Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Jul-2017

مع نايف النوايسة - ابراهيم العجلوني
 
الراي - جمعتني ونايف النوايسة في عمان, اواسط السبعينيات, غربتان: غربة المدينة وغربة الوعي. فكلانا كان يستشعر مسافة (يراها نايف «ظامئة» وانا ما زلت احار في وصفها) بين الذات والاخرين من جهة, وبينها وبين «أحسن تقويمها» من جهة اخرى.
 
نايف النوايسة, حالة مختلفة من مكابدة النفس بين الواقع والمثال. ولكنك في حال دخولك دائرته الوجدانية او الهالة الروحية التي تحيط به ستجد نفسك بالضرورة في عالم المثال أو ما ينبغي أن يستقر امرك عليه من سمت القيمة ومحاسن الاخلاق.
 
كانت غرفته المستأجرة في قاع المدينة أشبه شيء بغرفة راسكيلنكوف في رائعة دستويفسكي: «الجريمة والعقاب»: ضيق وقتامة ونافذة خشبية تطل – فيما اذكر على حوش كئيب تكتنفه نوافذ جيران بائسين ما أن يخرج المرء منه حتى يسيل به زقاق ضيق الى الشارع العام ثم الى صخب المدينة التي لم يأتنس بها لحظة ابن «المزار الجنوبي» ولم تستطع أن تأسره بعلائقها فظل معلق الفؤاد ببلدته الجنوبية العابقة بعطر الشهادة, وإن كان لم يخب تعاطفه مع الشقاء الانساني الذي كان يحيط به في غرفته المتواضعة او قل في برج مراقبته الذي كان يطلع بن على اوجاع المدينة.
 
في ذلك الزمن البعيد – منتصف السبعينيات – تعرّفت الى «نايف النوايسة» ذلك الضمير الوطني الذي لا يهدأ, وتلك الموهبة التي تمنح من واقع الحياة, وذلك الجمال المناقبي الذي يتضرّأ ايماناً وطمأنينة ورضى..
 
لقد كتب نايف النوايسة, خلال اربعين عاماً من تجربته المتميزة, أكثر من عشرين كتاباً, ما بين قصة, ومسرحية, ودراسة نقدية ونصوص ادبية, ومباحث ومعاجم في التراث الشعبي. وهو – فيما احدس – سيفاجئنا بأشياء كثيرة من مذخوراته, وسيمتعنا بروائع اخرى من أدبه الرفيع. بيد أن المعطى الرئيس لنايف النوايسة قبل هذا كله وبعده, هو معطى قيمي وخلقي. فهو من القلة القليلة في بلادنا الذين صدقوا ما عاهدوا وطنهم وأهلهم عليه وما بدلوا تبديلا. وهو في انتمائه المتمثل أدباً شائقاً متعدد الصنوف والاشكال مثال على الالتزام مرهف الاحساس بآلام الناس. واذا كان المقام لا يحتمل الوقوف المتدبر المليّ مع كل هذا الانتاج الوفير للاستاذ النوايسة, فإن بنا أن نكتفي بملاحظات محدودة, توافرت لدى القراءة الاخيرة لمجموعته القصصية الرائعة: «فرج نافذة النهار» التي كانت صدرت قبل ست سنوات, ولكل قراءة قطاف..
 
***
 
أولاً: تؤكد «ثلاثية خريف الدم» التي تضمنتها هذه المجموعة, والتي تعتبر بحق «رواية قائمة بذاتها» قدرة الكاتب على التكثيف وعلى ابداع نمط في القص «المدمج» الذي يختصر الزمان والمكان. ولعل هذه الثلاثية ان تكون اقصر رواية مكتملة الشروط في تاريخ هذا الجنس الادبي, وهي واحدة من اوليات الكاتب..
 
ثانياً: تؤكد قصة «رويدك انا هنا» التي كتبها المؤلف في القاهرة/ الازهر في 22/9/2009م وحدة الوجدان والوعي ما بين القاص الاردني والروائي المصري نجيب محفوظ, وأحسب انها ديرة بأن تدرج في المنهاج التربوي في كلا البلدين الشقيقين مصر والاردن لما تحفل به من الدلالات فضلاً عن اسلوبها الممتع.
 
ثالثاً: اثر العبارة القرآنية واضح في هذه المجموعة, ففي «اوراق الثلج» نقرأ للكاتب قوله: «وانا بيضت بياضي وضيعت اسماء الاشياء بين يدي, والارض والسماء التقتا على امر قد قدر», وثمة ألوان من التعبير تفرّد بها الكاتب, ولا سيما تلك المنتزعة من البيئة الانسانية التي يصوّرها اصدق تصوير.
 
***
 
ومهما يكن الامر, فإن «نايف النوايسة» يعلمنا الكثير الكثير, ويظهرنا على عوالم ما كان لغيره ان يظهرنا عليها على نحو ما يقوم به هو, ناهيك به انموذجاً انسانياً نظل نتوسمه حيناً بعد حين, ونعود كل مرة بأطيب الجنى وأوفر العائدات..