Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Apr-2017

«النقاشية الملكية السابعة» وتجربة النهوض السنغافوري والماليزي والنهوض الأردني القادم -ا.د. عاهد الوهادنة
 
الراي- في كل ورقة نقاشية لجلالة الملك أرى بوضوح أكثر إصرار جلالة الملك على بناء وطنٍ وأملٍ للناس، وطنٌ شعاره العلم والتعلم مدى الحياة تتساوى فيه الحقوق والواجبات والفرص، ليس فيه مجالٌ للتردد والخوف من التطوير والتغيير، فهما الثابت الوحيد. تُبنى الأُمم وتنهض برؤى قاداتها وعزم شعبها وقدرتها على توظيف العلم في تعزيز اقتصادها وتطوير منظومتها الإجتماعية نحو مستقبل واعد من الإعتماد على الذات ضمن علاقات إقليمية وعالمية متشعبة. سنغافورة التي تربعت على عرش الإنجاز الحديث، مرت بثلاث مراحل: ففي المرحلة الأولى من بناء سنغافورة بين عام 1959-1978 وضع رئيس وزراء سنغافورة لي يو شعاراً لهذه المرحلة تلخص بأن هدف التعلم في سنغافورة هو إنتاج «إنسان جيد ومواطن مُنتج». وفي المرحلة الثانية (1979-1996) وعلى مستوى المدارس أطلقت سنغافورة رؤية جديدة للتعليم تجعل من المدارس مراكز تفكير بهدف إنتاج أُمة متعلمة. وكان رئيس وزراء سنغافورة جو تونج قد أطلق رؤيته بأن إقتصاد ورفاه الدولة في القرن الواحد والعشرين سيعتمد على الفرد المتعلم وهذا أوجد نظاماً مدرسياً يطور مهارات التفكير الإبداعي والرغبة في التعلم مدى الحياة والإلتزام الوطني عند الشباب. فالأُمة المتعلمة هي رؤية أمة فيها التعلم ثقافة ويكون الإبداع والإبتكارعلى كل مستويات المجتمع.
 
قبل خمسين عاماً كانت سنغافورة دولة فقيرة، والآن تمتلك واحداً من أسرع الاقتصادات نموّاً في العالم، إذ يصل الناتج الإجمالي للفرد الواحد إلى ستين ألف دولار أمريكيّ، لتحتل بذلك المرتبة السادسة على أكبر دول العالم، وذلك لأنّها اعتمدت على التعليم، وعلى سياسات واقعيّة صارمة.
 
وها هو جلالة الملك لا يطلق شعاراً فحسب بل أفكاراً وأفعالاً فمن ميدان القلم إلى ميدان العمل تجده بين أبناء قواتنا المسلحة وفي بيوت الشعب وفي المؤسسات الحكومية وفي المحافل الدولية إنساناً وقائداً ومُفكراً واباً هاشمياً عزيزاً. يحدوه الأمل، أن نواكبه العمل الجاد الحقيقي – وهو الذي وضع ثقته في الإنسان الأردني المبدع–نحو نهضة أمة أردنية ونحو مستقبلٍ واعد للفرد وللشعب وللأرض. فالأردن محظوظ بقيادته وشعبه الكريم وهما الأمل في أن تصبح الأردن سنغافورة جديدة في هذا العالم المتسارع. وأكاد أجزم أن ما تقوم به الدولة لا يختلف عما قامت به سنغافورة الحديثة وهذا يدفعنا للتمعن فيما قاله جلالة الملك لنجد أسباب التباطؤ ومعالجته بعد دراسة للتفاصيل الدقيقة في مشروع سنغافورة. فالديموقراطية مطلوبة وضرورية ولكن لاتكون الديموقراطية طريقاً وحيداً إلى التنمية، بل النظام والعدالة وإختيار الكفاءات بأمانة وخلق إنتماء مكتسب يعزز الإنتماء الفطري ونُعيد شكل العمل الجماعي لأن بعض مجالس القرارات يُضعفها الأفراد، وبعض الأفراد تُضعفها المجالس.
 
