الغد
هآرتس
روغل الفر
الكذبة الكبرى والمؤسسة، التي تربت عليها أجيال الإسرائيليين منذ قيام الدولة، هي كذبة 2000 سنة في المنفى. في مقال في ملحق "هآرتس" في 14/11، كتب المؤرخ يوفال نوح هراري عن الروايات التي لا أساس لها في مركز النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين: "اليهود لم يطردوا من هذه البلاد على يد الإمبراطورية الرومانية، أو على يد أي امبراطورية أخرى بعد ذلك. إضافة إلى ذلك أيضا بعد ترك معظم اليهود للبلاد من أجل البحث عن فرصة اقتصادية وحياة أفضل، لم يمنعهم أحد من العودة. تقريبا في أي فترة زمنية أراد فيها اليهود التوطن في البلاد بين البحر والنهر كان يمكنهم فعل ذلك".
كذبة 2000 سنة في المنفى لها تداعيات بعيدة المدى على تشكيل الوعي الجماعي الإسرائيلي، تتجاوز بكثير نطاق مقال هراري. الكذبة بالطبع ليس في اكتشافها. الإسرائيليون العقلانيون والمثقفون يصطدمون أحيانا، في الكتب وفي المقالات، بحقيقة أسطورة المنفى. ولكن كل المجتمع الليبرالي في إسرائيل لم ينظر جيدا إلى تداعيات هذا التشويه الصارخ للحقائق، وهو نتاج إعادة كتابة صهيونية للتاريخ.
هذه هي الكذبة الرئيسية التي يتعلمها كل أولاد إسرائيل من رياض الأطفال. الكذبة التي تتجسد في النشيد الوطني "هتكفاه" (الامل)، كذبة الاشتياق لأرض إسرائيل والقدس، الكذبة التي تصور الشعب اليهودي كضحية طردت من أرضها بالعنف والقسوة، ولم يسمح له أن يعيش بحرية فيها. كذبة "الأمل" الذي عمره ألفا سنة. هذا الأمر لم يكن موجودا أبدا. أليس من المدهش التعرف على كذبة بهذا العمق وهذا القدر؟ كذبة تم نسجها في النشيد الوطني وفي المناهج الدراسية وفي داخل الماضي، مثلما تروى وتقدم في وسائل الإعلام والأعمال الثقافية، في الوعي الوطني الأصيل لكل إسرائيلي، في الهواء الذي نتنفسه هنا. كذبة هي جزء لا يتجزأ من الثقافة، الحياة والوجود اليهودي هنا.
أليس من المدهش أن ندرك أن كل ما قيل لنا عن الطرد والنفي هو كذبة صممت لتعزيز الرواية الصهيونية؟ وكأن اليهود المقيمون في دولة إسرائيل محظوظين بسبب قدرتهم على تحقيق الرغبة الخفية والملحة لعشرات أجيال اليهود الذين "أجبروا رغم أنفهم" على العيش في المنفى.
لم يكن هناك منفى، هذا هو الاستنتاج. في ظل غياب الاشتياق ومنع الهجرة إلى إسرائيل، لم يكن هناك منفى. اليهود الذين عاشوا في الخارج لم يعيشوا في "المنفى". المنفى يعني الانفصال القسري عن الوطن، بل هم عاشوا في دول كانوا فيها مواطنين، وطوروا عقلية وفقا لذلك. هم لم يكونوا ضحايا عاجزين تم ترحيلهم ونفيهم. لقد قرروا أين يعيشوا، لقد فضلوا العيش هناك بدلا من هنا.
أليس من المدهش إدراك مدى غسل الأدمغة التي يتعرض له كل الإسرائيليين منذ الولادة؟ يتم غرس أسطورة فيهم، ويتم تعليمهم كيفية التعامل معها، بجهل وعمى، كحقيقة تاريخية. يجب إدراك ذلك. لأن بناء صورة وطنية ذاتية على كذبة صارخة تتجاهل الحقائق التاريخية، له عواقب وخيمة على الأمة. ويصبح تجاهل الحقائق وإعادة كتابة التاريخ أمر طبيعي بالنسبة إليهم.
الإسرائيليون يختارون أن يكونون مغسولي الأدمغة، ويكتمون الحقيقة التي قد تدفعهم إلى إعادة النظر في التزامهم بالصهيونية.