Saturday 27th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-May-2017

جهاز الأمن العام وحادثة الجيزة - د. محمود عبابنة
 
الراي - لطالما تم وصم أجهزة الامن العربية بقوى القمع واذلال المواطن وتم تصوير ذلك في كثير من المسلسلات وأفلام السينما مثل مسلسل الولادة من الخاصرة وفلم زائر الفجر، ورأينا ما قامت به هذه الأجهزة، وفعل هرواتهم في تونس ومصر وليبيا ابان انطلاق شرارة الخريف العربي.
 
والذي تسبب به صفعة عنصر امني تونسي للبوعزيزي طيب الله ثراه وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر الا ان هذه الصورة شبه الدامغة لأجهزة الامن العربية ليست عامة ومطلقة وتتفاوت من دولة الى أخرى فنحن لا نجد لها اثرا ظاهراً في لبنان ودولة الامارات العربية، اما في الأردن وهنا فحوى الرواية التي يتوجب علينا التعامل معها بمنتهى الموضوعية والصراحة وأن ننظر الى النصف الملآن من الكأس ففيما يتعلق بجهاز الأمن العام الأردني، فنحن نشهد ومنذ أكثر من عقد من الزمن تغييراً وتبدلاً ملحوظاً في تعامل رجال الامن مع المواطن العادي، فبدأنا نسمع عن رجال الدوريات الخارجية المنتشرة على الطرق عندما يوقفون السيارة والقول: اذا سمحت رخص السير، سيدي، وكلمة شكراً بعد تدقيق وإعادة الرخصة، وقد شهدت على طريق اربد / عمان حالة عصبية لأحد سائقي السيارات التي ثارت على ثلاثة رجال من الشرطة، ولم يحرك من سعة صدرهم ساكناً واستمعوا له بابتسامة غير مبالية ، ثم أكملوا تحرير المخالفة، دون أية ردود فعل معاكسة، وحدثني صديق عند زيارته لأحد المراكز الأمنية لتكفيل مقاول اردني اعتدى على عامل وافد بالضرب، فأجلسوه بغرفة وكانوا في قمة التهذيب بالحديث معه ولم تنجح مساعيه الا بعد أن سمح الوافد بتكفيل المقاول لدى المركز الأمني، ولم تنجح مساعي الوسيط بحفظ الشكوى وعدم التحويل الى القضاء الذي استقبل الأطراف في اليوم التالي.
 
جاحد من ينكر لجهاز الامن العام اسهامه في تثبيت صمام الأمان وحماية الممتلكات والأرواح، ومساعدة لجهاز القضاء، وما يقوم به من نشر الدوريات الراجلة داخل المدن وعلى الطرق الخارجية, وفي حوادث القاء القبض على مجرمين فارين أو على متمردين على القانون ولاسيما تجار المخدرات وأصحاب الأسبقيات كما أن ما قدمه جهاز الأمن العام من الشهداء في سلسلة الحوادث الإرهابية الأخيرة، كل ذلك أسهم في تجذير وترسيخ النظرة الى رجال الشرطة باعتبارهم أصدقاء موثوقين للمواطن ولاسيما عند الحاجة اليهم للشعور بالأمن والأمان.
 
الا ان حادثة امن الجيزة كانت كجلمود صخر حطه السيل من عل على سمعة رجال الامن العام وتركت الحادثة ندبة سوداء في جبين هذا الجهاز واحدثت ضررا ليس باليسير سينعكس حتما في التقارير الدولية وادبيات حقوق الانسان القادمة.
 
ما يبقي جذوة الامل بالصورة الزاهية لجهاز الامن العام الأردني هو القرارالشجاع لمدير الامن العام بتشكيل لجنة للتحقيق في وفاة الشاب الموقوف وتوقيف المشتبه بهم من الضباط والافراد واخضاعهم للتحقيق للوصول الى الحقيقة التي بدأت تطل علينا من تقرير الطبيب الشرعي الذي اكد وجود الكدمات واثار الضرب كما ان متابعة المنسق العام لحقوق الانسان لرئاسة الوزراء وتعهده بتزويد الرأي العام بكل الملابسات التي حصلت في وقتها لاقى ارتياحا واستحسانا كبيرا.
 
الا أن ذلك مرهون بموضوعية التحقيق للتخلص من وسم لا يليق بجهاز امن عصري في دولة مدنية والذي بدأ الناس على تقبل طلبات صداقته باستثناء منظمي مخالفات السير الذين ينشغلون بتعبئة المخالفات على الطالعة والنازلة للانتهاء من دفتر المخالفات والحصول على إجازة. حادثة الجيزة كانت اختبار لرد فعل الدولة ممثلة بجهاز الامن العام.
 
ونأمل ان تكون حادثة معزولة وطفرة فجائية في خط بياني سرعان ما يعود الى وضعه الطبيعي الذي يجب ان يعكس ما يدعو له جلالة الملك في أوراقه النقاشية من ان كرامة المواطن وحقوقه في الدولة المدنية هي أولوية ورأس اجندة للأجهزة الأمنية والحكومات على السواء.