Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Jan-2021

الأردن في مئويته.. من دولة الوظيفة إلى وظيفة الدولة/ مالك العثامنة


 فيسبوك

لا يزال المشهد الأردني سيرياليا بجدارة، وعلى عتبة احتفال المملكة الشرق أوسطية الصغيرة بمئوية دولتها الحديثة، فإنني كأردني "هاجر إلى مواطنه الجديدة" أقر بشيء من اعتزاز على صمود "الدولة" لتنهي مئة عام منذ تأسيسها كإمارة صاغها على عجل مؤسسها عبدالله الأول، الأمير الهاشمي القادم من الحجاز وقد سحق ابن سعود طموح أبيه، وبخذلان بريطاني فقضى أيامه في قبرص منفيا منسيا، وارتحل عبدالله الأول وأشقاؤه الأمراء، كل يبحث عن مملكة ودولة.

فيصل "السياسي والمتمكن بعلاقاته في لندن" خسر مملكته في سوريا في لعبة علاقات دولية كبرى، كرست فرنسا وصيةً على دمشق حتى نالت استقلالها، فتم تعويض الملك فيصل بعرش العراق الذي أسس فيه دولة حديثة عاش فيها ومات ملكا.

وقد أورث ابنه العرش الهاشمي، ثم حفيده، فيصل الثاني، حتى انتهت دولة الهاشميين بانقلاب دموي بشع وانتهت معه كل مشاريع الدولة المؤسساتية الحديثة في العراق، منذ عبدالكريم قاسم، أول الطغاة في العراق الحديث، مرورا بمن مروا حتى دولة الدم والحديد والنار في عهد صدام حسين وانتهاء بفوضى الطوائف والهويات التي يعيشها عراق اليوم.

في الأردن، وقف الملك عبدالله الأول على باب المندوب السامي البريطاني في القدس، وقد جاءه بسياسة المطالبة بعرش هاشمي في دمشق، فانتهى باتفاق مع تشرشل "وزير المستعمرات حينها" بدولة -تحت التجربة- في جغرافيا شرق الأردن.

الدولة، التي أسسها الأمير الهاشمي منكسر الخاطر، كانت إمارة شرق الأردن، وكان رئيس وزرائها الأول اللبناني الدرزي، رشيد طليع، المتعلم في الأستانة والموظف الرفيع في الدولة العثمانية، ثم وزير داخلية الملك فيصل في دولته الأولى في دمشق، لينتهي رئيس أول حكومة في الدولة الأردنية الوليدة على الضفة الشرقية من نهر الأردن.

كان رئيس ديوان الأمير حينها وجيه دمشق وزعيمها، فخري بيك البارودي، والذي كان على دمشقيته الشديدة أيضا من أحفاد، ظاهر العمرو، ملك الجليل الذي قام بثورته الشهيرة (قبل ثورة الحسين بن علي بكثير) على الدولة العثمانية لتأسيس دولته التي لم تدم طويلا.

وكان خليفة طليع في رئاسة المشاورين "الوزراء"، السوري الحمصي، مظهر رسلان، والذي عاد إلى دمشق بعد ذلك ليكون وزير تموين في الحكومة السورية، ليتولى منصب رئيس حكومة الدولة الناشئة في الأردن، علي رضا الركابي، الدمشقي الذي شكل حكومتين (الرابعة والسابعة) ثم عاد إلى مسقط رأسه ليرشح نفسه رئيسا للجمهورية السورية في انتخابات الرئاسة وقد حمل برنامجا سياسيا هدفه إعادة الحكم الهاشمي "الفيصلي" لسوريا.

لكن الركابي فشل في ذلك، ثم ورثه في رئاسة الحكومة، حسن خالد أبوالهدى، وهو من عائلة من خان شيخون في ضواحي حلب، وقد نشأ في الأستانة، حيث تلقى فيها أرفع العلوم، واسم عائلته لا يمت بصلة لعائلة أبوالهدى، التي كان منها رئيس الوزراء الأردني أيضا في مرحلة التأسيس توفيق أبوالهدى، وهو ابن عائلة الفاروقي من الرملة.

في ظل كل ذلك، كانت تلك الإمارة بحكوماتها المتعاقبة وشخصيات دولتها، الذين أتوها من كل الاتجاهات من مكة، مثل عبدالله السراج، حتى مدن سوريا وفلسطين ولبنان والعراق، تحت نفوذ الإدارة الإنكليزية التي أبرمت مع مؤسس الدولة اتفاق التأسيس.

وقد نجح الأمير عبدالله الأول في تأسيس الدولة التي استطاع "وهو من يملؤه طموح سياسي يتجاوز حدود إمارته" أن يعلنها مملكة عام ١٩٤٦، وكان رئيس أول حكومة في المملكة، السيد سمير الرفاعي، مؤسس الطريقة الرفاعية، لا في التصوف، بل في المشهد السياسي الأردني، وهو والد رئيس الوزراء الأسبق، زيد الرفاعي، وجد رئيس الوزراء الأسبق، سمير الرفاعي، الذي يطمح للمنصب دوما وباستمرار.

كانت دولة الملك عبدالله الأول محاصرة دوما بالمؤامرات السياسية "الشقيقة"، وفي خطوة تتماهى مع طبيعته السياسية، أعلن الملك ضم الضفة الغربية للشرقية، بعد مؤتمر أريحا عام ١٩٤٩، وتمت إعادة صياغة المشهد السياسي في الدولة على أساس تكوينها الجغرافي في الضفتين.

