Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    01-Jan-2018

2017 صخب وذاكرة قلقة - رومان حداد

الراي-  في التأريخ القديم كان يعطى للأعوام ألقاباً، ربما لأن الأحداث كانت محصورة ومحددة، ولكن مع تداخل العلاقات الدولية وتعقدها وتشابكها صار من الصعب سبغ عام بلقب محدد، فكيف يمكن لنا في منطقة الشرق الأوسط أن نعطي عام 2017 لقبه، هل نسميه عام القدس أم عام نهاية داعش، عام قيادة المرأة السعودية أم عام مقتل علي عبداالله صالح، أم عام دونالد ترمب أو عام براءة الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، وأردنياً هل يمكن أن نسميه عام السفارة كإشارة لما حدث بالسفارة الإسرائيلية في الأردن، أم عام الخبز.

لم أكن أتوقع أن العام 2017 عام زاخر بالأحداث الكبرى المؤثرة على مصير المنطقة ومصيرنا نحن الذين نقطنها، فكل الأحداث السابقة لها تأثيرها المباشر على ضرورة المنطقة بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة، وموقع الأردن الجيوسياسي في المرحلة القادمة.
 
نعم هذا العام هو عام القدس، ففيه شهدنا استيلاء دولة الكيان الصهيوني على القدس بقرار من الرئيس الأمريكي دنالد ترامب، في إعادة لمشهد كريكاتوري مأساوي حين منح بلفور بوعده أرضاً هي فلسطين لشعوب عدة انضوت تحت هوية الدين وسميت عنوة الشعب اليهودي، فتكرار إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق بعد مائة عام مسرحية تثير الكآبة والغثيان وتطرح سؤالاً جوهرياً هو هل غادرنا في العالم حالة الاستعمار والاستعباد، أم أنها تتكرر بنكهة مشابهة تعيدنا للسطر الأول في كتاب البحث عن الحرية وتراجيديا حق تقرير المصير؟
 
وربما كان هذا المفصل هو الأهم على مستوى المنطقة لأنه، وإن جاء في آخر أشهر هذه السنة، كان العنوان الأبرز والمحرك لمجموعة من الأحداث والناظم لمجموعة من التحالفات الإقليمية التي هي قيد التشكل، فهو ما فتح الباب على وسعه لإعادة قراءة مرحلة ماضية واستراف مستقبل لا يبوح بكل أسراره، ونهاية قصة السلام العادل والشامل.
 
ربما كان هذا الحدث الصاخب فرصة كي يقرأ العربي اليوم موقعه في المعادلة الدولية والإقليمية، وفرصة للسلطة في الدول العربية لإعادة تموضعها وتأكيد ضرورة صياغة مشروع عروبي يجعلنا لاعبين رئيسيين في المنطقة لا مجرد ساحة للصراع أو مجرد أحجار شطرنج لا تعلم من يحركها. إنه حدث على شكل صفعة قوية كي نصحو من غفلتنا ومراهناتنا الخاسرة الخادعة، فلا يهم كم مرة زارنا سيد البيت الأبيض وكم صورة التقطناها معه وهو يبتسم للكاميرا، وكم مرة داست أقدامنا عتبة بيته، فكل ذلك لم يشفع لنا حين قدم سيركه للإعلان عن نقل السفارة الأميركية للقدس بصفتها عاصمة دولة إسرائيل.
 
إنه عام نهاية داعش، فمن تعب في صياغة الرواية بكامل فصولها وفق قواعد أفلام الإثارة والأكشن والرعب، لم يعبأ بصياغة نهاية ملحمية للرواية وكتبها على عجل، بصيغة خبر من ثلاثة أسطر يعلن نهاية داعش، وكأن الأرض ابتلعت مقاتليها، مع الإبقاء على أبي بكر البغدادي، عله يمكن أن يكون بطل الجزء الثاني من الرواية، أو فصلاً جديداً في رواية متسلسلة للرواية الأولى.
 
وفي إطار النهايات العجولة يبرز مشهد علي عبداالله صالح مقتولاً برصاصة برأسه أطلقت عليه عن قرب، فهو ذلك البهلوان السياسي الذي احترف كل الألعاب الخطيرة خلال مسيرته السياسية، ولكن لتثبيت مقولة (مش كل مرة بتسلم الجرة) لم يستطع صالح أن ينهي قفزته الأخيرة بسلام فسقط ميتاً، لبقي السؤال مفتوحاً دون إجابة، هل أخطأ بالحسابات السياسية في آخر قفزاته، أم أن مجنوناً قرر الدخول على المشهد وتغيير السيناريو، وهل كان بالفعل قادراً على إنهاء الصراع في اليمن، أم أن خطوته كانت لعجوز وجب عليه الاعتزال فكابر ومات وهو يحاول إعادة رسم صورته كسياسي بارع في أذهان أتباعه؟
 
لا يمكن أن هذا العام دون أن يكون للنكهة السعودية المستحدثة بقايا في ذاكرته، ففيه المرأة حصلت على حق بدا بعيداً عن متناولها، وهو على بساطته كان مؤشراً على حجم التغيير الذي سنراه في المستقبل، نعم المرأة السعودية ستقود سيارتها في شوارع الرياض، ومن كان يطلق الفتوى لتحريم ذلك مبررا فتواه بالخوف على عذرية المرأة السعودية أو بالخوف على (مبايضها) وقدرتها على الإنجاب، صار هو من يفتي بحلية قيادة المرأة، في مشهد من نوع الكوميديا السوداء، والنتيجة بصورة رديئة فنياً.
 
وبالطبع من حرم السينما سيكون جاهزا للجلوس بالصف الأول في أول عرض سينمائي في السعودية لإعطاء شرعية مزعومة لخيالات ملونة تظهر على شاشة بيضاء.
 
وأما الريتز فقصته من باب السوريالية الفجة، التي تثير الدهشة والضحك والدموع، دون الوصول لنتيجة نهائية مع نهاية القصة، وليس ذلك لأننا غير قادرين على فهم المدرسة السوريالية واستيعابها، ولكن لأن من أخرج الفيلم وكتب القصة ووزع الأدوار ليس خبيراً بالسوريالية أو بتقنيات إخراج مشاهدها أو كتابة قصتها.
 
أما قصة الأردن ومحاولة رميه في غياهب الجب من قبل إخوته، فهي استحضار ميثولوجي لقصة النبي يوسف في جزئها الأول، ولن نستطيع الجزم ولكننا نعتقد أن النهايات ستتشابه أيضاً.
 
رغم الصخب العام في المنطقة، سأعنون هذا العام في ذاكرتي بعام (ريال مدريد) وزيدان ومحمد صلاح، فأنا كغيري أرى في كرة القدم ضالتي للتشجيع بشغف والبحث عن العدالة والرغبة بالانتصار والأمل بالمستقبل. 
 
لا تتذكروا الأعوام كما عشتموها بل تذكروها كما تحبون أن تكون، فالذاكرة فرصتنا لخديعة ذاتنا ومنحنا قوة كي نستقبل العام الجديد بكل أمل وتفاؤل. عام 2017 ما أصخبك.. عام 2018 أي أسرار تخفيها؟