Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Apr-2022

مراجعة كتاب «التربية وظيفة – مهنة – رسالة/ مسيرة حياة تربوية» للدكتور عزت جرادات

 الدستور-نداء عايد الخزعلي

تناول الكتاب (كما هو واضح من عنوانه) مسيرة نظام التربية والتعليم في الأردن، إذ قدمت هذه المسيرة بشكل مذكرات شخصية وسيرة ذاتية لتجارب وخبرات وأحداث امتدت حوالي سبعين عاماً، استعرضها المؤلف بغرض التعريف بالأفكار والرؤى التربوية التي مر بها النظام التربوي في الأردن قُبيل عهد إمارة شرق الأردن وصولاً لما بعد عام 2000.
في هذا الكتاب الذي صدر مؤخراً من قبل (دار اليازوري)، ويقع في 274 صفحة، رصد د. عزت جرادات تطور الحركة التعليمية ومشهد التعليم في الأردن تماماً وبحيادية، ومن موقع متخصص مطلع على كافة التفاصيل، فالكتاب خلاصة لتجربة أكاديمية وعملية طويلة وخبرات محلية وعربية وعالمية في مختلف الأنشطة التربوية والفكرية والثقافية وضعها المؤلف بين يدين طالب المعرفة عن التربية والتعليم، ذلك أنه سيجد في الكتاب كل ما يرغب بمعرفته من معلومات عن مسيرة التربية في الأردن، والمهتم سيدرك من خلال هذا الكتاب مغزى ودلالة الدور التربوي والتعليمي الأردني بوصفه حاجة وطنية ملحة لبناء التنمية البشرية والاجتماعية.
قدمت المذكرات بفكر تربوي مصاغة بأبسط العبارات وتناولت بعض القضايا التربوية التي تبقى حية على الدوام لأنها مشكلة أجيال متتالية فجاء عرضها للتعريف بها ووضعها في إطار مستقبلي لتتمكن الأجيال القادمة من مناقشتها والوصول لأنجع الطرق لحلها.
وتضم دفتي الكتاب ستة فصول أسرد المؤلف فيها أحاديثاً ومواقفاً وتجارباً تراكمت في ذاكرته وخواطره فوثق الفصل الأول وهو أطول فصول الكتاب قصة الكاتب مع معايشة التربية، بالإضافة إلى الأفكار والرؤى التربوية بدءً في عهد ما قبل الإمارة وصولاً إلى ما بعد عام 2000، في محاولة لتقديم أهم الأحداث التربوية في كل عقد بإيجابياته وبعيدا عن التجريح، فقدم فصلاً غنياً وموسعاً «لم يترك شيئاً في التربية إلا ومر عليه»، ورصد الكاتب التحولات المهمة والنوعية في طبيعة الحياة التربوية والتعليمية والفكر الأكاديمي في الأردن، فتحدث عن بدايات التعليم في «الكُتاّب»، ومرحلة الالتحاق بالمدارس ومحدوديتها، والسعي لنشر المعارف وتشييد المدارس، وصدور نظام المعارف، وأتون الحياة المدرسية بين الثقافة والسياسة والاجتماع خلال تلك العقود، وتشكيل اللجنة الملكية للتعليم، وإعداد قانون التربية والتعليم لإحداث نهضة تربوية تلبي طموحات المملكة ومستقبلها، واحتلال الضفة وتداعياته على النظام التربوي، وبرنامج تأهيل المعلم والعلاوة، والتطوير التربوي الشامل، ومشروع قانون التربية والتعليم الجديد، ومشروع إتحاد المعلمين، والمؤتمرات المعنية بالمجال التربوي، والزيارات الاستشارية العربية.
ركَّز المؤلف على الجوانب تربوية بيد أنه وثق أيضاً الكثير من الخبرات التربوية التي اكتنزها من خلال تجاربه في التعامل مع المؤسسات التربوية على المستويات الوطنية والعربية والعالمية، والمشاركة في المؤتمرات والندوات التي تنظمها المنظمات مثل اليونسكو، وإيسيسكو، ومكتب التربية الدولي، والتي تدل صراحتاً على الجهود والمحاولات الجادة التي بذلت للإصلاح والتطوير التربوي، ولإحداث تغير على درجة كبيرة على المستوى المحلي والإقليمي، فسرد الكاتب في الفصل الثاني أسباب إنشاء هذه المؤسسات والمنظمات التربوية، ودورها في مجال التربية والعلوم والثقافة، وأهمية برامج التعليم والسياسات العلمية في تحقيق التنمية المستدامة والتعاون الدولي الدائم، وطرق الاستجابة للاحتياجات المتجددة من خلال تشجيع التجديد التربوي وتنشيطه، وأورد أسماء المؤتمرات والندوات والنشاطات التي عُقدت وكان له حضوراً فاعلاً بها.
