Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Jul-2022

المجالي يكتب: أمن إسرائيل وهويتها الشرق اوسطية

 عمون-زياد خازر المجالي

‏قد يكون العنوان صادماً للبعض ، مع إني لم أستوحه من تصريحات رئيس حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية ‏أول أمس ولا من تصريحات الرئيس الأمريكي عشية زيارته الشرق أوسطية القادمة، وإنما استوحيته من عدة تصريحات صحفية للرئيس الأمريكي قبل فترة طويله ، وإن كنت ترددت في كتابة هذا المقال منذ أسابيع إلا أن طبيعة المواقف الأمريكية والإسرائيلية والتي من الواضح أنها تستهدف الرأي العام في الولايات المتحدة وإسرائيل والعالم العربي أكثر مما تستهدف جدول الأعمال الفعلي الذي ستتم مناقشته خلال لقاءات الرئيس بايدن في إسرائيل وفلسطين والسعودية. هو ما يستدعي بعض الاضاءات.
 
‏ومع إني لطالما اقتنعت أن التوغل والإبحار عميقا في التاريخ قد يفقدني في ( ظروف معينة ) الجغرافيا التي أقف عليها أو يهزها تحت أقدامي، إلا أنني أحتاج لبعض التاريخ القريب حول الصراع العربي /الفلسطيني - الإسرائيلي دون الدخول في جذور عقائدية وتاريخية بعيدة، وعندما يسخن الحديث عن أمن إسرائيل ووضعها الشرق أوسطي ، فإن ذلك يستدعي الحديث عن المحطات التالية:
 
١: ‏لم تفلح جهود المبعوث الأممي غونار يارينج لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 لعام ١٩٦٧، وبقي فشل الوصول إلى تنفيذ كاملٍ وأمين للقرار بسبب التسويفات الإسرائيلية وضعف الإرادة الدولية وتناقضات بعض المواقف العربية،إضافة الى الصدمة الثقافية بقبول وجود إسرائيل ، والأهم غياب التمثيل الفلسطيني المباشر مما أدى إلى حرب عام ١٩٧٣ وما تلاها من اتفاقية كامب ديفيد ثم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعياً للشعب الفلسطيني عام ١٩٧٤ الأمر الذي مهّد في ثمانينات القرن الماضي لفتح حوار أمريكي فلسطيني في تونس، تلاه فك الارتباط الأردني القانوني بالضفة الغربية للتمهيد للأشقاء لإعلان دولة فلسطين في قمة الجزائر عام ١٩٨٨، وليقدم الأردن لأشقائه بعد ثلاث سنوات ( عندما تواءمت الظروف الإقليمية والدولية لعقد مؤتمر مدريد للسلام ) المظلة السياسية للمشاركة وتمثيل المصلحة الفلسطينية وصولاً إلى اتفاقية أوسلو وما بعدها والذي مهد الطريق لوصول القيادة الفلسطينية إلى الأرض الفلسطينية وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية.
 
٢: ‏ما سبق هو مختصر لتاريخ يستطيع الجميع الاطلاع عليه إن لم يكن قد واكبه وشهد أحداثه، ولكن ما أهدف إليه هو التأكيد أن الإيمان بالسلام يجب أن يتمثل بحالة ذهنية ثقافية العدل أساسها ، لكي تقبله الشعوب وتدعمه ، ووفق قرائتي ونظريتي فإن اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات جاء بعد اتفاق نتج عنه انعطافة ثقافية تنهي مقولة إنهاء الوجود الإسرائيلي على أرض فلسطين التاريخية ، ثم جاء اغتيال إسحاق رابين ، أحد طرفي سلام الشجعان بعد تحقيق انعطافةٍ ثقافية أخرى لدى الجانب الإسرائيلي تتمثل بقبول الهوية الوطنية السياسية الفلسطينية على جزء من أرض فلسطين التاريخية تمهيدا لنشو الدولة الفلسطينية (ولو بشروط خاصة -منزوعة السلاح - )ومع أن التطرف لم يحكم الجانب المصري بعد اغتيال السادات ، إلا أن التطرف وللأسف بات يجتث ثقافة السلام من الذهنية الإسرائيلية بعد اغتيال رابين وذلك بحكم الانتصارات السياسية اليمينية المتطرفة المتتالية في الانتخابات ،والتي لم ينج منها ومن ضغوطها في تلك المرحلة البسيطة لحكم اليسار حتى ايهود باراك. واستذكر أني عندما التقيت الرئيس الشهيد ياسر عرفات في بريتوريا عام ٢٠٠١وسالته عن السبب الرئيسي لفشل مفاوضات القاهره مع باراك، فأجاب على سؤالي بسؤال: هل تقبل أن تكون السيادة أسفل المسجد الأقصى لإسرائيل ؟! اقتنعت وقتها ان ثقافة السلام في اسرائيل باتت في خطر، حيث لم ينجُ منها حتى رئيس وزراء كان يفترض أن يرث شجاعة رابين لتحقيق سلام الشجعان الذي قبل به الراحلان عرفات ورابين، وشهد عليه الجانب الامريكي، والحسين طيب الله ثراه.
 
