Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    03-Dec-2019

الأردن: الانقلاب على «المعلبات»… متى؟

 القدس العربي-بسام البدارين

الاستماع إلى نخبة من كبار مسؤولي القرار في الحالة الأردنية أشبه بعملية رؤية الوجه في مرآة محدبة، فالجملة النقدية التشخيصية إذا قيلت بهدوء وبدوافع وطنية، تعبر ببساطة إلى تلك المرآة وتنعكس على الناظر أو المتحدث.
خضت شخصيا تجربة مثيرة مؤخرا وأنا أقابل نخبة من مسؤولي الظل الأساسيين وغيرهم من مسؤولي الضوء الكثر والذين يتسببون بالزحمة أحيانا.
الجميع وبدون استثناء يوافق بل يبصم على بعض الأفكار ومقترحات التشخيص والتحليل حتى عندما تقال في سياق نقدي، وعلى أساس المراقب الثالث والمحايد.
لكن الجميع وفي مفارقة عجيبة يظهر قدرا من التباطؤ غير المبرر في التفاعل مع ما يتفق عليه من تشخيص، حيث لا أحد في غرفة القرار اليوم يريد أن يتخذ إجراء للتصحيح أو قرارا بالانقلاب على المعلبات والكلاسيكيات مع أن الجميع يصغي بحسن استماع ويبتسم، وفي الكثير من الأحيان يوافق على الخلاصة والاستنتاج ويطلب المشورة والتضامن.
كيف يمكن صياغة برنامج عمل حقيقي هذه المرة، يزيد بالتفاضل العددي والكمي من حضور نخبة المؤمنين بالبلاد والعباد والمملكة، بدلا من مراكمة شريحة المخبرين الذين تحول بعضهم إلى ظواهر في الحياة العامة تقود الشارع أو تستخدمه.
تبدو مفارقة بحاجة إلى تحليل عميق حيث إجماع وطني على تشخيص المشكلات وزحف بطيء جدا باتجاه مبادرات لقرع الجرس وتغيير الاتجاه. هنا نمط غريب من التكلس في المفاصل، وبطبيعة الحال خوف من كلفة التغيير ومن الانزلاق في مفاجآت، وخشية من كلفة المصارحة الداخلية.
وهنا أيضا كمائن بالجملة تنصب لإعاقة أي مقترح نبيل أو فكرة جديدة رغم إجماع كل الأطراف ليس فقط على التشخيص والتحليل بل أيضا على وجود دروب يتيمة للمعالجة والاحتواء اليوم.
الفرية الأكبر التي تقال من جهات في النخبة متعددة بين الحين والآخر هي تلك التي تحذر الدولة والقرار على أساس أن كلفة بقاء الأمور كما هي، أقل بكثير من كلفة الإصلاح والتغيير.
تلك واحدة من أكبر الأكاذيب التي أسمعها وأرصدها هنا وهناك. بالنسبة لجزر مستحكمة من قوى الأمر الواقع المستفيدة من كل ما هو عكس الإصلاح والتغيير لا تزال القيمة الأفضل، هي تلك التي تعلي من شأن الولاء بصرف النظر عن عمقه وجديته على حساب الكفاءة.
 
لا أحد في غرفة القرار اليوم يريد أن يتخذ إجراء للتصحيح أو قرارا بالانقلاب على المعلبات والكلاسيكيات مع أن الجميع يصغي بحسن استماع ويبتسم، وفي الكثير من الأحيان يوافق على الخلاصة والاستنتاج ويطلب المشورة والتضامن
 
وهي تلك القيمة التي تمجد الرداءة وتسمح لها بحصص كبيرة في الواقع على حساب المهنية والاعتبارات المتعلقة بالعلم والمهنية.
حتى الآن يتذمر جميع المسؤولين وفي كل الاجتماعات المغلقة والمفتوحة والسيادية والبسيطة والمعقدة من ما يجري على منصات التواصل. لكن حتى الآن أيضا، لا أحد يريد الإقرار بأن تلك المنصات في السقيم من إنتاجها هي محصلة لتسمين وتغذية بعض منابر صحافة المواقع. ولا أحد يريد الإقرار بأن وجود العديد من مجموعات الذباب الالكتروني والمدعومة رسميا، والتي تصطدم ببعضها البعض في الميدان هو أقرب لصيغة الزحام الذي يعيق الحركة حيث لا إنتاج حقيقيا هنا ويوجد تراكم في الرداءة والتسحيج والنفاق والتسبب بإنتاج اطنان من الاحباط والاحتقان وحيث أشخاص مغامرون أو مراهقون تم تمويلهم على أساس ترويج فكرة الولاء المسموم وهؤلاء كالثور الأبيض يمكن ببساطة لأي عاقل أو خبير ترصد حجم التأثير السلبي الذي يتسببون به في أوصال المجتمع وليس العكس.
في الإعلام مثلا، إصرار عنيد على التواصل فقط مع غير المهنيين وتمويل الرداءة في الأداء ودعم مؤشرات الصدفة المهنية ووضع رجال غير مناسبين في أماكن غير مناسبة، والتوسع أفقيا في إنتاج أعوان وأنصار لأشخاص في الحكم وليس للحكم نفسه، وهنا ليس سرا أن المزاودة والنفاق بأسوأ انتاجهما يتصدران وأن المال الأسود يتحرك في هذه المساحة وأن الإعلام الوطني المهني إما أن يستهدف أو يطارد أو بالحد الأدنى يتم تهميشه.
في السياسة أيضا، لا يختلف المشهد كثيرا فالجميع يشتكي من صنف محدد من أعضاء البرلمان وسلطة التشريع ومرشحي الانتخابات.
وهذا الجميع يصر على تمجيد صيغة النظام والقانون التي قادت البلاد والعباد لهذا النمط من التحالفات الرديئة وللصنف المنتج للقلق من المرشحين وأعضاء البرلمان، ولا يوجد نصير قوي في السلطة لفكرة تغيير قواعد لعبة الانتخاب على أساس النضج والتسييس والوطنية إلا ويدفع ثمنا غاليا وهو يستمتع بنفس الأهزوجة القديمة التي تحذر من كلفة الإصلاح السياسي وتزعم بأن البلاد في حال تغيير النظام الانتخابي ستقع بأحضان إما الإخوان المسلمين، أو مشروع الخيار البديل الإسرائيلي. طبعا تلك أيضا فرية موسمية معلبة كانت تقال طوال سنوات لإعاقة الإصلاح السياسي.
أقل تقدير، وأتحدث هنا من تجربة شخصية مباشرة، أن نخبة من كبار المسؤولين والفلاتر اليوم تستمع باهتمام، لا بل توافق على وطنية التشخيص النقدي مرحليا وأهميته وضرورته القصوى. لكن نفس تلك الحلقات تريد أن تتمهل.