Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Jul-2018

من ينهب من ؟ - د. زيد حمزة

الراي -  يحار المرء أحيانا في فهم تصريحات الرئيس الاميركي دونالد ترمب المحاط بعدد ضخم من المستشارين فلا يلبث حين يسمع رأي الاميركيين المطلعين ان يستعيد توازنه وقدرته على استيعاب الاقوال التي يطلقها رئيس أقوى دولة في العالم حيال العديد من القضايا، وبعض الاقتصادية منها معقد لدرجة مربكة! فمثلاحين يقول بغضب بالغ إن الولايات المتحدة هي فريسة لعمليات نهب مستمرة من قبل الدول الأخرى إذ تمد يدها الى حصالتنا وتغرف من مدخراتنا فان الكاتب الصحفي الكبير دونكان كاميرون يرد عليه بالقول إن العكس هو الصحيح لأن الولايات المتحدة هي التي تنهب الآخرين حين تسدد التزاماتها لكن بعملتها فمدخراتها لا تزيد عن 5,1 %من الناتج المحلي الاجمالي لكنها تستطيع ان تغرف من مدخرات البلاد الاخرى وهي بذلك المقترض الاكبر في العالم منذ 1985 اي انها تعتبر الدول الأخرى ((حصّالة)) بخاصة لها وليس العكس كما يقول ترمب الآن! وجاء في مقال كاميرون على موقع Rabble الذي نشرته ال ICH في 4 /7 /2018 :أن الولايات المتحدة مدينة لدول العالم حتى بداية هذا العالم 2018 بمبلغ 7,7 تريليون دولار وهو حاصل الفرق بين ما تنفقه على استثماراتها في الخارج بقيمة 8,27 تريليون دولار ومجموع ودائع غير الاميركيين في الولايات المتحدة البالغ 5,35 تريليون دولار وهي اموال تمكِّن الولايات المتحدة من صرفها دون القلق والخوف من الحصول على عملة اجنبية لاستهلاكها عبر البحار(فهي التي تطبع وتصدر الدولارات)!

وجاء في المقال ان مجرد قبول دول العالم التداول بالدولار كعملة رئيسية فانها في الواقع هي التي تقرض الولايات المتحدة التي استحوذت على هذا الامتياز الهائل وغير المنصف لان عملتها اصبحت(العملة الاحتياطية) في كل العالم منذ ما قبل نهاية الحرب العالمية الثانية حين دعت في مثل هذه الايام من عام 1944 ،ثلاثاً واربعين دولة حليفة الى مؤتمر بريتون وودز / في ولاية نيوهامبشير،حيث تقرر إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمركز الرئيسي لكن منهما في واشنطن، وكان هدف المندوبين ال 730 في المؤتمر ان يمنعوا كارثة اقتصادية مشابهة لتلك التي حدثت في الازمة الكبرى لعام 1930 Depression Great .وكانت بريطانيا قد تبنت قبل ذلك سياسة خبيرها الاقتصادي الأبرز جون مينارد كينز التي تقضي بتداول العملات تحت اشراف البنوك المركزية، وتجعل الدول ذات الفائض تعيد تلقائيا تدويرالموارد المالية لصالح الدول الضعيفة المدينة ذات العجز فتساعدها على تجنب اللجوء للانكماش الاقتصادي، لكن وفد الولايات المتحدة سيطر على المؤتمر وأبقى البنوك التجارية الخاصة كمراكز للتبادل التجاري العالمي، وبذلك هيمن اصحاب بنوك وول ستريت على اسواق تبادل العملات وحرصوا على أن تستمر عملتهم معتمدةً لكل المعاملات المالية العالمية وتبعا لذلك تضطر الدول والشركات الكبرى(وحتى الافراد) للاحتفاظ باحتياطي دائم من الدولارالاميركي! وهنا تأكد مندوبو الولايات المتحدة من ان خطة كينز قد شُطبت نهائيا فقد كانوا يرونها اشد خطراً على الراسمالية.. من الشيوعية!
بعد ان تعافى التمويل العالمي إثر حرب 1939 – 1945 احتاجت كل الدول باستثناء الولايات المتحدة أن تحصل على الدولارات الاميركية إما بزيادة صادراتها أو الاقتراض من البنوك لتوسيع النشاط التجاري فيما بينها.. فاسعار البضائع الاستراتيجية كالنفط والذهب والقمح على الاغلب بالدولار، كما الارصدة الاحتياطية الأساسية في البنوك المركزية والقروض الدولية والودائع والسندات، ومع ان الصين مثلا تحتفظ بتريليون دولار اميركي كاوراق نقد في الخزينة الاميركية فان هذا لم يمنع الاميركيين من فرض رسوم بمبلغ 50 مليار دولاركتأمين حمائي مقابل المستوردات الصينية.
في محاولة للخروج على الهيمنة الأميركية أنشأت الصين البنك الآسيوي للبنية التحتية كمصدر للاقراض بديلٍ لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين تتحكم Aفيهما الولايات المتحدة، وابدى الروس والصينيون معاً اهتماما ورغبة في تطوير نقد احتياطي ضخم يحل محل الدولار الاميركي..
إن كثيرا مما قاله دونكان كاميرون ليس جديداً على المسؤولين في وزارات المالية والبنوك المركزية في العالم فهم يعرفونه حق المعرفة لكنهم لا يملكون أمام السطوة الاميركية أن يفعلوا شيئاً يجنٌب بلادهم الغرق في الديون والوقوع في الازمات بل الكوارث الاقتصادية كما حدث لكثير من الدول التي تجاوزت ديونها الخط الاحمر من ناتجها المحلي الاجمالي وأصبحت تحت رحمة صندوق النقد الدولي، لكن بعض الدول التي تقدم انتاجها وأصبحت تملك اقتصادات قوية كالصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب افريقيا قد بدأت منذ سنوات التحرر من هذه السطوة وكسر احتكار الدولار كعملة وحيدة.
وبعد.. لا أظنني ذهبتُ بعيداً عن همومنا الوطنية حين تطرقتُ لهذا الموضوع الاقتصادي فهو في صلبها ويلقي الضوء على كثير من ازماتنا الراهنة التي نعاني منها والأدهى أن يوهمنا البعض من بين ظهرانينا بألا سبيل للخروج منها إلا بمزيد