Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    21-Nov-2017

حروب غير نمطية (1-2( - د. محمود عبابنة

 الراي - زعزعة استقرار الدول العربية بهدف تقسيمها طبقاً لمبررات إقليمية أو عرقية أو طائفية هي الشغل الشاغل لقوى الهيمنة الصهيونية والمخططين الإستراتيجيين الأميركيين، ونظرية المؤامرة بهذا

الشأن ليست شماعة، وإن تكرر التمسك بها والتعليق عليها كلما يداهمنا عجزنا وتخلفنا وقلة حيلتنا،
فمن ينكر أن مصلحة إسرائيل والدول الداعمة والراعية لكيانها هي في إضعاف هذه الشعوب التي
يصفونها بالشريرة (خطاب تاتشر في أميركا غداة الغزو الأمريكي البريطاني للعراق)، ومن ينكر ما
ينادي به أحد أهم أساطين الفكر الغربي ومهندس تقسيم العالم العربي «برنارد لويس» حيث يقول:
(الحل الوحيد للتعامل مع الشعوب العربية والمسلمة هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير
ثقافتهم، وتقسيم دولهم إلى وحدات عشائرية وطائفية، واستثمار التناقضات العرقية والقبلية
لتحقيق غرض السيطرة عليهم)، وفي حقيقة الأمر فإن ما يبرر رغبتهم في تفتيت دول المنطقة
العربية هو الرغبة في السيطرة وحماية أمن إسرائيل وبقائها، والإستئثار بمقدرات المنطقة وخيراتها
الطبيعية الوفيرة من النفط والغاز، والتحكم بمضائق العبور البحرية المهمة (مضيق باب المندب - قناة السويس).
 
إلا أن الدول المهيمنة في مسعاها باتت أكثر حرصاً على سلامة جنودها ذوي العيون الزرقاء، بعد ورطة غزو العراق ومقتل عشرات الألوف من الجنود الأميركان، ومئات الألوف من أبناء الشعب العراقي، وتدمير مقدراته وإعادته إلى الوراء، فبرغم نجاحهم بالقصف والتدمير الذي طال البشر والحجر، تبين لهم أن الانتصار لا يكون دائماً في ميادين القتال، بل في تحقيق الهدف من الحرب، فالعراق بدل أن ينضوي تحت القبعة الأميركية اختار لبس العمامة الإيرانية، وبدل أن يصبح العراق نموذجاً عربياً في الديموقراطية وحقوق الإنسان ترعرعت الطائفية والعرقية، وتولدت الجماعات المتطرفة، وكانت النتيجة تهاوي مصداقية أميركا حول الديموقراطية وحقوق الإنسان، وأدرك كثيرون زيف هذا الشعار الذي لا يتم نصبه إلا أمام كل موقع أو ورشة تدمير واحتلال للدول المستهدفة، فهم يخفونه ويغضون الطرف عن دول تتعوذ من الشيطان الرجيم عند سماعه، ومن هنا فقد استنبطت هذه القوى نمطاً جديداً من الحروب لاستهداف الدول المتمردة والشعوب المزعجة، لا تحتاج إلى جيوش منظمة وأرتال من الدبابات والعربات المصفحة، بل كل ما تحتاجه إلى معلومات إستخبارية ودراسات معمقة عن طبيعة تفكير هذه الشعوب وفئاتهم وعقائدهم، ليتسنى لهم تجنيد أو قيادة تنظيمات لها رؤيتها ورسالتها الأيدولوجية من مواطني الدول المستهدفة واستعمالها كأدوات وتزويدها بالمال والسلاح والمعلومات لتنفيذ مخططاتهم في خلخلة البناء السياسي والاجتماعي لهذه الدول، وقصم ظهر جيوشها المجاورة لإسرائيل تمهيداً لتحويلها إلى دول فاشلة ومن ثم تقسيمها وتفتيتها على مستوى الجغرافيا والهوية، ومن ثم وضعها تحت الوصاية الأميركية، ولعل ما يحدث في سوريا وليبيا ومصر والعراق واليمن والدور الباقي على لبنان، هي أمثلة حية لمفهوم الحروب غير النمطية أوالجيل الرابع من الحروب، التي توصل إليها الكثير من مخططي الإستراتيجية العسكرية الأميركية.