سأتناول هذه الرواية عبر مجموعة من الاشارات والنقاط المختصرة والتي لا بدَّ للقاريء من قراءة الرواية لمتابعتها ومناقشتها وكما يلي:

- الرواية هي الأولى للدكتورة نهال عقيل والصادرة عام 2020 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر وتقع في 260 صفحة تقريباً.

- للدكتورة نهال عقيل كتابان قبل هذه الرواية أولهما كتابها القيم عن «القدس في الخطاب الشعري العربي والخطاب الشعري العبري الحديث من عام 1967- 2012».

- هذه الرواية والتي تقوم بعمل قطاع عرضي في المجتمع الأردني من جيل الثمانينيات وحتى الآن عبر شخصياتٍ رئيسيةٍ تحمل أوجاع وآلام ومعيقات وتناقضات الشباب الآردني والمجتمع الأردني السياسية والاقتصادية والتعليمية والصحية والثقافية ووو، هذه الشخصيات هي: شخصية محمد الكركي الذي درس في الجامعة الأردنية في الثمانينيات وعاش مناخاتها السياسية الثرية والتي أثرت في بنائه الفكري ووعيه، عمله مدرساً في قرى الجنوب وتقاعده مبكراً لأسبابٍ كثيرةٍ بعضها سياسي وبعضها اقتصادي، افتتاحه لمقهى في الكرك وتفاعله مع الناس ومعرفتهم ومعرفة أوجاعهم ورصدها، صديق طفولته الورَّاق صاحب خزنة الجاحظ الذي يموت بحادث سير كلنا نعرفه، الحوارات العميقة الموجعة التي كانت تدور بين محمد الكركي وصاحبه الورَّاق هي حواراتُ جيلنا ومجتمعنا وهي أوجاعه وانسداد آفاقه في كل الاتجاهات، زوجة محمد الكركي خديجة المرأة الطيبة البسيطة المتفانية والتي أنجبت عبد الله الذي مات بحادث سير وهوطفلٌ صغير وقاسم الذي يدرس الطب في الجامعة الأردنية وهو مثقف وشاعر وقريب من الحركات السياسية اليسارية والذي ينتحر في غرفته الصغيرة في عمان، هذا الانتحار الرمزي والواقعي والقاسي جداً في سياق الرواية والذي كان قاتلاً بالنسبة لخديجة التي التاثت وهامت على وجهها في شوارع الكرك والتي وجدت ميتة في برد الكرك وملقاة بجانب أحد الشوارع – هذه قسوة عنيفة تدلل كم كان وما زال واقعنا قاسياً ومغلقاً وقاتلاً -، عائشة تلك الغامضة من أيام دراسة محمد الكركي والتي شكَّلت له أملاً بامكانية أن يكون هناكَ شيءٌ جميلٌ في هذا الخراب وخصوصاً ابنتهما التي حملت الرواية اسمها « راكين « والتي تحاول أن تبحث عن مكانٍ لها في عمان - في المسرح والاعلام والفن علَّها تجد نفسها وتواصل الطريق الصعب.

- من الملاحظات على فصول الرواية وعناوينها وافتتاحياتها أنها كانت مقتطفاتٍ من أشعار شاعرين أردنيين شابين من جيل وأصدقاء قاسم ابن محمد الكركي وخديجة الكركية وهما مروان البطوش ومحمد ابو لبدة، وقد كان موفقاً جداً هذا الاتكاء وهذا الاستخدام لمادةٍ شعريةٍ واقعيةٍ لشعراء شباب يعيشون المناخات ذاتها التي تعيشها شخصيات الرواية.

- هذه الرواية واحدة من ثلاث رواياتٍ أردنيةٍ هامةٍ صدرت عام 2020، رواية «مدينة أبي» لكفى الزعبي والتي تستعيد بها محنة الشهيد ناهض حتر ومكانها وزمانها عمان بشكلٍ أساسي والفترة التي تلت اغتيال ناهض حتر، ورواية «دفاتر الوراق» لجلال برجس والتي تتحرك في فضاء عمان وفي نفس الزمان لرواية كفى الزعبي ومناخاتها القاسية والسوداوية وتتقاطع مع مناخات رواية كفى في مفاصل كثيرة ، ورواية «راكين» والتي تتقاطع مع روايتي كفى الزعبي وجلال برجس في أشياء كثيرة.

- الملاحظة الهامة أن الروايات الثلاث تتحرك في إطار ومناخ مأزوم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعاطفياً ويعكس حجم الأزمة العميقة والمأساوية التي يعيشها مجتمعنا وشبابه ومثقفوه وبسطاؤه ويعكس انسداد الأفق والخيارات أمام هذا المجتمع بمكوناته المختلفة وعلى كافة الصُّعُد، ففي «مدينة أبي» لكفى الزعبي والتي تبدأ بجنازة الشهيد ناهض حتر وتنتهي بقتل الشخصية الرئيسية في الرواية «سناء» ورحيل نبيل الذي أحبها وحاول أن يصنع عالماً جميلاً معها ولكنه يفشل، وفي «دفاتر الورَّاق» لجلال برجس والتي ينتهي بها الورَّاق – وهو الشخصية الرئيسية في الرواية – إلى الجنون ومستشفى المجانين في نهايةٍ قاسيةٍ ومؤلمةٍ, وفي «راكين» ينتحر قاسم ابن محمد الكركي وخديجة الكركية هذا الشاب الشاعر المثقف والذي يدرس الطب في الجامعة الأردنية، وتموت خديجة بمشهدٍ من أقسى مشاهد وفصول «راكين» وتتوه راكين ابنة عائشة ومحمد الكركي في غابات عمَّان الموحشة.

- رمزية الأسماء - محمد وخديجة وقاسم وعائشة – ربما يمكن قراءتها كنوعٍ من التواصل التاريخي وأننا امتدادٌ لذلك التاريخ برمزيته وأننا نصل به ومعه إلى طرق مسدودة.

- لغةُ الرواية لغةٌ عاليةٌ وعميقةٌ تزاوجت بها اللغة الشعريةُ الفصيحة باللهجة الكركية المحببة والمميزة والأخاذة بسحر نطقها وارتباطه بأصالة وبساطة وانتماءات هذه المدينة العظيمة لتاريخها العريق ولأمتها والتي تعاني الآن كما تعاني شقيقاتها الأردنيات والعربيات من جراحٍ عميقةٍ وآلامٍ وخرابٍ وجدرانٍ عاليةٍ تسدُّ أمامها آفاق النهوض والحياة الحرة الكريمة التي تليق بها.