Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Aug-2019

أنهار الغبار: مشكلة المياه في الشرق الأوسط

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

كون هالينان – (كاونتربنتش) 5/8/2019
ثمة حلول هناك، لكنها تتطلب مستوى من التعاون والاستثمار لا تمارسه سوى قلة قليلة من الدول في الوقت الحالي. ولا تملك الكثير من البلدان الأموال اللازمة لإصلاح أو تحديث البنية التحتية للمياه. وتفقد الأنابيب المهترئة كميات هائلة من المياه من خلال التسرب، وتحد السدود من تدفق الأنهار، وتخلق مشاكل التلوث الملحي لمجاري الأنهار في أماكن مثل العراق ومصر. وعلى أي حال، تمتلئ السدود في النهاية بالطمي.
* * *
مكتوب في التاريخ أن “إياناتم، حاكم لكش”، ذبح “60 جندياً” من “أُمة” (اليوم أم العقارب في العراق). ووقعت المعركة بين المدينتين-الدولتين القديمتين قبل 4.500 عام بالقرب من نهري دجلة والفرات العظيمين في ما يعرف اليوم بالعراق. وسبب النزاع؟ الماء.
أكثر من أربعة آلاف سنة مرت منذ أن اشتبك الجيشان بسبب محاولة إحدى المدينتين-الدولتين سرقة المياه من الأخرى. ولكن، في الوقت الذي تغيرت فيه أدوات الحرب، فإن القضية التي تسببت بنشوب الصراع ما تزال هي نفسها إلى حد كبير: مَن يسيطر على الأنهار يسيطر على الأرض.
الآن، أصبحت هذه الأنهار العظيمة تجف، في ما يُعزى في جزء منه إلى الإفراط في الاستخدام والإهدار، وفي جزء آخر إلى أن تغير المناخ الذي يقصف المنطقة بالعقاب المتمثل في تعاقب سنوات من الجفاف.
يشتد الخلاف بين سورية والعراق من جهة، وتركيا من جهة أخرى، بسبب نهري دجلة والفرات. وتشهد علاقات مصر مع السودان وإثيوبيا توتراً بسبب نهر النيل. ويتهم الأردن والفلسطينيون إسرائيل بنهب مياه الأنهار لري صحراء النقب وبالاستيلاء على معظم خزانات المياه الجوفية الثلاثة التي تقع تحت الضفة الغربية المحتلة.
وفقًا للأقمار الصناعية التي تراقب المناخ، فإن حوض دجلة-الفرات، الذي يحتضن تركيا وسورية والعراق وغرب إيران، يفقد المياه بوتيرة أسرع من أي منطقة أخرى في العالم، باستثناء شمال الهند.
وليست مشاكل المياه في الشرق الأوسط فريدة من نوعها. ثمة منطقة جنوب آسيا -وخاصة القارة الهندية- التي تعاني أيضاً من الإجهاد المائي، وتعاني أستراليا ومعظم دول الجنوب الأفريقي من نوبات جفاف شديدة. وحتى أوروبا تناضل مع انخفاض منسوب بعض الأنهار بشدة إلى حد أصبح يعوق حركة الشحن فيها.
لكن الشرق الأوسط تضرر بشدة بشكل خاص. ووفقاً لمؤشر الإجهاد المائي، فإنه من بين 37 دولة في العالم تواجه ضائقة مائية “مرتفعة للغاية”، هناك 15 دولة في الشرق الأوسط، مع وجود قطر والكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية في رأس القائمة.
بالنسبة لسورية والعراق، تكمن المشكلة في هوس تركيا وأنقرة ببناء السدود. فمنذ العام 1975، قلصت السدود التركية من تدفق المياه إلى سورية بنسبة 40 في المائة، وإلى العراق بنسبة 80 في المائة. ووفقاً للاتحاد العراقي للجمعيات الزراعية، يمكن أن يُحرم ما يصل إلى 50 في المائة من الأراضي الزراعية في البلاد من المياه، مما يؤدي إلى إخراج 124 مليون فدان من الإنتاج.
كما قامت إيران وسورية أيضاً ببناء السدود التي تقلل من تدفق الأنهار التي تغذي نهري دجلة والفرات، وعلى نحو يسمح للمياه المالحة بالتسلل من الخليج العربي إلى ممر شط العرب المائي حيث يلتقي النهران العظيمان التوأمان. وقد دمر الملح الأراضي الزراعية الغنية في الجنوب وخرَّب الكثير من المزارع الضخمة التي تنتج التمر الذي اشتهر العراق به.
