Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Jul-2020

حل العقدة: ميزانية الدولة في أسر السياسة

 الغد-يديعوت أحرونوت

 
مانويل تريختنبرغ
 
لا توجد دولة اخرى في العالم تدار وفقا لميزانية دولة لسنتين. هذا ابتكار اسرائيلي بائس بدأ بسبب عقدة سياسية (استقالة اولمرت في ايلول 2008 والتي منعت اقرار الميزانية للعام 2009) وتثبتت منذئذ في حكومات نتنياهو كوسيلة لتمديد سيطرته السلطوية في كل مرة. ميزانية لسنتين معناها أن الدولة تكبل نفسها لسنتين مسبقا على كم وكيف تنفق على الصحة، التعليم، الامن وما شابه، استنادا الى ليس اكثر من تنبؤ فظ عن المستقبل. فالواقع يركض دوما بسرعة اكبر من كل توقع، وعليه فإن كل ما تقرر قبل وقت طويل من ذلك يصبح لا صلة له بالواقع. ليس فقط لا توجد دولة اخرى تتصرف هكذا بل ولا توجد اي شركة، اي مصلحة تجارية، اي جمعية، تدخل نفسها في اطار صلب من الميزانية لسنتين مسبقا (وبالمناسبة، فإن ميزانية لسنتين تتعارض والقانون الاساس: اقتصاد الدولة، وعليه فانه منذ اكثر من عقد يتم تجاوز ذلك من خلال “أمر الساعة”).
حجتان تطرحان لتبرير الميزانية لسنتين: تعزيز قدرة التخطيط في الوزارات الحكومية وتعميق الاستقرار السياسي إذ إن عدم اقرار ميزانية هو مبرر لإسقاط الحكومة. صحيح أن الوزارات الحكومية لا يمكنها أن تتصرف من اليد الى الفم بعد سنة دون اطار متعدد السنين، غير أنه لا تناقض بين ميزانية لسنة وبين التخطيط للمدى البعيد: سواء كان الحديث يدور عن ميزانية دولة لسنتين أم لسنة، يدار الجيش الاسرائيلي منذ سنين وفقا لخطة متعددة السنين، وهكذا ايضا التعليم العالي، ووزارات اخرى مثل الطاقة والمواصلات تدير هكذا استثمارات بعيدة المدى. غير أنه في كل سنة وسنة يجب تكييف تنفيذ الخطط متعددة السنين مع الملابسات الآنية، فيما أن الميزانية السنوية هي الملعب الصحيح الذي يمكن فيه حل التوتر المحتم بين التخطيط بعيد المدى وبين الواقع المتغير. لقد كانت المرة الاخيرة التي اقرت فيها ميزانية في دولة اسرائيل في اذار 2018. لا توجد دولة اخرى تدار ماليا وفقا لتوقعات اجريت قبل نحو سنتين ونصف – فالعالم تمكن من التقلب عدة مرات منذئذ. الانتخابات المتكررة، التي ولدت حكومة مليئة بالتناقضات والخصومات الداخلية جلبتنا الى وضع عبثي مرت فيه سبعة اشهر في 2020، وحتى الآن لا يوجد حتى توافق هل ستكون الميزانية لسنة ام لسنتين.
لو كنا نجري هذا النقاش قبل شهرين – ثلاثة اشهر، لكنت عارضت بشكل شدة الميزانية لسنتين لذات الاسباب التي ذكرتها، والتي تكون ذات مفعول اشد في ضوء انعدام اليقين العظيم الذي يرافق كورونا. ولكن 2020 مرت في معظمها علينا، وحتى لو بدأت المداولات غدا عن ميزانية لسنة واحدة للعام 2020، فسيستغرق اقرارها شهرين، اي انها لن تدخل حيز التنفيذ الا بعد الاعياد. ستكون هذه نكتة مريرة ان تقر ميزانية “سنوية” لثلاثة اشهر بصعوبة – وعندها متى ستبحث ميزانية 2021؟ اذا كان هكذا، واضح تماما بأن الجدال ليس على مدة الميزانية بل على مدى حياة الحكومة: رئيس الوزراء اياه الذي على مدى اكثر من عقد يمجد الميزانية لسنتين اصبح فجأة مؤيدا لميزانية لسنة واحدة – كثغرة هروب غير ناعمة من التناوب؛ وأزرق أبيض من جهته يتمسك بميزانية لسنتين ليس لاعتبارات اقتصادية صرفة بل كرهينة مشكوك فيها لتنفيذ الاتفاق الذي وقع عليه. خسارة انه الى هذه المشادة السياسية الكريهة ادرج موضوع يفترض أن يكون مهني – اقتصادي. هذا تخفيض لقيمة الاقتصاد، هذا ذر للرماد في العيون. ولكن الزمن فعل فعله، وانكشفت الخدعة: لم يعد هناك خيار لميزانية لسنة واحدة ذابت منذ الآن بين الاصابع.
اذا اجيزت ميزانية للعام 2020 فهذه ستكون المرة الاولى التي ستدار فيها اي دولة وفقا لميزانية ربع سنوية. وعليه، فلا مفر غير تشريع ميزانية للعام 2021 تتضمن ايضا اطارا لانهاء العام 2020. هكذا يكون ممكنا للصقرين ان يسجلا انتصارا: رئيس الوزراء يحصل على ميزانية مثابة سنة واحدة (ولكن للعام 2021 وليس 2020) وبيني غانتس يحصل على ميزانية لسنة وربع، قد توفر له التناوب. فليكن لهما، ولنا بالتوفيق