الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة
جوش روجين* – (الواشنطن بوست) 15/8/2019
في مخيم “الهول”، يمارس تنظيم “داعش” الآن نفوذاً وسيطرة أكبر مما يمارس بضع عشرات من الحراس من قوات سورية الديمقراطية المتمركزين هناك، وفقاً لمسؤولين ومشرعين وخبراء أميركيين. ويقول المسؤولون الأميركيون إن نساء تنظيم “داعش” قمن بتشكيل فرقة للشرطة الأخلاقية داخل المخيم، والتي تقوم بفرض الشريعة الإسلامية -بل وحتى تنفيذ عمليات إعدام وحشية. وأخبرني مسؤولون بأن تنظيم “داعش” يقوم بالتجنيد من داخل المخيم، ويقوم بتهريب المقاتلين إلى الداخل والخارج ويستخدم المكان للتخطيط لشن هجمات في أجزاء أخرى من سورية.
* * *
تولى تنظيم “داعش” السيطرة إلى حد كبير على مخيم ضخم في شمال شرق سورية، ولا توجد أي خطة لتحديد ما يجب القيام به مع نحو 70.000 شخص موجودين هناك (بما في ذلك أكثر من 50.000 طفل). ويجب على الولايات المتحدة وأوروبا أن تعملا فوراً على معالجة هذه الأزمة الأمنية الوطنية والإنسانية العاجلة، قبل أن يتمكن المتطرفون من إقامة خلافة جديدة تحت أنظارنا.
بعد سقوط الرقة وتمكُّن قوات التحالف من هزيمة تنظيم “داعش” وطرده من معالقه، أعلن الرئيس ترامب أن “100 في المائة” من الخلافة قد دمر. لكن عشرات الآلاف من مقاتلي تنظيم “داعش” وأفراد أسرهم الذين تبقوا تم اقتيادهم إلى مخيّمات مسيَّجة للمشردين داخلياً، مع توفر القليل من المساعدات أو الأمن أو الإشراف المناسب. وفي معزل عن المخيمات المخصصة للأشخاص النازحين داخلياً، والتي تؤوي نساء وأطفالاً في المعظم، يتواجد أكثر من 2.000 من مقاتلي “داعش” السابقين في شبكة من السجون المؤقتة المرتجلة. وتقوم على إدارة هذا النظام برمته قوات سورية الديمقراطية التي تعاني من قلة الموارد ونقص الكوادر، والمتحالفة مع الولايات المتحدة التي تضع عينيها على المخارج وتتأهب لمغادرة البلد.
في أكبر مخيم للنازحين في شرق سورية، والذي يُطلق عليه اسم “الهول”، يمارس تنظيم “داعش” الآن نفوذاً وسيطرة أكبر مما يمارس بضع عشرات من الحراس المنتمين إلى قوات سورية الديمقراطية المتمركزين هناك، وفقاً لمسؤولين ومشرعين وخبراء أميركيين. ويقول المسؤولون الأميركيون إن نساء تنظيم “داعش” قمن بتشكيل فرقة للشرطة الأخلاقية داخل المخيم، والتي تقوم بفرض الشريعة الإسلامية -بل وحتى تنفيذ عمليات إعدام وحشية. وأخبرني مسؤولون بأن تنظيم “داعش” يقوم بالتجنيد من داخل المخيم، ويقوم بتهريب المقاتلين إلى الداخل والخارج ويستخدم المكان للتخطيط لشن هجمات في أجزاء أخرى من سورية. وإذا لم يكن هذا بمثابة “الخلافة 0.2” فعلياً، فإنه سيكون كذلك في القريب العاجل.
وقال لي السناتور ليندسي غراهام (جمهوري من كارولينا الجنوبية): “يصبح مخيم النازحين داخلياً في الهول بسرعة خلافة صغيرة وأرض تجنيد خصبة لداعش. البصمة الأمنية حول المخيم ضعيفة بشكل لا يصدق، وتقوم أنواع من داعش بتشغيل المخيم وإدارته تحت أنوفنا”.
يأتي حوالي 11.000 من أصل 70.000 نزيل، معظمهم من النساء والأطفال، في الهول من دول خارج العراق أو سورية. وقد رفضت معظم تلك الدول التي جاؤوا منها استعادة مواطنيها، لتتركهم يعيشون في ظروف قاسية تجعل من جهود “داعش” للتجنيد أسهل بكثير. وقد استعادت الولايات المتحدة 21 من مواطنيها الذين قاتلوا مع “داعش” وكانوا في مخيمات النازحين داخلياً في سورية، وهي تقوم الآن بمحاكمة كل من سافر إلى سورية من البالغين. لكن معظم الدول الأوروبية رفضت القيام بمثل ذلك؛ بل إن البعض منها قامت بتجريد أعضاء “داعش” من مواطنيها من جنسياتها.
