Sunday 28th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Mar-2024

نمارق مصفوفة... كتاب عن عبد القادر الرباعي عمل تكريمي أم مصدر علمي؟

 الدستور-نبيل حداد

(1)
لعل الملاحظة الأوْلى بالعناية، ونحن نعرض لهذا الجهد العلمي الجاد لكتاب: «نمارق مصفوفة»، وهو جهد تكريمي حول الجهود النقدية والإبداعية للأستاذ الدكتور عبد القادر الرباعي، ولكن بمضمون علمي رصين يرقى في محتواه إلى مستوى المراجع التي يمكن الاستناد إليها والبناء عليها. مواد كتبها عدد من طلبته ومريديه وقرائه، وأشرف على جمعها وتنسيقها وتحرير ما لزم منها، ثم نشرها اثنان من الباحثين المتمرسين هما الأستاذ الدكتور عمر الفجاوي والأستاذ عامر أبو محارب.
وملاحظة أخرى جديرة بدورها بالتنويه وتتعلق بمهمتي اليوم تحديدا؛ إذ من الضروري الإشارة إلى أن الكتابة عن الكتب التكريمية، تثير بدورها إشكالات تتطلب الوقوف عندها أو عند بعضها على الأقل.
أول هذه الإشكالات -على مانرى- أننا إزاء مادة قُصد بها التكريم في المرحلة الثانية من إعداد المادة أو نشرها لاسيما أن المحرر يشتبك مع مادة ناجزة في الأصل. ولا أرى بأسا في أن يتسم هذا اللون من الكتابة بمستوى ما من المعالجة الانطباعية التي تتخفف قليلاً أو كثيراً من قيود المنهجية الصارمة من جهة، لتصدر أحيانًا عن رؤية احتفائية لا يستطيع الكاتب فيها أن يدعي لنفسه موضوعية مطلقة أو يخفي ميلاً عاطفياً قد يتسرب من خلال الكلمات وطرق التعبير وربما من خلال العزل والانتقاء، أو من وسائل أخرى. بمعنى أن التوقف عند جوانب مختلف عليها أو جدلية في شخص المكتوب عنه أو فيما كتبه أو أنجزه أو عن تجربته بعامة يمكن أن يلامس في هذا النوع من الكتابة تحديداً خطوطا حمرا من حق المكتوب عنه أن يتحفظ على التعرض إليها استنادا لعقود غير مكتوبة حول الكتابة التكريمية بخاصة. وما أكثرها من عقود.
بيد أن المسألة قد تأخذ بعدًا أكثر تعقيدا في ذلك النوع من الكتابة عن الكتابة ذات الطابع التكريمي أي في حالة مثل حالتي اليوم. لا سيما أنني جئت اليوم لا لكي أتحدث في الأساس عن عبد القادر الرباعي؛ فشهادتي فيه قد تكون مجروحة، بل لأتحدث عما كتب عنه، والحمد لله أن ما يكتب عن الكبار بأقلام الكبار لابد أن يكون كبيرا، وهذا ما يوفر لي مخرجا موضوعيا في كل ما قد أقوله أو أجتهد فيه حول هذه النمارق المصفوفة لتجعل الكتابة عنه لا تبتعد في ليونتها كثيرا عما رددته بنات طارق إذ يمشين على النمارق.
وثمة ملاحظة ثالثة تتصل بهذا السفر بخاصة، وهي أن معظم، إن لم يكن جميع، ما ورد من مواد «نمارق مصفوفة» (2024) جاءت من لدن نقاد وكتاب وباحثين مختصين، ولا يقلل من وزن بعض هذه الجهود كون أصحابها من زملاء الرباعي أو من مريديه أو حتى ممن تتلمذوا عليه من قرب أو عن بعد، فليس شرطا أن تكون شهادة القريب المحب مجروحة في كل الأحوال. بل لعل هذا القرب في السياق العلمي أدعى -في كثير من الأحيان- إلى الثقة بمستوى ما نقرأ، لا سيما أن هذه «النمارق المصفوفة» قد كتبت بمبادرات شخصية من أصحابها وليس عن طريق الاستكتاب، والأرجح أن من دارت حوله لم يعلم بها إلا بعد نشرها.