لعلي أستنتج من حديث جلالة الملك أنه في الإدارة الأردنية نهجٌ يحتاج للمراجعة فإما أن تكون لدينا خطط دون تنفيذ أو تنفيذ لا تسبقه خطط. وإذا كانت الخطط موجودة فماذا يمنع التنفيذ، والإجابة تكمن أننا احياناً نخطط لأنفسنا وليس للوطن نريد إثبات أننا دائماً على حق والآخر لا يملك المعرفة ليشارك في التخطيط فيكون فاعلاً في التنفيذ أو نخشى الصوت العالي ولا نحترم العقل الراجح. ومن هنا جاءت الإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية التي أفتخر أنني كنت عضواً فاعلاً فيها وتشرفت بلقاء صاحب الجلالة وصاحبة الجلالة مرتين خلال فترة قصيرة تدل على شغف الملك والملكة في متابعة الإنجاز وهو الأمر الذي تتبناه الحكومة في متابعة مختلف الوزارات لتنفيذ المشاريع الواردة في الخطة.
 
ولأن التعليم تحديداً ليس ترفاً بل ضرورة تفرض نفسها على المواطن كل الوقت، تجدها تتصدر النقاش على المستوى العام والفردي ولكن دائماً نعود للمربع الأول وكأننا نخترع العجلة من جديد. فالتخطيط التشاركي يعزز فرص نجاح التنفيذ والتردد والتراخي في اتخاذ قرارات حاسمة هو كالعدالة المتاخرة ظلماً شديدا. في الأمور الصحية والتعليمية لا نحتاج الكثير لننجز العظيم لأن في هذه الأمور بالذات تتشابه نظرات الافراد كما تتشابه فيه نظرات الدول وعليه. فالملك -حفظه الله- يدعوننا لأن نخطط وننفذ بذكاء وليس بعناء. فليس معقولاً ان الدولة تتجه للامركزية ومازالت الكثير من المؤسسات–سواء إدارياً أو خدماتيا ً- تتحوصل داخل «إجراء ما ترونه مناسباً». أما التشريعات والقوانين فهي أكثر الأمور تجاذباً ويمكن فرد الحوار وإشراك الجميع على مبداً تكبير الكعكة لا تقسيمها وخلف الأبواب المغلقة ولنا في كتاب «النهوض الماليزي» عبرة في آلية الاختلاف بين الحكومة التنفيذية والمجالس الرقابية ومنظمات المجتمع المدني وهذا سر نجاح تجربة ماليزيا إذ أن الإختلاف يتم بصوت منخفض في حين يأتي الإتفاق بصوت عالٍ لأنه لخدمة الوطن.
 
في الختام فإن خطط تطوير القطاع العام لابد أن تُستثمر في قطاع التعليم المهم ولعل مبادىء الظل الوظيفي والتدوير الوظيفي والتعاقب الوظيفي تحتاج للتفعيل في كل مؤسسة أردنية نحو موارد بشرية متميزة قادرة على نقل قطاع التعليم نحو مرحلة متقدمة من الإنجاز مع إعتقادي الشديد أن في الأردن طاقات هائلة يمكن إستثمارها نحو أردن عظيم يحكمة ملك عظيم. فالتعليم هو أحد الدعائم الرئيسة لإقتصاد أي دولة، وكلما ازداد عدد المتعلمين قل حجم البطالة، وعلى الرغم من إرتفاع نسب البطالة في بعض البلدان التي تمتلك نسبة كبيرة من المتعلمين ومنها الأردن، فإن ذلك لا ينفي هذه القاعدة، حيث أن الوظائف التي نفتقر إليها، هي وظائف صغيرة وغالباً ما تحل التكنولوجيا الحديثة محلها، وكما أضاف رئيس وزراء سنغافورة في نهاية المطاف، لدينا أزرار كثيرة في آلاتنا الالكترونية، لكن السؤال: هل هذه الأزرار أفضل من تقنيات منافسينا. فلنمتثل لما قاله جلالة الملك «...فإننا نريد أن نرى مدارسنا ومعاهدنا المهنية وجامعاتنا مصانع للعقول المفكرة، والأيدي العاملة الماهرة والطاقات المنتجة...»
 
فألنهوض الأردني قادم بعزم مليكٍ عزيز وشعبٍ صادق. للأردن وللملك الولاء والإنتماء.
 
*أمين عام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي