطفرة طلبات اليهود للالتحاق بهذه الجامعات. وقد استخدم كتكتيك للحد من عدد المقبولين من فئات أخرى استمراراً لما كان جارياً ضد اليهود.
لقد بينت دراسة ملفات القبول أن الطلبة الأميركيين من اصل اسيوي المتقدمين للقبول حاصلون على أعلى المعدلات الأكاديمية والنشاطات اللامنهجية من اي عنصر آخر، وكما تفيد توصيات معلميهم ومعلماتهم والمرشدين في مدارسهم، وأبحاثهم ومقالاتهم والمقابلات معهم. ولكنهم مع ذلك يحصلون على التقدير الأدنى للصفات الشخصية فيخسرون. 
في هذه المعركة الدائرة في القضاء والاعلام تقف بقية الجامعات الزميلة مثل ييل، وستانفورد، ومعهد ماسسوتش للتكنولوجيا… إلى جانب هارفارد مدعية أن منع اعتبار العنصر/ الأصل عاملاً في القبول، يشكل اعتداء استثنائياً، على الحرية الأكاديمية للجامعات. لكن الطلبة وذويهم يطالبون هذه الجامعات بالقبول العادل. هل يتناقض هذا القبول مع هذه الحرية؟ 
وأخيراً لا آخراً أصدرت الحكومة القرار التالي: هارفارد تنتهك القانون.
عندما تطالع مجريات هذه المعركة لا تعثر على كلمة فساد في الطعن في أنظمة أو شروط القبول في هذه الجامعات وكأنهم يتجنبون وصفها به ويفضلون وصفها بالانحياز والمحاباة (Tips) والتمييز العنصري مع أنها في نظرنا فساد صريح. ولكن النظام الديمقراطي يصحح نفسه بنفسه بالقضاء والإعلام والضغوط الجماهيرية على طريق تحقيق العدالة في النهاية. 
وختاماً: فإن خريجي وخريجات هذه الجامعات ليسوا أفضل الخريجين في جميع التخصصات كما تعتقد جملة الناس في بلادنا، فهناك جامعات صغيرة وكبيرة أفضل في هذا التخصص أو ذاك. كما أن هذه الجامعات تتساهل في قبول الطلبة الأجانب من أبناء وبنات الساسة أو الذوات المعروفين في بلادهم، وبخاصة في كليات ودوائر العلوم السياسية التي لا تغيب عنها عين المخابرات.