ومن الطبيعي، في ضوء غنى التجربة المكتوب عنها وغزارتها، أن تتسم هذه الجهود بالتنوع، لا سيما أن معظمها اتخذ شكل المواكبة لما كان يصدره الرباعي، وهي مواكبة متسارعة اقتضتها طاقة الرجل النشطة والخلاقة، ومن هنا تأتي صعوبة التصنيف وإشكالية التبويب في مثل هذا الجهد الذي قام به الباحثان الحصيفان والمحرران المهنيان الزميلان عمر الفجاوي وعامر أبو محارب؛ إذ لابد أنهما وجدا نفسيهما أمام عدد من الخيارات، لعل بعضها إشكالي.
هل تُدرج الموضوعات على أساس من اجتهاد حول أهمية ما في العمل المكتوب؟
أم تدرج على أساس اجتهاد آخر حول المكانة العلمية المتوافق عليها لصاحب المقاربة؟
أم يُتبع الترتيب الألفبائي بما يهيئه من حيادية متعارف عليها سواء استند الترتيب إلى اسم الكاتب، أم إلى عنوان المقاربة؟ وهذا مسوّغ كذلك.
على أن المحررين ارتأيا أن يعتمدا المحتوى أساسا للترتيب بعد عملية تصنيف لا شك أنها تطلبت جهدا إضافيًا، ولو أن هذا النهج سيستدعي بالضرورة إشكالات وربما اجتهادات غير متفق حولها، وهذا ما يمكن أن يقال، مع قدر قليل من التجوز حول المواد التي نشرت سنة «2004» على شكل ملحق خاص في مجلة أفكار؛ فعلى الرغم من تنوع هذه المواد بل تباينها مضمونا ومستوى؛ فقد جات في «نمارق مصفوفة» حزمة واحدة تحتل قسما قائما بذاته هو القسم السادس. في حين كان من الأجدر توزيع موادها بحسب المضامين، أي بحسب التوزيع الذي قامت عليه منهجية الكتاب، فكان الأنسب مثلا أن يُدرج الموضوع الذي كتبه عمر القيام بعنوان: «عبدالقادر الرباعي: الناقد والإنسان» ضمن القسم السابع، الذي يحمل بدوره العنوان: «عبدالقادر الرباعي الناقد والإنسان.»
بل لعله كان من الأفضل فك الاشتباك بين الناقد والإنسان، فيفرد لكل من الركنين قسم خاص به، لاسيما أن هناك مساحة من مواد الكتاب توفر لكل ركن ما يكفيه من مادة ملائمة.
أما القسم الثامن (بعنوان حوار) فقد كان من الأنسب من وجهة نظري أن يكون هذا القسم ضمن ملحقين: أولٍ وثانٍ.
