Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    31-Aug-2015

مواقف وأزمات في حياة نور الشريف: مسيرة فريدة في الصعود إلى القمة

«القدس العربي» : بعد رحيل المبدع والفنان يذهب الحزن تدرجيا وتقل درجة الإحساس بالفقد فتصبح القدرة على قراءة أعماله ممكنة بعيدا عن التأثر بوجع الموت والفراق، ومن ثم فإن النظر إلى ميراث الراحلين الفني في إطار التقييم الموضوعي لا يجوز إلا بالتخلص من الشحنات العاطفية التي قد يكون لها دور في وجهة النظر تجاه من نحب، سواء كانوا نجوما سينمائيين أو شخصيات مهمة من فصائل أخرى لها اعتبارها.
وفي حالتنا فإن الكتابة عن مشوار فنان ورحلة كفاحه ونجاحه لا يمكن أن يلتزم فيها الكاتب ببعد واحد للشخصية بمعنى أن يقتصر التناول على البداية والنهاية، وأهم الأفلام والمسرحيات والمسلسلات، فهذا الجانب برغم أهميته إلا أنه لا يكفي لتغطية حياة الفنان بألفها وقسوتها ومحطات الإنكسار والإنتصار فيها أوجه كثيرة ومتعددة لرحلة نور الشريف الفنية والإنسانية يدركها من اقترب منه وعايشه ورآه خارج إطار الشاشة المحدود فعرف خصاله وصفاته وما يضحكه وما يبكيه الأفلام التي لعب بطولتها لا تدل عليه بقدر ما تدل على الشخصيات الدرامية التي رسمت على الورق وتقمصها في محاولة منه لإقناع الجمهور بها.
لا يمكن أن يشبه نور كل شخصياته حسن في فيلم «سواق الأتوبيس» أو جابر في «جائرة الإنتقام» أو الفتى الحائر في «قلب الليل» أو المصور الصحافي في «ضربة شمس» أو ناجي العلي، فهي ملامح من بشر يشبهونه ويفارقونه في الصفات والسمات، لأن اختياره له دلالة وبالقطع كان للبطل دور في ما يؤديه، قدم نور الشريف نحو 150 فيلما بعضها تجاري ومعظمها عبر فيه عن قناعاته الشخصية في القضايا السياسية والإجتماعية، فهو من أدان الإنفتاح الإقتصادي في «أهل القمة» وجسد الصورة العبثية لصعود اللص زعتر النوري فبات من كبار التجار وعمالقة التهريب فظفر جراء ذلك فالفتاة الحسناء «سعاد حسني» شقيقة الضابط عزت العلايلي.
وأيضا قدم الموهوب دوره التاريخي في «الكرنك» مدفوعا بإغراء الشخصية وفضول الإطلاع على تفاصيل هذه الفترة الحرجة من حكم الرئيس عبد الناصر حاملا نوازع الرفض لما أسماه بالحكم البوليسي في تبريره للقيام بالدور الشائك والمناقض لانتمائه السياسي والوجداني لتلك الحقبة وفي «الرقص مع الشيطان» كان مع حرية العقل في التفكير والتأمل وصولا إلى الإيمان المطلق بوجود الخالق بعد رحلة من البحث، مجسدا شقاء شاب ملحد عصفت به رياح التشتيت، كما قدم الفنان الراحل أجزاء من رائعة الكاتب الكبير نجيب محفوظ «الحرافيش» في دور «شطا» مع الفنان القدير فريد شوقي وبعدها بسنوات عاد ليقدم «المطارد» مع سهير رمزي برؤية بدت أنضج بكثير من التجارب الأخرى التي أخذت عن الرواية نفسها.
وقد تنوع أداء الفنان القدير بتنوع الأدوار، فلم يتوقف عند نمط واحد وإنما بتداعي الظروف والمراحل وازن بين رغبته في تقديم الجيد والرصين وبين ما يحبه الجمهور كان التباين واضحا بين أفلام مثل البحث عن «سيد مرزوق» و»جري الوحوش» و»الزمار والصرخة» و»دماء على الأسفلت» و»أيام الغضب» و»شوارع من نار» وأفلام أخرى كـ»عيون الصقر» و»لهيب الانتقام» و»كروانة» وغيرها من البضاعة التجارية التي كان يعي ضرورة وجودها في رصيده إرضاء لجمهور الدرجة الثالثة القاعدة العريضة لأن فنانا هذا ما يتصل بدورة حياته السينمائية وكيفية إدارتها أما عن الخفي من الصراعات والمعارك، التي دارت فوق السطح وتحته فلها أوجه مختلفة لم يكن يعرف تفاصيلها إلا هو شخصيا وحده من كان على دراية بما يحاك ضده وما يتم ترتيبه بليل لا لشيء غير أنه عصي على التطويع ولديه شجاعة الرفض في ما لا يرتضي القيام به من مهام ومأموريات وهو ما جلب له المتاعب على مدار رحلته الطويلة وتبلورت مظاهره في أيامه الأخيرة ونحن نشير إليه في هذا المقام ليس من باب الإجترار للوقائع السيئة ولكن من باب التصحيح وهي شهادة ليست لفنان قدير وكبير رحل عن دنيانا، وأصبح في ذمة الله وإنما شهادة للتاريخ وأمانة نضعها بين يد القارئ الفطن ليتبين الحقيقة من الاجتراء ويكون على علم بما جرى.
وتتلخص الأزمات العابرة للفنان في أنها كانت من صنع عصبة أرادت أن تقصيه بعيدا عن المشهد السياسي بعد عدة أعمال مهمة قدمها كان من بينها مسلسل «ما تخافوش» و»سعد الدالي» و»الرجل الآخر»، وكرد فعل عدواني وبأثر رجعي لأعمال سينمائية ومسرحية وتلفزيونية عرضت في مراحل حرجة وكان فيها البطل مواجها مثل «ناجي العلي» ومسرحيات «القدس» و»يا مسافر وحدك» و»الأميرة والصعلوك» والمسلسلات سالفة الذكر جاءت الرغبة المريضة في الإنتقام بمحاولة تشويه السمعة لكنها محاولة باءت بالفشل ولم تزد النجم الكبير إلا إصرارا وصلابة فقد ظل مقاوما حتى النزع الأخير مبدعا حتى النهاية فمن «الثلاثية» في مطلع الشباب إلى فيلمه الأخير «بتوقيت القاهرة» امتد المشوار وانتهت الرحلة.

كمال القاضي