قبل نصف قرن من الآن، قامت إسرائيل ببناء قناة “ناقل المياه الوطني” لتحويل المياه من بحيرة طبريا التي يغذيها نهر الأردن. وتسبب ذلك في تحويل مجرى نهر الأردن إلى مجرى موحل، والذي تمنع إسرائيل الفلسطينيين من استخدامه.
كما أدى بناء السدود الأردنية والسورية على روافد النهر إلى تفاقم المشكلة، حيث انخفض تدفق نهر الأردن بنسبة 90 في المائة.
ووفقاً لبيانات البنك الدولي، تحصل إسرائيل أيضاً على 87 بالمائة من خزانات المياه الجوفية في الضفة الغربية، تاركة للفلسطينيين 13 بالمائة فقط. والنتيجة هي أن الإسرائيليين في الضفة الغربية يمكنهم الوصول إلى 240 لتراً في اليوم للشخص الواحد. كما يحصل المستوطنون الإسرائيليون في الضفة على 60 لتراً إضافياً في اليوم الواحد. ويترك ذلك للفلسطينيين 75 لتراً فقط لكل فرد في اليوم. ويبلغ معيار منظمة الصحة العالمية 100 لتر يومياً لكل فرد.
يُعد نهر النيل، الذي يبلغ طوله 4.184 ميلاً، أطول نهر في العالم -ولو أن البرازيل تشكك في هذا الادعاء- ويمر النهر عبر 10 دول إفريقية. وهو شريان الحياة في مصر، حيث يوفر المياه والتربة الغنية للزراعة في البلاد. لكن مزيجاً من الجفاف والسدود قلل من مستويات تدفق النهر على مدى العقود العديدة الماضية.
تقوم إثيوبيا حالياً ببناء سد ضخم لتوليد الكهرباء والري على النيل الأزرق. ومصدر النيل الأزرق هو بحيرة تانا في المرتفعات الإثيوبية. ويتكون النيل المصري، حيث يتلاقى النيل الأزرق والنيل الأبيض -مصدره بحيرة فيكتوريا في أوغندا- في السودان بالخرطوم. وكانت العلاقات بين مصر وإثيوبيا متوترة في البداية حول المياه، لكن حدة التوترات انخفضت إلى حد ما بعد أن اتفق الجانبان على التحدث حول كيفية تقاسمها.
ولكن، مع تسارع التغير المناخي، سوف تصبح مشكلة المياه -أو عدم وجودها على الإطلاق- أكثر سوءاً وليس أفضل، وسوف يتطلب حل مشكلاتها أكثر من مجرد عقد المعاهدات الثنائية حول تقاسمها. وهناك بالكاد أي اتفاق حول كيفية المضي قدماً.
إحدى الاستراتيجيات لحل المشكلة كانت الخصخصة.
من خلال مؤسسة التمويل الدولية التابعة له، واصل البنك الدولي الضغط على الدول من أجل الخصخصة، بحجة أن رأس المال الخاص سيؤدي إلى ترقية الأنظمة وضمان التسليم. ومع ذلك، أسفرت الخصخصة في الممارسة العملية بشكل عام عن توفير نوعية أكثر رداءة من المياه بأسعار أعلى. وقامت الشركات الضخمة عبر الوطنية مثل “سويز” SUEZ و”فيوليا” Veolia بشراء مصادر المياة في الشرق الأوسط والجنوب العالمي والسيطرة عليها.
وهكذا، أصبح الماء ذاهباً إلى التسليع باطراد، إما عن طريق التحكم في المصادر الطبيعية والتوزيع، أو عن طريق حصر السوق ودفعها نحو استهلاك المياه المعبأة في زجاجات.
ويقدم لبنان مثالاً حياً على ذلك. تاريخياً، كان لدى هذا البلد موارد مائية كافية، لكنه أضيف إلى قائمة الـ33 دولة التي من المتوقع أن تواجه نقصاً حاداً في المياه بحلول العام 2040.
ينبع جزء من الأزمة اللبنانية الحالية من الداخل؛ حيث يقوم حوالي 60 ألف بئر غير شرعية بسحب المياه من طبقة المياه الجوفية الواقعة تحت البلد. ولم تحل السدود مشكلة النقص المزمن في المياه، خاصة بالنسبة لنحو 1.6 مليون شخص الذين يعيشون في منطقة بيروت الكبرى. وقد تحول الناس بشكل متزايد إلى مصادر المياه الخاصة، وخاصة المياه المعبأة في زجاجات.
