Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Jan-2021

«تراتيل الشتات» لريما كامل البرغوثي قصائد تتغنى بالحرية وتتأمل الشتات الفلسطيني

 الدستور– نضال برقان

 
في مئة وإحدى وأربعين صفحة من القطع المتوسط، صدر عن دار المشكاة في مدينة إربد، باكورة دواوين الشاعرة الأردنية ريما كامل البرغوثي، الموسوم بـ «تراتيل الشتات» الديوان الذي يضم عددا من القصائد العمودية، تنتصر فيها الشاعرة ريما البرغوثي للقيم الإنسانية الرفيعة، المتمثلة في الحرية والحق والنضال التي من خلال الدفاع عنها تتصدى للحديث عن تحدي أبناء فلسطين للاحتلال الغاصب لوطنهم، والتمسك بالأرض والهوية الوطنية الفلسطينية، وتعلي من قيمة الشهادة والشهداء، وتتناول الشتات الفلسطيني ومآسيه.
 
هذا الديوان جاء بمقدمة للشاعر سعيد يعقوب ومما قال فيها: «.. ونحن في الأردن لدينا كباقي هذه الأقطار العربية، شواعر امتلكن زمام الشعر، وناصية البيان، والقدرة الفائقة على التعبير الفني، وبلغن فيه الذروة العليا، ووصلن منه إلى الغاية القصوى، ولعل شاعرتنا المبدعة ريما كامل البرغوثي هي من أهم وأبرز هاته الشواعر، إن لم نقل بكل تجرد وموضوعية ونزاهة، إحقاقا للحق وإنصافا لها، أنها تأتي في المقدمة نرفد هذا الرأي، ونستشهد عليه بهذا الديوان الثمين، الذي كتبنا ما كتبناه سالفا تمهيدا للحديث عنه، وعن صاحبته التي تستحق موهبتها العميقة من النقاد الالتفات إليها، وإنصافها بما هي أهل له، إن الشاعرة ريما البرغوثي هي من المربيات الفاضلات، اللواتي يعملن في التربية والتعليم، وقد تخصَّصت في الأدب العربي، فتخرجت في الجامعة تحمل شهادة جامعية من قسم اللغة العربية، والحقيقة أن معظم الشعراء في العصر الحديث في الأغلب الأعم، (وإن شذ عن ذلك عدد من الشعراء فمثلا شوقي تخرج في الحقوق وإبراهيم ناجي كان طبيبا وعلي محمود طه كان مهندسا وهكذا ..) امتهنوا مهنتين اثنتين لا ثالث لهما، وهما إما العمل في التدريس، وإما العمل في الصحافة والإعلام، لأن هاتين المهنتين هما الأقرب إلى الرسالة التي يحملها الشاعر، وهما المهنتان الحبيبتان إلى قلبه، اللتان يستطيع أن يحقق ذاته من خلالهما، فتراه يختار إحداهما، إذا كان أمره ملك يده، ولم تتدخل الظروف المحيطة به لصرفه عن إحداهما، والشاعر الذي يعمل في التدريس يجد نفسه في وضع يفرض عليه أن يشارك في المناسبات الدينية والاجتماعية والوطنية ويجد أن تلك نافذة يستطيع من خلالها، أن يرسل برسائله إلى المجتمع، والناشئة ممَّن يعلِّمهم ويربيهم، ولذلك فهو يتخذ المبادئ القومية، والوطنية والاجتماعية أساسا ينطلق منه عندما ينشد قصائده، محافظا على تراث أمته، وذائدا عن حياضها ومقدَّسها، منافحا صلبا عن عقيدتها وثوابتها، منحازا إلى الأخلاق السامية، والمثل العليا، والقيم النبيلة، يبث روح الحماسة والأمل، ويبشر بغد مشرق، يشد العزائم ويبعث الهمم، ويذكِّر بالماضي المجيد، ليكون أساسا قويا لنهضة مرتقبة، من هنا نستطيع فهم قصائد الشاعرة ريما البرغوثي في ديوانها هذا ونستطيع الإلمام بالأسباب التي وقفت خلف الشاعرة، وهي ابنة وطن محتل، يعاني من أكبر ظلم عرفه العالم، وابنة شعب وقع له من البغي والعسف والطغيان ما لم يقع لشعب من الشعوب، لتتخذ هذا الموقف من الحياة، ولتنظر إلى الدنيا بمثل هذه النظرة، نظرة الإنسان المدافع عن الحقوق، المتشبث بالأرض، المحرِّض على الثورة، الداعي لإرجاع الحق المغتصب، والوطن المنهوب، المنادي بالوحدة، المتغنِّي بالشهداء، والتي تصب جام غضبها على كل خائن ومطبِّع، وتنزل سياط حَنَقِها وغضبها على كل متخاذل وجبان رعديد، إنها تعبر عن الإنسان العربي عموما، والإنسان الفلسطيني تحديدا، هذا الإنسان المجروح، الذي يبحث عن ضماد لجراحه النازفة، من خلال هذه القصائد الغاضبة الثائرة، المنحازة للشعر العربي الأصيل بكل مقوِّماته واشتراطاته، هذه القصائد الناضجة التي تنمُّ على موهبة كبيرة وتكشف عن براعة ومهارة فائقتين، ونفس كبيرة أصيلة، وكفاءة شعرية يُعْتَدُّ بها، وإن الشعراء المتخصصين في اللغة العربية، هم شعراء محظوظون ومميَّزون عن غيرهم من بين سائر الشعراء الآخرين، وذلك أن اللغة العربية بحر خضمّ متلاطم الأمواج فيه كثير من التفاصيل الدقيقة، والجزئيات الخفية، التي لا يمكن لغيرهم الإلمام بها، مهما كثرت مطالعاتهم، أواتسعت رقعة معارفهم، إن الدراسة المنهجية الأكاديمية للغة العربية، تتيح للشاعر المميز أو الموهوب، أو الذكي كحال شاعرتنا ريما البرغوثي، أن يطَّلِع على ما لا يطَّلِع عليه غيره من الشعراء، ولذلك فليس عجيبا أن تكون شاعرتنا على هذا المستوى الرفيع من الاتقان للغة بكل مستوياتها، نحوا وصرفا وعروضا وقافية وإملاء ومعجما لغويا ثرًّا، حتى إنه ليعْجِزُك أن تجد لها خطأ واحدا من بين ذلك كله، أضف إلى ذلك هذه الثقافة الواسعة والمعرفة الدقيقة في تصريف الشعر تصريفَ العارف بخباياه وأسراره، ومواكبة تطوره فهي تكتب شعرا حديثا، يلبّي ذائقة القارئ المعاصر، وتجمع بين الحُسْنَيَيْنِ، وقلَّ أن يجْمع بينهما شاعر، من جيل الشباب اليوم، وهما المحافظة على القصيدة العمودية في شكلها الكلاسيكي، وإطارها التراثي وهيئتها الأصيلة، وبين المضامين الحداثية التي تهتم بها من حيث التجديد والابتكار، والصورة الشعرية، أضف إلى ذلك الألفاظ الأنيقة، والأوزان الرشيقة، وحسبها هذا الفكر الأصيل العميق الذي يتخندق في خندق الوطن والشعب، إن شعرها شعر نضالي بامتياز، وهو ما يرضى عنه الناقد البصير الموضوعي الرصين، وما يبحث عنه القارئ المتذوق للنصوص الشعرية الرفيعة، ...»
 