وفي عام ١٩٥٠، اغتال متطرفون من الضفة الغربية الملك عبدالله الأول ليرث العرش ابنه الملك طلال، وهو الذي يستحضر الأردنيون تاريخه القصير في الحكم كحالة بطولية غامضة مليئة بالملابسات والضبابية، فلا أدبيات موثقة تعزز مصداقية الحكايا عن الملك طلال وقد انتهى معزولا بقرار برلماني أردني مشفوعا بأسباب مرض نفسي قيل إنه يعاني منه.

ورث الملك حسين عرش جده "وكان شخصيا ربيب جده متأثرا به وقد حضر اغتياله في القدس" في عمر يافع، وهو الملك الذي في عهده وبقيادته المنفردة بامتياز، بنى الأردنيون دولتهم، وكتبت عنه مقالا في الحرة كان عنوانه ( الحسين وكيس الأمير السعودي.. حكايات ملك لم يرحل) حاولت فيه بيان أهمية ورمزية الملك الراحل عند الأردنيين وامتداد أثره حتى اليوم.
مات الملك، عاش الملك

تلك جملة مكثفة جدا تختصر تجربة عشتها شخصيا، أنا القادم من جيل لم يعرف سوى الملك حسين رأسا للدولة حتى عام ١٩٩٩، ليرث العرش ابنه البكر، عبدالله الثاني، في تغيير مفاجئ لولاية العهد قبل وفاة الملك الراحل بقليل، فيؤول العرش إلى الأمير الذي أعلن أكثر من مرة بنفسه أنه تفاجأ ولم يتوقع أن يكون ملكا على الدولة التي استمرت، وفي عهده هو شخصيا تحتفل هذا العام بمائة عام على تأسيسها.

كل الذين راهنوا على "زوال" الدولة الأردنية انتهوا بدولهم "الشخصية" وبقيت الدولة الأردنية رغم كل ما وصفوه بها طوال قصف تاريخي مستمر، وذلك يشمل "مناضلي الثورة" الذين رأوا يوما أن تحرير "عمّان" يجب أن يسبق تحرير "تل أبيب" فانتهوا في رام الله برعاية "تل أبيب" مخاتير سلطة منتهية الصلاحية.
دولة وظيفية؟

نعم، واستمرت ما بعد الوظيفة ومن وظفوها، لتنشأ فيها المؤسسات والتشريعات، فعليا فإن غالبية الدول في العالم الحديث كانت "وظيفية" تخدم مصالح الدول الكبرى (من ضمنها المملكة البلجيكية التي هاجرت إليها وأعيش فيها وهي اليوم من دول العالم الحر).
دولة عميلة؟

وتلك كانت تهمة صادمة، لكنها تثير الضحك اليوم، أمام ما كشفته "العلاقات الدولية" عبر التاريخ.
دولة متصلة بالعدو الصهيوني؟

ربما - برأيي الشخصي- كانت العلاقات مع إسرائيل بسريتها وعلنيتها أكثر الخطوات السياسية حكمة عند الملك حسين، وهي مع ذلك، تهمة تثير الضحك جدا اليوم.
دولة رجعية؟

وتلك كانت تهمة إذاعات الدول "التقدمية" الشقيقة، وقد انتهت تقدميتها بثورات شعوبها على حكم الحديد والنار فيها.

وكثير من اتهامات للأردن - الدولة، تبرر ما سبق وذكرته في مقدمة مقالي، أن عندي اعتزاز بفكرة مئوية الدولة وأنا أسترجع ما تيسر لي من معرفته في تاريخها.

اعتزاز لا أنكره، كما لا أنكر تلك الغصة في الحلق، على ما يمكن أن يؤول إليه مصير تلك الدولة في اليوم الراهن وأنا أراقب "منهجية احتفالاتها" في زمن الكورونا الصعب، وأزمنة التغيرات العالمية الأكثر صعوبة.

هي احتفالات إنشائية لا تليق بالدولة التي ورثها الملك عبدالله الثاني وهو من لديه حلم توريثها "بيضاء من غير سوء" لولي عهده المهيأ للعرش تدريبا وتربية وتأهيلا.

الاحتفال الأكثر لياقة بمئوية الدولة لا يكون إلا باستعادة دولة المؤسسات وتعزيزها، استحضار القانون وإعادة الدستور كناظم لكل مناحي الحياة، وإنهاء حالة الاختيارات "الدونكشوتية" في محاربة وقتال طواحين الهواء لإثبات "العبث الوطني" لا أكثر.

لا بد من وقف فوري لمنهجية تشويه ومسخ وتزوير الوعي المجتمعي، وإعادة تأسيس الوعي على أسس معرفية لا دجل عادات ولا عقائد ومشايخ فيها، ولا شعوذات كهنة من كتاب وإعلاميين و "عرضحالجية التزوير التاريخي"  مثل كاتب "ديناصوري" يريد في نص إنشائي بائس أخير له أن يكون الأردنيون حاملين للتابعية "الهاشمية" لا مواطنين في دولة مؤسسات يحكمها دستور.

تلك دولة فقدت، في منتصف مسيرتها في المائة عام الأولى، نصف جغرافيتها في الضفة الغربية، وهي التي حتى اليوم تحمل مبررات البقاء والاستمرار كدولة حديثة وحقيقية مدنية "بيضاء من غير سوء الدجل الديني والشعوذة الاستبدادية".

فقط دولة مؤسسات وقانون.