(2)
ولقد استطاع المحرران أن يضعا أيديهما حقاً على مادة ثرية تتعلق بنتاج الرباعي وسيرته العلمية؛ بل شمائله الشخصية وشخصيته الإنسانية المنفتحة على كل ما هو جاد ورصين وجميل، وانعكس هذا إلى حد كبير في منهجية الكتاب وإجراءاته الداخلية إن جاز التعبير؛ فجاء الكتاب في ثمانية أقسام. وكلمة أقسام لا فصول تنم عن حذر المحررين وحرصهما على استعمال المفردة الملائمة لسياق الكتاب. لم يتم مثلاً اللجوء إلى مفردة فصل؛
لأن الفصل جزء من سلسلة متدرجة من المادة العلمية المنتظمة ضمن سياق الكتاب، بمنهجية «الكتاب» المتعارف عليها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مفردة «باب» الذي تندرج تحته الفصول؛ فمواد كتاب «نمارق مصفوفة» لم تُعد في الأصل لتخرج كتاباً متسلسلا بمنهجية انسيابية بل هو جهد تجميعي لمجموعة من الجهود تجمع بينها تجربة علمية وإنسانية واحدة. ولا أظن أن في هذا غضاضة؛ بل على العكس من ذلك فإن معظم الكتب المهمة قديماً وحديثاً تتكون من مواد لم تُعد في الأصل لتصدر على شكل كتب، ومعظم كتب الرافعي والعقاد والمازني وطه حسين مثلا تجميع لمقالات نشرت على أوقات متباعدة. بل إن شيخ النقاد العرب محمد مندور، لم يترك وراءه حين وفاته المفاجئة سنة 1965 سوى كتاب واحد، أعد في الأصل ليكون كتابا لأنه ببساطة أطروحته لنيل درجة الدكتوراه، وهو «النقد المنهجي عند العرب»، ومع أنه في أخريات حياته جمع بعض جهوده التي كتبها أو ترجمها في عدد قليل من الكتب أو الكتيبات فإن سائر مؤلفاته ، قد تم جمعها مما تركه من مسودات ودراسات ومقالات متناثرة كان ينشرها في مناسبات مختلفة أدبية أو ثقافية بطبيعة الحال، وفي دوريات متعددة، بحيث يمكن القول إن جل الكتب التي تحمل اسم محمد مندور اليوم و تربو على الأربعين اليوم أصدرها ابنه الدكتور طارق بعد أن جمعها من ثنايا الدوريات أو المسودات، ومازال الكثير من هذه المواد ينتظر جهدا مماثلا ليرى النور.
وعلى هذا الأساس نستطيع أن ندرج هذا السفر الذي قام على جمعه وتنسيقه والتقديم له ومنهجته -إن جاز القول– المحرران النابهان، ضمن سياق المراجع المهمة التي أعدت لا لتكون مشروعاً بحثياً قائماً بذاته، بل لتغدو مصدرا مهما حول تجربة غنية يفاد منها ويقتدى بها، وجديرة بأن تتبوأ مكانها في ركن المصادر في المكتبات المرموقة.
وأرجو ألا أجاوز حدود المقاربة النقدية لهذا الكتاب إذ أزعم أنني تمنيت لو قامت منهجية التبويب على بابين رئيسيين أو محورين رئيسيين: الدراسات في محور أو باب، والمقالات في محور أو باب ثانٍ. ولا أظن أن بين قراء هذه المقاربة من هو في حاجة إلى تذكيره بالفروق بين الدراسة أو البحث من جهة، والمقالة في أدبياتنا الدارجة من جهة أخرى. وبعيدا عن سياقنا هذا؛ فإن وصف الدراسة في هذا الصدد يتحقق من التزام الكاتب بالطرائق المنهجية وأدواتها، ولكن لا أظن أن القيمة العلمية أو حتى العمق المعرفي أمران مضمونان في كل ماحمل وصف الدراسة أو البحث.
ومع أنني وآخرين بلا شك، ممن يرون أن الدراسة قد لا تكون بالضرورة هي الأكثر قيمة أو فائدة؛ فإنني لا أرى بأسا في القول بأنه لطالما أحدثت مقالة بحجم الكف أثرا في مسيرة العلم أو الفكر؛ أو حتى تحولًا في التاريخ الإنساني، لم تحدثه عشرات البحوث والدراسات.
ولكن من الضروري التنويه أن ذلك التمني، لو تم، لكانت له محاذيره، بل قل حساسيته عند بعض من كان له سهم في محتويات هذا الكتاب، وربما تكون للبعض اجتهاد مختلف لدى متلقين آخرين؛ فهذا التصنيف المفترض يقوم، ودون مواربة، على أساس معياري واضح يميز بين مادة ذات ثقل علمي، ومادة أخرى ذات ثقل علمي أقل، وأظن أن مثل هذه الرؤية الإشكالية قد تمس كذلك الغاية التكريمية الكامنة وراء جهود المحررين. ربما بدا الأمر سليمًا ودون أن يتسبب بتحفظ لو تم في الكتب ذات المؤلف الواحد، حيث يتمتع المؤلف بحريته الكاملة في تصنيف مادته على النحو الذي يريد والنهج الذي يرتئي.
