Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Apr-2017

مباهج الافكار في وحي الاسحار 1/3 «تأملات حرة» - ابراهيم العجلوني
 
الراي - يصعب ان يجعل المرء من زمانه قطعاً متجاورات, وآنات متتاليات, وان يمضي فيه مثل صاعد الدرج ومتوقّل الجبال, ينظر كل حين خلفه, ماذا قطع وماذا ابقى, ويتساءل اي السبل ينتهج فيما انتصب من مسافة بينه وبين آخر الشوط, وأنّى له معرفة شيء من ذلك, وقد حيل بينه وبين رؤية ما هو ابعد من الخطوة التالية!!
 
ويظلّ اقرب الى حسن العاقبة أن يختصر في كل لحظة من لحظات عمره ما كان عاشه, وما سيعيشه بعد من ايام.. وان يرى في لحظته القائمة باباً مشرعاً الى الماضي والمستقبل في آن.
 
إنه حينئذ في مأمن من حسرات ما فات, ومن فجاءات ما سيكون, وهو حينئذ في زمن مطلق كأنه الابدية, لا حواف له, ولا نهايات, ولا ضفاف.
 
يلتمس الناس, عادة, اوقاتاً بعينها, أو أمكنة مخصوصة, كي تكون شروطاً موضوعية, او مناخات صالحة, لسكينة الفؤاد, وراحة النفس, ويقين العقل الذي طال به التساؤل.
 
ويظل بعضهم يلوب حائراً, أي أوقات يومه يختار, والى أي ركن في الارض يلوذ, ليخلص حينئذ, او من ثم, الى هذه الحال, من هدوء الخاطر وهدأة البال.
 
الا ان اي شيء خارج الذات الانسانية لن يتأدى بها الى هذا المطلب العسير, ولن يكون مرقاة الى بهجتها وحبورها, على حين يمكن, بأيسر مقترب وادناه, الغوص الى قدس اقداسها, والى الجوهري من كينونتها, وما يعوز ذلك احدنا الا الى ان يجلو مرآته من ضباب السنين, وأن يرى خلال ذلك الطفل القابع في اعماقه, وان يطلب منه المشورة, وهو ظافر, لا ريب, بدليل لا يكذبه الطريق.. الى حبور الزمان وزهو المكان..
 
يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز:
 
(هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً) و»هل» هنا بمعنى (قد). أي أنه (قد) أتى على الانسان ازمان لم يكن فيها شيئاً مذكوراً..
 
وها هنا نتبين بوضوح كيف ان الزمان عنصر رئيس في كينونة الانسان, لأنه احد مقوّمات هذه الكينونة, ولانه ظرف لها, يحيط بها من اقطارها, ويشتمل عليها, ويكون لها أن ترى اسباب وجودها فيه, باذن ربها, واسباب فنائها فيه, بإذنه كذلك, فلا يند شيء منها عنه, ولا عن المكان الذي هو مقوّمها الرئيس الثاني, منه انبثقت باذن الله, واليه تعود, باذنه تعالى أيضاً.
 
* ويظل للانسان، على الرغم من هذه المحددات التي تكتنفه، ان يزكي نفسه ويعلو بروحه، فاذا هو يتناول الابدية، ويخرج من دائرة الفناء، بقوانين القُربى والعبودية، وباستحقاق الخلود، كما وعد الرب الخالق المعبود.. (إن للمتقين مفازاً).. و (وإذا الجنة أُزلفت).. زُلفى جزاء وفاقا، بما صبر وزكى، وبما اخلص وصدّق واوفى.
 
* إن اوهاما كثيرة تنعقد اليوم حول مفاهيم التطور، وخاصة في القيم والاخلاق، او فيما يجعل الانسان انسانا.
 
وفي ضوء فهمنا لمعنى الترقي، وربطنا اياه بالارادة والاخلاق، وبارتفاع الوان العلاقات الانسانية عن المستوى المادي الاصم، مستوى التفريغ والامتلاء، ومستوى ثنائيات الظالم والمظلوم، والقاتل والمقتول، فإننا نقول:
 
انه لا ضرورة تلزمنا بتصديق ان ثمة تطورا صاعدا للانسان من حيث هو كائن مادي مشدود البصر الى الطين اللازب الذي خُلق منه ابتداء.
 
بل ان من شأن هذا الطين ان يرتد الى ان يكون اسفل سافلين، إلا اذا كابد وصابر وجاهد، وزكى وطهّر، واتقى وأناب، وتلك امور من امور الروح يُلقاها كل ذي حظ عظيم، ويُجنبها الاشقى الغارق في وحول الارض واوضارها.
 
* رب قائل: وماذا تقول فيما وصلت اليه التكنولوجيا المتطورة، وعلم الفضاء، وهذه الشرائح الالكترونية المُعجبة، وما لا حصر له من الاختراعات والانجازات العلمية.. أليست هذه تطورا؟
 
فنقول في ذلك: أجل، ذلك كله تطور، ولكن في الاشياء والادوات التي لا تعدو ان تكون امتدادا لانسان الطين الاول، واتساعا لبطشه وجبروته، وكل اولئك كان ادنى الى النكوصِ منه الى الترقي.. لو كانوا يعلمون.
 
* يقولون: الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك، ثم ننظر في الخلق، فلا نراهم يجتمعون على وقت واحد فيما يأخذون ويدعون، وننظر في الاوقات فلا نراها تتسق على نهج واحد للخلق، ونخلص من ذلك الى ان لكل منا وقته او اوقاته، والى ان في الوجود اوقاتا، بعدد الموجودات.
 
* وحين نمعن في تحليل معنى الوقت، نخلص بعد لأي، الى انه الزمن المحدد لفعل ما، والى ان التوقيت قد يحمل معنى تتبع مسار الفعل، ماذا أُنجز منه وماذا بقي، فضلا عن معانيه ودلالاته الاخرى، فلئن كان الزمان ظرف الوجود فان الوقت ظرف العمل، ولعلنا هنا ان نكون اقرب الى فهم قول القائلين: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.
 
* وكم تتراخى باحدنا الهِمَمُ، وتقعد به العزائم، فاذا الوقت ينثر عمره نثرا، واذا هو يُنادى من مكان بعيد، وقد أدلج الناس، وسارت بهم ركائب الحياة، فان قام يستدرك ما فاته أيقن ان لاجزاء الوقت قَطعا مثل حد السيف، وانه كان لنفسه من الظالمين.
 
* كيف، اذن، نقطع وقتنا؟ وكيف نسود اجزاءه ولا تسودنا؟ وكيف ندفع عن ارواحنا صدأه، وعن نفوسنا أذاه؟
 
ذلك ما سنضيء جوانب منه في المقالة القادمة.