Saturday 27th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    24-Aug-2016

وحدة المعارف في الإسلام - ابراهيم العجلوني

 

الراي - شغفت بالباقلاني مدة, وقرأت كتابين: «اعجاز القرآن» و»التمهيد» ثم شغفت بالجويني إمام الحرمين وقرأت له: «الكافية في الجدل» ثم شغفت بالراغب الاصفهاني وقرأت له «الذريعة الى مكارم الشريعة» ثم شغفت بالامام الغزالي فقرأت له «المنقذ من الضلال» و»القسطاس المستقيم» وفصولاً من كتاب الكبير: «احياء علوم الدين» ثم رايتني اعكف على فصول شتى من كتب الرازي الكبير, ومن كتب ابن سينا, وابن رشد, وابن تيمية, وابن الجوزي ولا سيما كتابه: «صيد الخاطر». وكنت اقرأ الى ذلك كلّه في كتب العقائد على اختلاف منازعها, وفي كتب المذاهب ما اتسع لي الوقت واسعفتني الهمة, ولا ينبغي لي في هذا السياق أن انسى كتابي الامام الشافعي: «الرسالة» و»احكام القرآن» ولا كتاب الآمدي: «ابكار الافكار».
 
لم تكن قراءاتي هذه طلباً للفقه وعلم الكلام علة غير ما يتوقّع من ذلك, ولكن طلباً للعربية في شتى ضروب استعمالها. إذ قد تبين لي «بلاغة» هؤلاء الاعلام قبل ما حصّلوه من معارف وبلغوه من درجات فيها.
 
فقوة العبارة, وتماسكها وقوة المنطق ونصوعه وجمال المعاني (وللمعاني جمال لو تعلمون) كل اولئك كنت أجده في كتب هؤلاء الاعلام الذين هم بعض ميراثي الحضاري الذي اعتز به, وارجو أن يكون لي ذخيرة احتقب ما استطيعه منها وأفيد مما استطيع.
 
إن في كتب هؤلاء, وغيرهم كثير نملك الاستشهاد بهم, تمازجاً عبقرياً بين البيان والبرهان والعرفان وما شئت بعد من تجليات العقل والروح. وهم في مجملهم «طبقة عالية» ينبغي أن نجهد في الترقي الى ان نتنّور فيوضاتها.
 
إن في بعض ما سطّره هؤلاء ما يشكل انموذجاً في الجمال والدقة وقوة البنيان على نحو يذكرنا بما يسميّه الشاعر الانجليزي «كولردج» بالوحدة العضوية في العمل الفني او القصيدة. ولعل ما كتبه الامام الجويني تحت عنوان «باب في الترجيح» ان يكون مثالاً على التسلسل المنطقي الذي يصعب اسقاط أي جزء من اجزائه, ناهيك به مثالاً على عمق التناول واتساع افاقه وتراحب مراميه.
 
إن توافر أمثلة للبيان الرفيع في تضاعيف كتب الاصول لدليل قائم على عبقرية العربية, فضلاً عما يؤكده من كون تراثنا العربي, على غناه وتكثر موضوعاته, كتاب واحد من فصول شتى, يفضي كل منها الى بقية الفصول, على نحو يؤكد وحدة المعارف العربية الاسلامية. وهو معنى تناوله العلاّمة الراحل محمود الطناحي في جمهرة مقالاته. ونملك في ظلاله ان نقول ان دارس التاريخ لا يلبث أن يعنى بالأدب شعره ونثره, وبالفقه اصوله ومذاهبه, وبالبلاغة بيانها وبديعها, وبالكلام اصوله ومدارسه, حتى يأتي على جملة تحققات العربية في مسارها الحضاري المعجب.
 
ولعل ما يتعلق بذلك أن ثمة تماثلاً في مناهج النظر في هذه الميادين جميعاً. وأن ذلك كله موصول بالقرآن الكريم من حيث «الكتاب المحور» في حضارة الاسلام.