(3)
وعلى العموم فإن المسيرة العلمية لعبد القادر الرباعي حافلة بقدر كبير من التنوع والتحولات المنهحية والانعطافات الموضوعية والمسارات النقدية والاهتمامات المعرفية في أكثر من اتجاه أو منحى، وهذا بدوره أتاح للمحررين، وربما سهل أمامهما إجراءات التصنيف وآليات التوزيع ومنهجية التبويب بأكثر من خيار؛ وقد التفت المحرران إلى هذا الجانب بوعي وحصافة، وليس بوسعنا في نهاية المطاف سوى احترام اجتهاداتهما. ولكن فليعذرني الزميلان إن أبديت ملاحظة أراها في غاية الأهمية فيما يتعلق برحلة عبد القادر العلمية التي مر عليها ما يزيد على نصف قرن شهدت خلاله ثلاثة تحولات تنطوي على قدر كبير من التطور، كان من الأفضل من وجهة نظري أن يتكفل التبويب بإبرازها بل تجليتها بأوضح مما جاء عليه في «نمارق مصفوفة». ذلك أن مسيرة الرجل، أو بالأحرى إنتاجه يتبلورمن وجهة نظري في ثلاثة مشاريع كبرى محددة المعالم كان له فيها التفاتات ريادية أخذت حقها من الوقفات التحليلة في مواد الكتاب ولكن دون ذلك من «المنهجة».
المشروع الأول تجلى في دراساته الأولى، ولا سيما في أطروحته الفريدة موضوعا ومستوى لنيل درجة الدكتوراه: «الصورة الفنية في شعر أبي تمام». التي أجيزت في جامعة القاهرة سنة 1976، وكانت باكورة حركة النشر النشطة التي تعهدتها جامعة اليرموك ولا سيما في مرحلتها الذهبية في السنوات التي أعقبت تأسيس الجامعة في منتصف السبعينيات. كانت تلك الأطروحة إيذانا علميا بتوجه العشرات من طلبة الدراسات العليا العرب في العديد من الجامعات العربية وغير العربية نحو موضوع الصورة الفنية. مما يعني أن مبادرة الرباعي في هذا الحقل النقدي كانت علامة فارقة في هذا الاتجاه في الدراسات الأكاديمية. وكان واضحا للجنة المناقشة وللباحثين المهتمين أن الرباعي بدأ جهده من حيث انتهى الآخرون: قدامى ومعاصرين. دون أن يقلل من حجم الإضافة العلمية لهذه الأطروحة كون العديد من المفاهيم التي استندت إليها، كان مبثوثا بصورة أو بأخرى في العديد من المظان والدراسات التي توقفت عند هذا الركن الأساسي في الجانب الفني للعمل الأدبي. ولكن من قال إن الثقل العلمي للعمل الأدبي أو النقدي يوزن بالجانب المعرفي فحسب؟
ومما أضفى على هذا الجهد الريادي قيمة فنية إضافية، تضييق نطاق البحث؛ بحيث اقتصر موضوع الأطروحة على شاعر واحد فحسب، ولعله الشاعر القديم الأقدر على إنجاز الصورة الفنية الأغنى بل الأكثر تركيباً والأشد تعقيداً.
ثم اتجهت جهود الرباعي في الفترة التي تلت نيله الدكتوراه في هذا الاتجاه مما هيأ له نهجا خاصا به في الدراسات النقدية نائياً بجهوده عن المنهج التاريخي الذي كان يحتل المساحة الأوسع في الساحة الأكاديمية في الأردن بخاصة.
