Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    29-Aug-2017

في المشهد الثقافي..!؟ - د. زيد حمزة
 
الراي - مرة أخرى في اقل من ستة أشهر أجدني مدفوعاً للكتابة عن الثقافة فأعود لنفس المقال القديم الذي كتبته قبل أثنين وثلاثين عاماً وتحدثت فيه دونما تبحّر أو تقعرّ فقارنت بين الثقافة الخفيفة وهي كل ما تلتقطه عقولنا وتستجمعه افئدتنا مما نراه ونسمعه ونقرأه ونحس به دون جهد نبذله ودون تركيز وامعان وتمحيص، فقراءة الصحف سريعاً والاستماع لنشرات الاخبار ومشاهدة بعض برامج التلفزيون وملاحظة الناس وسلوكهم والتعرف على جغرافية العالم وعادات شعوبه من خلال السياحة والاسفار، كلها روافد تلتقي وتصب في اذهاننا بسهولة ويسر دونما وعي او ارادة منا وتزيد مع الوقت الطويل معلوماتنا العامة، وبين الثقافة الثقيلة التي نبذل في سبيلها عناءً وجهدا ونوليها اهتماما وتركيزا لتساعدنا في تشكيل قناعاتنا، كأن نطالع الصحيفة بروية ونحتفظ ببعض مقالاتها كوثائق نعود لها عند الضرورة والاقتضاء، أو نقرأ الكتب الجادة والمراجع التي تضم مواضيع نتطلع للمزيد من المعرفة حولها وتستغرقنا هذه القراءة وقتا اطول نحس بعده اننا حصلنا على شيء جديد وقد دخل الى اعماقنا بمالا يتطاير سدى وتذروه رياح المتغيرات اليومية المتلاحقة، أو نستعمل جهاز الفيديو لمشاهدة برنامج وثائقي أو فيلم تاريخي او علمي فاننا نكون قد هيأنا انفسنا سلفا للمتابعة المتعمقة.
 
هذا الكلام البسيط أحسست اكثر من مرة أنه تعقّد لديَّ بكلام آخر سمعته من مثقفين كبار كأولئك الذين توظفهم او تتعاقد معهم برواتب عالية دول خليجية ليديروا لها مشاريعها (!) الثقافية ذات الميزانيات الكبيرة، عدا عن اعطيات سخية مقابل تحرير مذكرات يملؤون صفحاتها بالانجازات المجيدة لمسؤولين سياسيين! فقبل بضعة اعوام وقف احدهم محاضراً عندنا ليبدأ بتعريف الثقافة حسب آخر إصدار للجنة متخصصة كلفتها هيئة دولية مرموقة واستغرقت في تحضيره أمداً طويلاً وحوى شرحاً مركّزاً مضغوطاً مكثّفاً قصدتْ به أن يكون كافيا وافياً كاملاً شاملاً لكل معاني الثقافة فامتد لما يقرب من صفحة كاملة ما أن تبدأ بفهم الكلمات القليلة الاولى منها حتى تتوه ويتوه في ذهنك المعنى المقصود بعد بضع سطور، وتخرج في النهاية غير قادر على استيعاب (التعريف) ومن المستحيل بالطبع ان تكون قد حفظتَه عن ظهر قلب كما تظاهر صاحبنا المحاضر.
 
لقد تذكرت مقالي القديم البسيط هذا ومحاضرة صاحبنا المعقّدة حين دُعيت قبل اسابيع لمناقشة ما سُمّي بالمشهد الثقافي من اجل وضع رؤيا مستقبلية للثقافة في الاردن والتوصيات اللازمة للنهوض بها لكن لا احد يعلم لمن سوف تقدم وما هو مصيرها الحقيقي؟! وقد قيل في المناقشة كلام كبير يشبه ما سئمنا من ترداده منذ صارت عندنا وزارة للثقافة حار بعض وزرائها السابقين في صياغة دورها في قالب قانون خاص بها، وكذلك منذ أنشئت عندنا مؤسسات مستقلة مالياً وادارياً يناط بها كل شيء حتى الهم الثقافي وتُغدق عليها المخصصات المالية والمكافآت الاضافية مع أننا كنا أيام الفقر في اربعينات القرن الماضي قد شهدنا نشاطا ثقافيا لم تعتده عمان من قبل (نهض) به ناديان متواضعا الامكانيات أحدهما قومي هو المنتدى العربي والآخر يساري هو نادي التعاون الثقافي.
 
لم أعجب بل سعدتُ كثيراً حين ارتفعتْ اثناء تلك المناقشة نبرة الانتقاد والتذمر من تقاعس الجهات الرسمية عن القيام بدورها في الحراك الثقافي لكني استغربت خفوت لهجة التحدي وغياب الروح النضالية في السعي لتحقيق حرية التعبير وتوفير المناخ الديمقراطي الذي لا تزدهر بدونه أي ثقافة، وبدلاً من ذلك تألمت حينما سمعت اللغة الاستعطافية في طلب الدعم الحكومي لا للمراكز الثقافية الفاعلة كي تضاعف انتاجها وانجازها بل ما يوحي بتحويله الى منح واعطيات لأفراد من اجل ان يبدعوا (!) وكأن الشاعر الكبير احمد شوقي لم تظهر الدرر في قصائده إلا بعد ان تلقى معونة مالية من الحكومة المصرية أو كأن عميد الادب العربي طه حسين وقف بباب وزير المعارف راجياً ادراج كتبه في مناهج وزارته كي يقبض حصته من ثمنها أو أن الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب لم يبدع إلا بعد ان استجاب لتوسلاته مدير الاذاعة فأدخل أغانيه على برامجها مقابل الأجر.
 
وبعد.. فالثقافة ليست حكراً على وزارة تحمل اسمها أو مجمع لغوي يحبسها معه في سبات الماضي ولا مكتبات كبيرة أو منابر ومنتديات عامة لبعضها أجنداتها الخاصة بل هي اسمى واصدق وأوسع وأشمل من كل ذلك وسوف يتوه من يبحث عنها في المعاجم ففي لسان العرب مثلاً تعني أصلاً تقويم السهم أو الرمح.. إنها باختصار شديد لا تحتاج حتى للتعريف ، فهو يخنقها !