تقوم الشركات متعددة الجنسيات، مثل “نستله”، بسحب المياه من كاليفورنيا وميشيغان وبيعها في لبنان. وتسيطر “نستله”، من خلال Shoat، على 35 بالمائة من المياه المعبأة في زجاجات في لبنان. ولا يقتصر الأمر على أن المياه المعبأة في زجاجات عالية الكلفة، وإنما تكون في كثير من الأحيان أقل جودة من مصادر المياه المحلية، بل إن البلاستيك الذي تحتاج إليه يزيد من مشكلة التلوث المتفاقمة التي يشهدها البلد.
ثمة حلول هناك، لكنها تتطلب مستوى من التعاون والاستثمار لا تمارسه سوى قلة قليلة من الدول في الوقت الحالي. ولا تملك الكثير من البلدان الأموال اللازمة لإصلاح أو تحديث البنية التحتية للمياه. وتفقد الأنابيب المهترئة كميات هائلة من المياه من خلال التسرب، وتحد السدود من تدفق الأنهار، وتخلق مشاكل التلوث الملحي لمجاري الأنهار في أماكن مثل العراق ومصر. وعلى أي حال، تمتلئ السدود في النهاية بالطمي.
تقوم الآبار -القانونية منها وغير القانونية- باستنزاف خزانات المياه الجوفية في المنطقة بسرعة كبيرة، مما يجبر المزارعين والمدن على الحفر أعمق وأعمق كل عام. وفي كثير من الأحيان، تتعرض هذه الآبار العميقة للتلوث من المياه الجوفية التي تجعل من المستحيل شرب الماء أو استخدامه في ري المحاصيل.
ولكن، مرة أخرى، ثمة حلول. على سبيل المثال، أحرزت كاليفورنيا تقدماً في إعادة ملء خزانات المياه الجوفية الشاسعة التي تقع تحت “الوادي المركزي” الغني فيها من خلال إنشاء البرك وإعادة تغذية الأحواض بالمياه خلال موسم الأمطار، وترك المياه تتسرب عائدة إلى الأرض. وتشكل الزراعة بالتنقيط أيضاً وسيلة فعالة لتقليل هدر المياه، ولكنها تتطلب استثمارات تتجاوز طاقة العديد من البلدان، ناهيك عن صغار المزارعين.
كما أن تحلية المياه هي أيضاً استراتيجية مفيدة، ولكنها مكلفة تتطلب حرق الهيدروكربونات، وبالتالي ضخ المزيد من ثاني أكسيد الكربون في الجو وتسريع عمليات التغير المناخي.
في الوقت الذي تصبح فيه منطقة الشرق الأوسط أكثر جفافاً ومع استمرار زيادة عدد السكان في المنطقة، سوف يزداد الوضع المائي سوءاً في العقود المقبلة.
ربما يكون الشرق الأوسط في طور الجفاف، لكن كاليفورنيا كذلك أيضاً، والكثير من الجنوب الغربي الأميركي، وجنوب إفريقيا، وأجزاء من أميركا اللاتينية، وكل جنوب أوروبا تقريباً. وبما أن الأزمة عالمية، فإن استراتيجيات “أفقِر جارك” ستؤدي في النهاية إلى إفقار البشرية جمعاء بالمياه. ويكمن الحل في المنظمة الدولية الوحيدة الموجودة على هذا الكوكب، الأمم المتحدة.
في العام 1997، اعتمدت الأمم المتحدة اتفاقية بشأن المجاري المائية الدولية، والتي تحدد إجراءات لتقاسم المياه وحل النزاعات. ومع ذلك، عارضت العديد من الدول الكبرى، مثل الصين وتركيا، هذه الاتفاقية، وامتنعت العديد من الدول الأخرى، مثل الهند وباكستان، عن التصويت عليها. كما أن هذه الاتفاقية أيضاً طوعية تماماً ومن دون آليات للإنفاذ مثل التحكيم الملزم.
لكنها تشكل، مع ذلك، بداية مهمة. أما إذا كانت الدول ستجتمع معاً لمواجهة أزمة تمتد على سعة الكوكب كله، فتظل مسألة مفتوحة من دون تطبيق الاتفاقية. وسوف ينفد الشرق الأوسط من المياه، لكنه لن يكون وحيداً في ذلك. بحلول العام 2030، وفقاً للأمم المتحدة، لن يمتلك أربعة من كل 10 أشخاص في العالم وصولاً إلى المياه.
هناك سابقة للحل، والتي لا يقل عمرها عن 4.500 سنة. يسرد لوح مسماري محفوظ في متحف اللوفر معاهدة المياه التي أنهت الحرب بين المدينتين-الدولتين القديمتين، “أمة” و”لكش”. وإذا كان أسلافنا البعيدون قد تمكنوا من التوصل إلى مثل ذلك، فإن من المفترض منطقياً أننا نستطيع أن نفعل أيضاً.
 
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Rivers of Dust: Water and the Middle East