وحين اتسعت جهود الرجل وجاوزت نطاق البحث في الصورة الفنية، بدا وكأن منهج الرباعي النقدي بات الأقرب في بيئتنا المحلية الأكاديمية بخاصة للمنهج اللغوي الإستاطيقي، أو ما كان يطلق عليه اختصارا المنهج الجمالي الذي حمل لواءه في مصر أساتذة كبار من حجم مصطفى ناصف الذي كانت له الالتفاتة الريادية الأسبق في مجال الصورة الأدبية، ثم لطفي عبد البديع ومحمد أبو الأنوار ومحمد زكي العشماوي وغيرهم، ولعل هذا التوجه كان امتداداً طبيعيًا لانشغال الرباعي المبكر بدراساته حول الصورة الفنية، وكان درة عطاء عبد القادر في هذا الاتجاه كتابه المهم «عرار: الرؤيا والفن».
ثم جاءت انعطافته الرئيسية الثالثة نحو المنهج الثقافي، وكان هذا المنهج منذ مطلع القرن ومازال، يستحوذ على المساحة الأوسع في المشهد النقدي العريي.
ومن الطبيعي أن بذور هذه الانعطافة كامنة في المنهج الجمالي؛ فالمنهج الثقافي، في حقيقته ليس كما فهمه البعض وأنجز بآلياته أبحاثا ورسائل وأطاريح كثيرة هو دراسة المضمون الفكري أو الثقافي للنصوص الأدبية، بل إنه بكل بساطة، تحويل الجمالي إلى نسق ثقافي، ثم الارتقاء بالنسق في خطوة ثالثة نحو أفق جمالي جديد. وأصبحت جهود الرباعي في هذا الاتجاه علامات بارزة يشار إليها بالبنان في الكثير من الدراسات والعديد المؤتمرات العلمية والمحافل الثقافية بل في العديد من الدراسات ذات الصلة بهذا المنهج، بل أصبح للرجل طلابه ومريدوه ممن تأثروا بنهجه وأفادوا من جهوده قبل أن يختطوا طريقهم الخاص بهم، فيما عرف -بحسب تعبير أحد النقاد العرب- بالمدرسة الأردنية في النقد الثقافي.
وتوالت رحلة الرجل والتفاتاته الحصيفة في الدراسات الاستشراقية والبلاغية، ثم التطبيقية حاشداً في تناولها أدواته المتراكمة عبر رحلة علمية جليلة جاوزت- كما ذكرنا- نصف قرن وكان عمادها أكثر من عشرين كتابا تتسم بالعمق وتحمل إضافات نوعية لحركة النقد سواء في بيئته العامة المحلية أو في الأوساط الأكاديمية العربية.
(4)
وبعد؛
فإن المتصفح لكتاب «نمارق مصفوفة»، لابد أن يلمس أن هذا العنوان يلائم بصورة أو بأخرى المسارات الماثلة في المواد المكونة لمحتوى هذا الكتاب، وعلى الرغم من الاختيارات الأخرى المفترضة التي عرضنا آنفا لعدد منها؛ يظل المسار المنهجي الذي ارتضاه المحرران الأوفق لهذا الجهد، ويكفي أن هذا المسار نجح في إخراج مواد الكتاب بشكل أقرب إلى شروط «الكتاب» المتكامل منهجا ومحتوى.
