Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-May-2017

وصلوا حتى إلى.. قوانين الصحة ! - د. زيد حمزة
 
الراي - عندما نعتوا أنفسهم في اميركا وفي البلاد الصناعية الكبرى بأنهم الليبراليون وهم في واقع الأمر المحافظون اليمينيون في الميدان السياسي الذي تتحكم به فلسفتهم الاقتصادية الرأسمالية ومعها بقايا العقلية الاقطاعية ولا أبالغ إذا قلت رواسب من عصر العبودية ! وعندما هزت بعضَ اركانهم المفاهيمُ الكينزية المعتدلة القادمة من اوروبا تؤكد على حق المواطن في الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وتحركَ دهاقنتهم للمحافظة على ثوابت عقيدتهم الاقتصادية التي تعتمد على حريتهم في التملك واستغلال الآخر وحريتهم في تنفيذ كل ما من شأنه أن يحقق لتجارتهم وصناعتهم المزيد من الارباح والانتشار والتوسع وتجاوز سيادة الدول الأخرى ولو بالحروب، قاموا بشن حملتهم على جورج مينارد كينيز عالم الاقتصاد البريطاني وأوسعوه تجريحاً وتسفيها فسماهم اعلامهم ((المحافظين الجدد)) Neocons في عهد تاتشر وريغان، ثم أمعنوا في التضليل باستخدام الليبرالية مسربلةً بأصلها اللغوي ( الحرية) فوصفهم أنصارهم بـ( الليبراليين الجدد )، وعندما تخرجتْ في كلية الاقتصاد بجامعة شيكاغو دفعاتٌ جديدة ممن أصبحوا يُدعوْن تلامذة شيكاغو حاملين تعاليم وأفكار نبيّهم واستاذهم الجديد الدكتور ميلتون فريدمان الداعية لمنح المزيد من الحرية لنظام السوق حتى لو أصبح منفلتاً من عقاله متوحشاً بالهجوم على الطبقات والشرائح الاجتماعية الأخرى ولا ضير عندهم في ان يؤدي ذلك لتدميرها والقضاء عليها كانت اولى تجاربهم الميدانية الدموية العنيفة على ارض تشيلي بانقلاب الدكتاتور بينوشيه (1971) فساعدوه بالخطط الاقتصادية ودعموا استيلاءه على السلطة بقوة السلاح الاميركي وبالتواطؤ الكامل مع الاستخبارات الاميركية الـ CIA ولم يخجل هنري كسينجر نفسه من الافصاح عن ذلك علنا ! وللمقاربة فقبل ذلك بسنوات عشر كان الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور (يناير1961) يحذر في خطبة الوداع من تنامي العلاقة المشبوهة بين البنتاغون وصناعة الأسلحة وسماهاMilitary Industrial Complex وكانت تلك مرحلة جازتْ على براءة ذلك الرئيس واستمرت تأخذ اشكالاً متعددة لو عاش لرآها الآن بأبشع صورها في الحروب التي تشنها الولايات المتحدة مباشرة أو بالوكالة خارج حدودها وخصوصا في منطقتنا كي تبيع فيها أسلحة بعشرات بل مئات المليارات ! وللاستزادة فان ميلتون فريدمان كان عراب مدرسة شيكاغو والاب الروحي للخصخصة الذي لقن تلامذته الدروس الاولى في التعدي على الصلاحيات الدستورية الأساسية للحكومات في إدارة ورعاية وتقديم الخدمات لمواطنيها في مجالات التعليم والصحة والأمن وسواها.. وحين وقف فيدل كاسترو عام 1998 خطيباً في منظمة الصحة العالمية بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيسها يندد بما وصل اليه افتئات الليبراليين الجدد على دور القطاع العام في المجال الصحي ضجت القاعة الكبرى بتصفيق وزراء الصحة القادمين من كل دول العالم، ولما قال ساخراً: إذا سحبوا صلاحيات الحكومات في الصحة والتعليم فماذا يبقى بيدها غير صلاحية إعلان الحرب ، ضجت القاعة مرة أخرى بالضحك مع التصفيق.. ولا أظن هذا الزعيم التاريخي إلا قد علم فيما بعد أن الخصخصة قد وصلت في الولايات المتحدة نفسها الى السجون إذ تشتريها الشركات وتديرها كفنادق تزدهر بمزيد من النزلاء اي المساجين ! وعلم كذلك أن قرار الحرب لم يعد حصراً بيد الرئيس او الكونغرس إلا شكلياً بعد أن استحوذ عليه المجمع الصناعي العسكري الذي نبّه من اخطاره الرئيس آيزنهاور، وقد عاش كاسترو حتى رأى لاحقا كيف تسبب الليبراليون الجدد فيما تسببوا من مصائب للناس في كل جهات الارض بالازمة المالية العالمية عام 2008 متمثلة بالفقاعات المعروفة التي استولدوها من رحم البنوك وشركات التأمين ثم انفجرت في وجه الشعب الاميركي واصابت شظاياها شتى بلاد العالم بأحجام وصور مختلفة.
 
لقد شهدنا في بلدنا الصغير أمثلة كثيرة على الخصخصة امتثالاً لنظام السوق بعضها مكشوفة طالت ثرواتنا الطبيعية وأخرى تسللت من وراء ستار وعلى مدى طويل الى خدماتنا الاساسية في التعليم المدرسي والجامعي، وبعد أن أحبط البرلمان الحادي عشر مؤامرة المؤسسة الطبية العلاجية (1991) وجدنا محاولة جديدة تزحف ببطء نحو الصحة منذ 2001 باقتراح قانون المساءلة الطبية الذي يسلّم رقاب اطبائنا ومستشفياتنا لشركات التأمين (التجارية طبعاً) كما يشير على قضائنا كيف يعاقب الاطباء والمستشفيات جزاءً على الاخطاء ويحدد بالاتفاق مع شركات التأمين مقدار الغرامات ! وفي الوقت الذي كنا نزهو بتقدم الطب في قطاعينا الخاص والعام ونُباهي بازدهار السياحة العلاجية (مع أني أكره هذه التسمية التجارية) بفضل مهارة اطبائنا وطموح مستشفياتنا تفاجأنا بمن يريدون أن يعلّمونا كيف ينبغي ان نحسّنها ونطورها حسب بروتوكولات الاعتمادية الجاهزة وعلينا ان نشتريها منهم باسعار يحددونها لنا، ومن اجل ذلك راحوا يقتحمون تشريعاتنا بنظام غير دستوري مر من مجلس الوزراء في عام 2016 يفرض الزاميتها ليس فقط على قطاعنا الطبي الخاص بل قطاعنا الصحي العام ايضاً، ويعطي لشركة غير ربحية (كذا) يديرها ويمولها اصحاب المصالح الحق في تطبيقها والحلول بذلك محل وزارة الصحة ومديرية الخدمات الطبية والجامعات.
 
وبعد.. ينتصب على قمة المشهد الاقتصادي العالمي مراقبا ومتابعاً ولاعبا اساسياً من خلف الستار كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك الاحتياط الفيدرالي وبنوك العالم الحر ، وللتذكير والتوضيح وازالة اللبس الظاهر من اسمائها فليس لها جميعها ادنى علاقة بمنظمة الأمم المتحدة وهيئاتها المتخصصة !