Saturday 27th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Oct-2014

أي "دولة"؟*سامر خير احمد

الغد-الحركات المتطرفة التي تنسب نفسها إلى الإسلام، والآخذ حضورها بالاتساع على امتداد المشهد العالمي منذ بدأت الولايات المتحدة حروبها الهوجاء على الأخضر واليابس في بلادنا، بحجة محاربة الإرهاب؛ تلك الحركات تخلط في مخططاتها المعلنة بين مسألتي تطبيق الشريعة، وبين إقامة دولة "إسلامية" تتمتع بالنهضة والقوة والقدرة على التأثير في العالم، بحيث لا يبدو واضحاً ما هدفها الرئيس: هل هو تطبيق ما تعتبره "شرع الله"، أم إقامة دولة "إسلامية" قوية منيعة تعيد أمجاد دول الخلافة؟
لا بد من القول، أولاً، إن مثل هذا الخلط، أو ازدواجية الهدف، ظل موجوداً في طروحات وبرامج الحركات الإسلامية المختلفة؛ الفكرية والسياسية، منذ ظهرت دعوات الإصلاح الديني ذات المرامي النهضوية في منتصف القرن التاسع عشر، والمتزامنة مع حلول الاستعمار العسكري الأوروبي في بلادنا، مروراً بظهور الأحزاب والحركات السياسية ذات المرجعية الإسلامية، وأبرزها جماعة الإخوان المسلمين، وصولاً إلى الحركات التكفيرية التي خرجت من عباءة "الإخوان"، أو تلك التي ظهرت في السنوات الأخيرة واتسمت بطابع العنف والدموية. تلك الحركات جميعها قالت إنها تتطلع إلى إنتاج أمة ناهضة ودولة قوية، لكنها جميعها رفضت مناقشة الموضوع إلا من باب تطبيق الشريعة وإعادة الحاكمية لله.
تلك الازدواجية في الهدف تدفع إلى التساؤل عن حقيقة أهداف الحركات السياسية التي ظلت عبر تاريخنا المعاصر تنسب نفسها وفكرها إلى الإسلام: هل ما يعنيها في الحقيقة هو تطبيق الشريعة، إرضاءً لله تعالى وطلباً لرضاه؟ أم هي تريد استعمال تطبيق الشريعة طريقاً للوصول إلى الدولة الإسلامية القوية على قاعدة "إن تنصروا الله ينصركم"؟! وبكلمات أخرى، فإننا نتساءل عن الهوية الحقيقية لتلك الحركات: هل هي حركات دينية في الأساس، أم سياسية أولاً وقبل كل شيء؟
بالطبع، لا يجوز أن نخلط تماماً بين تلك الحركات. سؤالنا يتعلق فقط بتلك الحركات الدموية التي تؤرق حياتنا اليوم، وتفسد علينا ديننا ودنيانا، بينما تصر على أنها حركات إسلامية؛ بل إنها هي "الحركات الإسلامية" التي تعرف الإسلام الحقيقي وتجاهد تحت رايته، فيما الآخرون في ضلال أو انحراف أو كفر.
تبدو الإجابة الأقرب إلى الدقة هي أن تلك الحركات المتطرفة ترمي إلى إقامة ما تتصور أنه سيكون "دولة إسلامية"، أكثر مما تهتم بـ"تطبيق الشريعة"؛ بدليل أنها ليست معنية بتطبيق الشريعة إلا إذا حدث ذلك بيديها هي. ثم إنها ليست مستعدة لتقديم تنازلات هنا وهناك، مقابل تطبيق شيء من "الشريعة". فضلاً عن أنها ترفض أي سلوك أو رأي يخالفها أو يعترض عليها، معتبرة أن فيه مخالفة صريحة للإسلام الذي فرضه الله؛ بمعنى أنها إنما تستعمل "الشريعة" لإنفاذ "شرعيتها"!
هذا كله يفسر ما تورطت فيه تلك الحركات من إرهاب على مستويي القتل والدموية من جهة، والترهيب الفكري وتكفير المسلمين الذين يخالفونها الرأي والسلوك من جهة ثانية. وهكذا، فإن تلك الحركات غير معنية بإنتاج أمة متحضرة عصرية تؤمن بدينها، وتحترم حق الناس في الاعتقاد والاختلاف والتنافس في الأفكار؛ بل هي تخطط لإقامة دولة تمارس فيها دكتاتوريتها وتسلطها، وقد تسن قانوناً لتحديد طول لحية الرجل وشكل ثوب المرأة، كما فعلت "طالبان" من قبل (من دون أن تنجح في استجلاب نصر الله!)؛ بمعنى أنها تخطط لإقامة دولة خارج التاريخ والعصر!
فإذا كان ثمة بين المسلمين من يتأمل خيراً من تلك الحركات "الجهادية"، رغم إدراكه دمويتها وإرهابها، فعليه أن يتنازل عن أمله ذاك؛ إذ لا يمكن أن يكون الاتكال عليها نافعاً أبداً، حتى ولو من باب "التحالف مع الشيطان لتحقيق المكاسب المستحيلة"!