بقي عدد من الملاحظات:
*إن هذا الجهد يكتسب أهمية من أكثر من زاوية؛ فبالإضافة إلى الجانب المعرفي حول هذه الشخصية العلمية الوازنة التي قامت بدور مؤثر في حياتنا الثقافية هنا في الأردن، ناهيك عن حضوره في الأوساط الثقافية في بلادنا العربية كافة، بل وفي العديد من الفعاليات العالمية وبخاصة تلك التي تنشغل بالمجالات التي قدم فيها الرباعي ما يمكن أن يعد إضافة نوعيه، ولا سيما تلك المجالات التي تتصل بالصورة الفنية، وبالأدب العباسي بعامة، ثم في الدراسات الثقافية، إضافة إلى تصديه لبعض المغالطات في الدراسات الاستشراقية، ناهيك عن جهوده في الدراسات البلاغية في ضوء مناهج النقد الجديدة، ثم إسهامه المهم في أدب السيرة والذكريات من خلال كتابة المهم «حكاية وشم»، كل هذا يجعل من مثل هذا الكتاب ضرورة ملحة ليس للدارسين فحسب، بل لرصد الحياة الأكاديمية في الدراسات النقدية العربية ودورها في إثراء الحركة الثقافية في الأردنية بخاصة، وألتمس العذر إذ أفترض أن صورة الإنجاز الثقافي والفكري والنقدي لدينا ما كانت لتكون عليه بمثل هذه الصورة دون إنجاز بهذا الحجم كما ونوعا.
** ولعل من أهم ما يمكن أن يجود به مثل هذا الجهد يشمل الدارسين بعامة وطلبة الدراسات بخاصة، ولا أعني بهذا الساعين لدراسة تجرية فردية فحسب، بل إن الجهود التي احتواها هذا السفر من شأنها أن تقدم أفكارًا ثرية لكل من أراد أن يبحث عن زاوية نقدية معاصرة أو من واقع تراثنا. فما أكثر ما أوحت به أطروحة الرباعي عن الصورة في شعر أبي تمام لدد كبير من الباحثين عن موضوعات منتجة لرسائلهم وأطاريحهم؛ فكان الحصاد اليوم عشرات من الثمار العلمية في هذا الموضوع الذي لا يمكن أن نتصور أنه قابل للنفاذ مادام هناك شعر وشعراء. وهذا فقط في مجال الصورة، ناهيك عن المجالات الأخرى التي تتسم بفرادة معطاءة في جهود الرباعي.
*** بقيت ناحية أخيرة مما يستوجب أن الوقوف عنه في هذه القفلة ولا أقول الخاتمة، وهي تخص العنوان أولا، فهو جميل إيقاعياً، ودلالته جليلة وجميلة، ومع أن التعبير غير دارج في حياتنا اليومية فإن لجلال مصدره مايكفل له السيرورة والانتشار. وتخص ثانيا هذا الإخراج الجميل الذي جاء عليه الكتاب، سواء من حيث الغلاف بنوعية المادة الصلبة الخام، أومن ناحية اللون الغالب لهذا الغلاف، وهو اللون الأسود رمز الجلال والرفعة ... هل نشير - ولو بتحفظ - بأنه لون «السموكن» وعربات الكبار وأباطرة الثراء والنفوذ؟ ثم ذلك التنويع التيبغرافي الذي توزعته كلمات الغلاف، من حيث اللون. نعم سبعة ألوان هي الأصفر والأخضر والرصاصي والأحمر إضافة إلى اللونين الأسود الأبيض، وهذا تنوع لوني يشير إلى تنع في المضامين. لقد استطاع الأستاذ يوسف الصرايرة أن يجعل من عنوان الكتاب والبيانات اللاحقة به، تشكيلاً فنياً أقرب إلى اللوحة. أما فرز الألوان، وهو ظاهر في بيانات الكتاب، وفي توزيع الإضاءة سواء في ملامح وجه المحتفى به أو في ألوان الكتب الصفوفة (وهن يحضر التناغم مع العنوان) وغير ذلك من مكونات لوحة الكتاب، فإنه يستثير حقاً مكامن الإستاطيقا لدى الناظر، أضف إلى ما سبق نوع الورق الأصفر المقوى الذي يريح العيون الفاحصة ويبعث على إحساس بالبهجة كلما عاود المتلقي مصافحة «اليلو بيجز» وهو لون الصفحات المفضلة لمن اعتاد على معاودة الرجوع للكتب بعامة.