Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Jan-2020

محمد عصفور: مشكلات الترجمة لا توجد في اللغة بل في المترجمين

 الدستور - نضال برقان

واصل مجمع اللغة العربية الأردني عقد جلسات موسمه الثقافي السابع والثلاثين بالتعاون مع مبادرة (ض)، وفي هذا الإطار أقام المجمع، يوم أمس، محاضرة بعنوان «من مشكلات الترجمة إلى اللغة العربية»، قدمها الأستاذ الدكتور محمد عصفور، في قاعة الأستاذ الدكتور عبدالكريم خليفة، في مقر المجمع بحضور رئيس المجمع أ. د. خالد الكركي، وأمين عام المجمع أ. د. محمد السعودي، وكوكبة من الأكاديميين والمثقفين.
واستهل د. عصفور المحاضرة بالإشارة إلى الحديث عن الترجمة يبدأ، أحياناً، بتكرار العبارة الإيطالية المشهورة القائلة «traduttore, traditore»، أي إن المترجم خائن، وأحياناً بالجدل الذي لا ينتهي حول كون الترجمة فنّاً أو علماً. والسبب دائماً هو أن ثمة فرقاً تتباين درجته من مترجم إلى آخر بين النصّ الأصلي والنصّ المترجم. فمن الواضح أن النصّ الأصلي كثيراً ما يفقد شيئاً من خصائصه في اللغة الأخرى إن لم يكن نصّاً إخبارياً خالصاً أي informative باللغة الإنكليزية.
وتساءل المحاضر تاليا: هل الترجمة فنّ؟ قبل أن يجيب: سيُسعِد المترجمَ أن يوصَفَ بأنه فنّان، ولكنه سيظل يشعر بأن جهوده المضنية في مصارعة الكلمات والجُمل، وضرورة العودة إلى أنواع القواميس ليتبيّن الفرق بين هذه الكلمة وتلك، وليتأكَّد من هذه المعلومة أو تلك لكي لا يقوِّل النصَّ الأصلي ما ليس فيه – أن هذه الجهود أبعدُ ما تكون عن الفن. كذلك فإن المترجم مهدَّدٌ باستمرار بأن يُتَّهم بالخيانة لأنه لا يبتكر ما يقول بل يحاول أن يقول ما يقوله شخص آخر دون أن يضيف إليه أو يحذف منه شيئاً، وكثيراً ما يفشل، كما قد يفهم من الملاحظات التي أبديتُها في ما سبق.لكن يبدو أن صفة الفن تأتي من محاولة بعض المترجمين أن يترجموا الشعر شعراً، وهذا شيءٌ مألوف في الغرب، ولا سيّما عند ترجمة الملاحم.
وقد عاد المحاضر ليتساءل مجددا: إن لم تكن الترجمة فنّا، فهل هي علم؟ ومن ثم قال: نعم، إنها قابلةٌ لأن تُدرَسَ وتُدرَّسَ مثل أيِّ ظاهرة طبيعية أو ثقافية، ولكن العالِم فيها لا يصبح مترجماً بالضرورة، مثلما أن ناقد الشعر لا يصبح شاعراً بالضرورة، ومثلما أن مدرِّس مادَّة التأليف الموسيقي في معهد الموسيقى لايجب أن يكون مؤلِّفاً موسيقيّاً بالضرورة. ولقد دخلت دراسات الترجمة في العقود الأخيرة في مجال الدراسة الأكاديمية في بعض الجامعات العربية وجامعات كثيرة أخرى في العالَم، ولكن الشهادات التي تمنحها هذه الجامعات لا تعني أن من يمارسون الترجمة من حملة هذه الشهادات قد تأهَّلوا حقّاً لممارسة هذه المهنة. كذلك فإن كبار المترجمين في العالَم على مرِّ العصور لم يدرسوا «علم» الترجمة، بل مارسوه لأسباب قد يعود بعضها لرغبتهم في الحصول على  كسب مادِّيٍّ، وقد يعود بعضها لرغبتهم في نقل نصٍّ أعجبوا به لأهميته أو لجماله إلى لغتهم. وإذا اكتفينا بالنظر إلى أفضل المترجمين في عالمنا العربي من أمثال عادل زعيتر وجبرا إبراهيم جبرا وإحسان عباس ومحمد مصطفى بدوي وسامي الدروبي فإننا سنجد أنه ليس من بينهم من درس الترجمة دراسة أكاديمية، بل هم أتقنوها لأنّهم جمعوا لها من المعرفة العميقة باللغتين أو الثقافتين، ومن الوَلَع بالإتقان ما هو ضروريٌّ للإبداع في أيِّ عمل.
وخلص المحاضر إلى أن الترجمة مهارة يكتسبها المترجم بالدُّربةِ، والمثابرةِ، والثقافةِ الواسعةِ، والاستعدادِ الدائمِ للبحث الدؤوب، وإتقانِ لغتين على الأقلّ إتقاناً يجعله قادراً على إدراك المعاني وما يكمن خلفها من تلميحات وإحالات، ويكون مع ذلك مستعدّاً للتسليم بأنه ليست هنالك ترجمة نهائية، وأن كلّ ترجمة قابلة للتحسين إن أُعطيَ المترجمُ الوقتَ الكافي، والوسائلَ الضروريةَ لإعادة النظر. واللغة العربية، شأنُها في ذلك شأنُ بقية لغات العالم، قادرةٌ على التعبير عن الأفكار كلِّها بكلمات أصيلة فيها أو بكلمات تستعيرها عند الحاجة من لغات أخرى. إن مشكلة الترجمة أو مشكلاتها لا توجد في اللغة بل في المترجمين الذين لا يبذلون الجهد الكافي لتحسين معرفتهم باللغات، ولتدريب أنفسهم على البحث والتنقيب. وليذكر المترجمُ أنه الوحيدُ من بين من ينشرون الكتب الذي لا يُغفَر له أيُّ خطأ يرتكبه، سواء في الإملاء، أو الإعراب، أو اختيار الألفاظ، أو تركيب الجمل، أو الربط بينها. هو واحدٌ والقرّاء كثيرون، وإن لم ينتبه إلى كلِّ كلمةٍ في مخطوطة كتابه فما أسرع التُّهم التي ستنهال عليه من كل جانب.