ولا يتردد مؤلف الكِتاب في الفصل الثالث من مناقشة مجموعة من القضايا التربوية التي تشغل الرأي العام باعتبارها قضايا أساسية في النظام التربوي وتظل مفتوحة للحوار المتجدد بشكل واضح وموسع، فوصف مشهد تعليم تماماً وبدون مواربة وبحيادية خلال عهد الإمارة وما قبله معتمداً على تقرير وزارة الثقافة والإعلام، وبَيّن الحالة الأردنية في التشريع التربوي».
ولم يكتف الكاتب بسرد المعلومات عن التربية في الأردن في الكتاب بل قدم نظرة تحليلية لأهداف التعليم في الوطن العربي والأنظمة التربوية وقدم استنتاجات متعددة من خلال قراءته لواقع التشريعات التربوية وتطبيقاتها وأثرها في إحداث نهضة تربوية عربية أكثر جودة وفعالية.
ولم يغفل المؤلف عن اللبنة الأساسية الأولى في العملية التعليمية «المعلم»، فوقف عند نشأة المعلم، والتحديات المعاصرة والمستقبلية التي يواجهها، وأساسيات إعداد معلم مستقل، فيقول: «أن المعلم الأفضل هو الذي يتسم بالصفات الخمس التالية: حب المهنة، والإلمام بالمادة التعليمية، ومهارة عالية في فن التعليم، والثقة المتبادلة مع الطلبة، والشخصية القوية مع الجاذبية في التعامل».
وفي الفصل الرابع وثق الكاتب الأفق الإسلامي والاهتمام بالقضية الفلسطينية والقدس كونها القضية الأهم من خلال المؤسسات الإسلامية المستقلة التي تعنى بالقضايا العامة للأمة العربية -الإسلامية، ونماذج حوارات الأديان والحوار الإسلامي – المسيحي، وحوار الحضارات، وقد أورد الكاتب تجربته المعاشة في المؤتمرات والندوات والأنشطة المتعلقة بالمؤتمر الإسلامي لبيت المقدس، وأحداث المؤتمر الحادي عشر لمجمع البحوث الإسلامية المعنون «الدعوة الإسلامية»، مشيراً إلى دور «مؤسسة آل البيت» في انجاح برنامج الحوار بين الأديان.
قدم لنا المؤلف في الفصل الخامس عدداً من الأفكار والاقتباسات من مقالات عديدة كان قد نشر عدد منها في جريدة الدستور الأردنية، لأهميتها وتناسقها مع مضمون الكتاب ومن الاقتباسات التي أوردها «تدرك المجتمعات الإنسانية في هذا العصر أن أفضل وسيلة للنمو الاقتصادي هي الاستثمار في التعليم من أجل إيجاد أو تكوين رأس المال بشري قادر على تحقيق زيادة في الدخل القومي الحقيقي، ويحصل على عائد اقتصادي واجتماعي أفضل، فالتعليم عملية استثمارية تتطلب الاستخدام الذكي لجزء من مدخرات المجتمع في تطوير قدرات الأفراد ومهاراتهم بهدف رفع الطاقة الإنتاجية».
ويقف المؤلف بالفصل السادس لتقديم رؤية شخصية عن البيئة التي أسهمت في التكوين شخصيته من خلال ذكرياته، فيتحدث عن مدينته إربد بشكل كامل فيبدأ بمزيجها الإجتماعي الدافئ، وبيئتها الثقافية الغنية بالصحف والمجلات المحلية والعربية، ويذكر بدايات الإنتماء السياسي، ويصف اقتصادها ونشاطها التجاري، وينتهي لذكر أماكنها ومعالمها التراثية والأثرية، وقال المؤلف في إربد «لم تغب المحاضرات الفكرية والثقافية والأدبية عن «البيئة الإربدية»، فكان يدعى لها كبار المفكرين والمثقفين من خارج إربد»، وكانت سمتها السماحة والتسامح والعيش الرغيد.
يشكل الكتاب بالمجمل مادة مرجعية مهمة للمهتمين بالعمل التربوي والتعليمي وللباحثين، كما أنه يعتمد الرواية الشفهية والذاكرة الجمعية أساسأ للمعلومات الواردة فيه، فهو نتاج معرفة متراكمة استمرت في الذاكرة الجمعية زمناً طويلاً، ويعكس انطباع المؤلف الذي عايش الأحداث وتفاعل معها وكان في جزء كبير منها فاعلاً، مما جعله يورد معلومات لم تذكر في مصدر آخر، ويوسع دائرة فهمنا لبعض المجريات، ويقدم نظرة شاملة لنشأة تعليم متواضعة التي بدأت في الأردن وخطوات تطورها لاحقاً لتصل إلى نظام تربوي متطور يواكب الحاجات الوطنية والمتغيرات العالمية مما يساهم في تطور الأردن سياسياً واجتماعياً وثقافياً وفكرياً للوصول إلى التنمية الشاملة والمستدامة.
*باحثة في التاريخ الشفهي والكتابات القديمة