Sunday 13th of July 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    24-Jul-2017

ما بعد الأزمة السورية.. حرب خطاب الكراهية والتطرف - رومان حداد
 
الراي - مع غياب التصور الدولي للصراع في المنطقة، واستمرار تأجيج الصراع على أساس مذهبي وطائفي وبناء خطاب رافض وكاره للآخر ونشره عبر وسائل اتصال متعددة في المنطقة، واستثمار هذا الخلاف العقدي بين الفرقاء وأتباعهم من كلا الطرفين (الشيعي والسني)، وتأسيس فكرة جهاد عابر للحدود لنصرة المذهب، تحولت الهوية الدينية والطائفية من أداة سياسية للصراع، إلى جزء من الصراع نفسه، مما يكشف سر التنظيمات القتالية السنية والمليشيات الشيعية، التي تعتبر السياسة جزءا من الهوية، لا العكس.
 
ولأن الحالة الدينية تتغير حسب الظروف السياسية والاجتماعية، فليس العامل الفكري والأيديولوجي هو العامل الوحيد المؤثر في تشكيل وتغيير هذه الحالة، فقد تظهر الجماعات الدينية القتالية بسبب زيادة القهر والعنف والاستبداد، أو قد تتشكل كرد فعل هوياتي على خطاب طائفي من قبل طائفة حاكمة، أو مواجهة لواقع سياسي يعاني من انسداد الأفق، وردا على تفشي اليأس في المجتمع.
 
وخلال الأزمة السورية كانت سوريا نقطة جذب للصراع الطائفي بأبشع صوره، ومرجع ذلك كما يرى كثيرون هو هيمنة كل من المدرسة الشامية، والمؤسسة الدينية التقليدية، رغم ما بينهما من تباينات داخل الإطار الصوفي الأشعري المذهبي العام، على نمط التدين الشعبي العام في سوريا خلال الفترة الممتدة بين القضاء على ثورة الإخوان المسلمين في الثمانينات، وبداية الأزمة السورية الحالية، ولم يكن لدى المؤسسة الدينية التقليدية–التي تتمركز في المدن مثل دمشق وحلب وتمتد لتشكل نمط التدين العام في المجتمع السوري–تنظير سياسي فيما قبل الثورة.
 
فجاء أثر التدين الشعبي لدعم السلوك الاحتجاجي كنتاج طبيعي ضمن المعطيات القائمة، وشكل الخطاب الديني والطائفي ملجأ اضطرارياً للثوار لمواجهة الاختلال في موازين القوى عسكريا، انطلاقا من اعتقادهم بدور الدين روحيا في الأزمات والحروب.
 
ومع ازدياد عنف النظام، ودخول جمهور واسع إلى مجال العمل السياسي العام برز نمط من التدين الشعبي الجديد، إذ تطعم تدريجيا بمصطلحات سلفية، لكنه يتمايز عن التدين السلفي بمعناه المحدد الذي يرتبط بالمرجعية الوهابية أو النجدية أو السلفيات الواضحة الحدود. وانتشر هذا النوع من التدين في الوسط الريفي الذي تعرض إلى تدهور كبير في مؤشرات تنميته البشرية، ولا سيما في مؤشرات الفقر والدخل والتعليم والصحة والحرمان وضعف الأمن الإنساني.
 
وفي ذات الوقت تم استخدام الدعاية السلفية من قبل النظام في سوريا وإيران وحزب الله لتحريك المليشيات الشيعية، والتي جاء أفرادها ليقاتلوا استجابة لبروباغندا الحشد الطائفي بحجة حماية المراقد، والإغراء المادي، كنتيجة للتحالف التقليدي بين النظام السوري والمليشيات الشيعية تاريخياً، ففي مرحلة من الصراع تم تقدير عدد المقاتلين الشيعة العراقية بـ١٥–٢٠ ألف مقاتل، ومقاتلو حزب الله بـ ٧-١٠ آلاف مقاتل، و٥-٧ آلاف مقاتل أفغاني وإيراني، موزعين ضمن ٢٠ مليشيا شيعية رئيسة تقريبا.
 
ومع استمرار قمع الناشطين وإصرار النظام على اعتبار ما يحدث مؤامرة خارجية وفتنة طائفية وتصعيد الخطاب الطائفي للتحشيد من قبل النظام السوري، وظهور محاور إقليمية تؤثر في الأزمة السورية وتتأثر بها، كل ذلك أدى لظهور تعبيرات طائفية أكثر حدة من السابق في خطاب معارضي النظام السوري وبرامجهم السياسية، وانتقال هذا الخطاب وتعميمه على المنطقة بعمومها.
 
لا يمكن إنكار وجود الهويات الطائفية المسيسة في المنطقة قبل الأزمة السورية، إلا أن آليات استخدام الطائفة والخطاب الطائفي من قبل النظام السوري والمعارضة السورية والجهات الداعمة للنظام السوري والجهات الداعمة للمعارضة أدت إلى انتشار الخطاب الطائفي بصورة مرضية ومتطرفة، دفعت المنطقة اليوم إلى شفير حرب إقليمية مدمرة، نرى مقدماتها عبر الحروب بالوكالة المنتشرة في مناطق عديدة من الشرق الأوسط.
 
فاستغلال المخاوف والهوية الطائفية لتحقيق مصالح كل طرف ننقل الهوية الطائفية والخطاب الطائفي من الفضاء المسكوت عنه و(المخجل اجتماعيا) إلى الفضاء العام مع بداية الأزمة السورية، بالإضافة للاستقطاب والحشد الخارجي الإقليمي الذي صاحب الصراع السوري.
 
ورغم خفوت صوت المعركة في سوريا وظهور بدايات لحلول سياسية، إلا أن المنطقة ستبقى تعاني لعقدين قادمين على الأقل من خطاب طائفي ومتطرف سينعكس على بنية المنطقة ثقافياً ومعرفياً وديمغرافياً، مما يعني أن ما بعد الانتهاء من الصراع المسلح في سوريا لن نكون بحالة استرخاء بل بحرب حقيقية مع خطابات متطرفة رافضة للآخر، دون أن نملك رؤية أو فكرة أو أداة لمحاربة غول خطاب الكراهية والتطرف