وقال غراهام: “كان الرد الأوروبي عندما يتعلق الأمر بمقاتلي داعش خطيراً ومثيراً للشفقة. عندما يتعلق الأمر بالهول، فإن الأضواء الحمراء تومض. ونحن نتجاهلها بطريقة سوف تعرضنا للخطر الحتمي”.
كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المحبط من موقف أوروبا بهذا الصدد، قد هدد مسبباً بـ”إطلاق سراح” الآلاف من مقاتلي “داعش” وتركهم ليعودوا إلى أوروبا -وهو ما كان مزحة على الأرجح. ولكن، في غياب اتخاذ بعض الإجراءات، فإن هؤلاء المقاتلين سيتمكنون من الوصول إلى هناك على أي حال. وقد أخبرني مسؤولون بأن نزلاء من مخيم الهول الذين ينتمون إلى “داعش” ظهروا بالفعل في مناطق مختلفة من سورية وتركيا.
وقال تقرير جديد للمفتش العام بوزارة الدفاع الأميركة إن “داعش” يقوم بالتجنيد بنشاط داخل مخيم الهول. وقال المفتش العام إن إعادة سكانه إلى أوطانهم هو أمر بالغ الأهمية لمعالجة هذه المشكلة. وقال التقرير: “إن عدم قدرة قوات سورية الديمقراطية على توفير أكثر من ’الحد الأدنى من الأمن‘ في المخيم قد سمح بتكون ’ظروف مثالية لا يُنازعها شيء’ لنشر أيديولوجية داعش هناك”.
ذهبت الأزمة الأمنية والإنسانية في مخيم الهول إلى مزيد من التفاقم بسبب انسحاب القوات الأميركية من شمال شرق سورية وغياب اليقين من الالتزام الأميركي هناك. وكانت إدارة ترامب غامضة إزاء الإفصاح عن خططها في سورية، في جزء منه لأن مسؤولي ترامب يعلمون أن بإمكان الرئيس سحب مقبس العملية بأكملها في أي وقت. لكن هذا الغموض يقوض القيادة الأميركية اللازمة لمعالجة هذه الأزمة.
يقول تشارلز ليستر، مدير مكافحة الإرهاب بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن: “إذا أراد الرئيس أن يكون ناجحاً في مواجهة داعش، فإن عليه ابتلاع الواقع الصعب المتعلق بما هو ضروري حقاً وعرض قدر من الالتزام أكثر مما يفعل الآن بكثير. ويتعين على مسؤوليه أن يجدوا الشجاعة لإثارة نقاش حول هذا الأمر معه ومع الجمهور. المخاطر كبيرة للغاية الآن، ولا يمكننا أن نستمر في الهمس بالحقائق حول مدى سوء الأوضاع”.
بالإضافة إلى إعادة أفراد العائلات في المخيم إلى أوطانهم، يجب على المجتمع الدولي التعامل مع كيفية الإبقاء على المقاتلين المتشددين محتجزين وابتكار نظام سجون لا يعتمد على قوات سورية الديمقراطية وحدها. ويجب على الولايات المتحدة أن تزيد فوراً من مستوى الأمن في السجون والمخيمات. كما يجب أن يتم بذل بعض الجهد لنزع التطرف من الأطفال الذين ما يزال من الممكن إنقاذهم. وإذا لم يتم القيام بكل هذا قريباً، فسوف تصبح الاستراتيجية الأميركية لضمان الهزيمة الدائمة لداعش كلها عبثية ولا طائل تحتها.
وفقاً للأمم المتحدة، فإن 65 % من سكان الهول تقل أعمارهم عن 12 عاماً، وهناك 20.000 طفل تقل أعمارهم عن الخامسة، مما يعني أنهم ولدوا في الخلافة الأولى. وإذا سمحنا لهؤلاء الأطفال بالنمو في “الخلافة 2.0″، فسيكون أطفالنا هم الذين سيترتب علينا أن نعيدهم إلى هناك لمحاربتهم مرة أخرى في يوم من الأيام.
*كاتب عمود في قسم الآراء العالمية في الواشنطن بوست. يكتب عن السياسة الخارجية والأمن القومي. وهو أيضاً محلل سياسي لشبكة CNN. عمل سابقاً مع كل من “بلومبيرغ ريفيو”، و”ديلي بيست” و”فورين بوليس”، و”كونغرس كوورتارلي” والعديد من المطبوعات والمؤسسات الإعلامية الأخرى.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: The Islamic State is building Caliphate 2.0 in a Syrian camp