ومن أجواء الديوان نقرأ من قصيدة بعنوان شهرزاد : 
 
«وأهـربُ من لقـائــكَ كلَّ ليـلٍ/ فتأتيـنـي طيـوفُـكَ في منامي/ فأفرشُ للدمـوعِ هدوبَ قلبـي/ وأقرئـكَ السّـلامَ على السّـلامِ/ أيـا طيفًا يُعَشّشُ في ضلوعي/ ويـا شمعــًا يذوبُ بـهِ ظلامي/ ويـا روحـًا عشـقـتُ بها أنيسًا/ يراودُ مُهجـَتـي وَسَطَ الزّحــامِ/ إذا اقتربـتْ مسافـاتُ الليالـي/ غدوتُ معَ اللقاءِ علـى خِـصـامِ/ وإن تُبعـدْ أذبْ كشمـوعِ عيــدٍ/ يغـازلُ وهجَهــا ظلُّ الحِـمـامِ/ فيا طيفًــا.. ذبـلــتُ لـه حنينـًا/ ونـارُ الشّوقِ يُشعلُهـا ضِرامي/ تلطفْ بي فإنـّي مَحْـضُ قـلـبٍ/ تُلـوّعــُهُ ارتشـافــاتُ الغــرامِ/ فإن آنسـتُ في لقـيــاكَ قربـًا/ نذرتُ الصومَ... عـن كلِّ الأنـامِ/ وإن جَـفـّتْ ينـابـيــعُ التلاقـي/ رُوِيـنـــا من شـآبيـبِ السّقـامِ/ وإن رحلــتْ نوارسُـنـا بعيــدًا/ فلا تُشـعـلْ جـراحـي بالمـلامِ/ فحبـُّك خالــدٌ مـا عشتُ دهـرًا/ أشَيّعُـهُ.. وأسـرابَ اليـمــامِ/ وأنتَ الشّهريــارُ فهاتِ فجــرًا/ ليُسْـكِـتَ شـهرزادَ عـن الكلامِ».
 
تجدر الإشارة إلى أن الشاعرة ريما كامل البرغوثي من مواليد مدينة رام الله حاصلة على درجة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها تخرجت في الجامعة الأردنية عام 1985 وتعمل في وزارة التربية والتعليم لها دواوين قيد الطبع منها على الطريق/نوارس على شاطئ الاغتراب وعدد من المخطوطات الشعرية الأخرى.