٣: ‏ولتشجيع تغذية عملية محو ثقافة السلام على أرض فلسطين التاريخية كان اجتياح شارون للمسجد الأقصى صيف عام 2001 ثم تضاعف منذ ذلك الحين الدور السياسي للتطرف الديني واليميني، والذي لم يتوقف عند تجميد عملية السلام بل إن الانتهاكات المتتالية أدت إلى فقدان الأمل بالسلام لدى نسبة كبيرة من الرأي العام الفلسطيني ،مما أدى إلى الانتفاضة الثانية ، وإذا استمرت ممارسة اليمين الإسرائيلي الحاكم بمحاباة ودعم المتطرفين فستكون الانتفاضة الثالثة على الأبواب ويكتوي بنارها الجميع وأولهم الإسرائيليون أنفسهم بعد تجربتي نتائج اعتداءاتهم المستمرة في القدس العام الماضي وهذا العام ، انتهاكا للاتفاقيات ومنها اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية .
 
٤: ‏ما سبق هو محاولة توصيف مختصر للوضع داخل فلسطين التاريخية، وعندما تتسع الدائرة تبدأ إسرائيل من الشكوى الإقليمية والملف النووي الإيراني وأذرع إيران ودعمها لحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن ، ومع أن الدموع لم تستطيع غسل الدماء الفلسطينية على أيدي التحالف اليميني المتطرف الحاكم في إسرائيل ( لأن إجراءات استهداف الدم الفلسطيني لم تعد مرتبطة بانفلات المستوطنين المتطرفين، وإنما برعاية رسمية حكومية وعسكريه إسرائيلية )
وفي نفس الوقت فإن حكام إسرائيل حاولوا الإسراع في الاستغلال الأقصى لمواقف الادارة الأمريكية الجمهورية السابقة ولكن ذلك لم يتحقق ، وليس لأي منصفٍ إلا أن يشير إلى الدور الأردني بقيادة جلالة الملك والموقف الصلب الذي افرغ جهود الادارة الأمريكية السابقة و أجهض تحقيق غاياتها ، وإذا كنا في الأردن اقتنعنا أن الاتفاقات الإسرائيلية مع بعض الدول الخليجية الشقيقة سيأتي الوقت المناسب لاستثمارها لمصلحة الحق الفلسطيني، فإن المواقف السياسية لهذه الدول والتي تم تأكيدها في اكثر من ملتقىً سياسي تطالب إسرائيل الالتزام بالاتفاقيات وتحقيق نشوء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وفق حل الدولتين ألمدعوم دوليا و اكثر من ذلك فالدول العربية جميعها أعلنت التزامها بخطة السلام العربية في قمة بيروت عام 2002.
 
‏٥: بات واضحا أن أجندة الجانب الأمريكي للجولة الرئاسية القادمة تتضمن ما يلي:-
 
أ: ‏تأكيد الالتزام بأمن إسرائيل وتوسيع نموذج مظلتها الجوية في إطار حلف الناتو، والتأكيد بأن أمن إسرائيل سيكون مادة بحثٍ مع القيادات العربية في جدة.
 
ب: ‏وعودٌ سياسية ضعيفة للجانب الفلسطيني خاصة لغياب وجود أفكار واضحة تمهد لتحرك سياسيٍ أمريكيٍ جاد، والاكتفاء بالمساعدات المالية.
 
ج: ‏اما الأجندة الأهم للجانب الأمريكي في اجتماعات جدة فهي وفق تقديري كما يلي:-
 
أولاً: ‏فتح صفحة جديدة للعلاقات الأمريكية السعودية تتجاوز محطات التشنج خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
 
ثانياً: ‏وضع اسس جديدة للعلاقات الاقتصادية النفطية يتجاوز البعد الاقتصادي البحت للدخول في البعد الاستراتيجي (( مع أن الموقف الأمريكي عام ١٩٧٣ كان ضد فكرة استعمال النفط كسلاح استراتيجي )).
 
ثالثاً: ‏طرح أفكار تحالف دفاعي لمجموعة من الدول الشرق اوسطية ( ليس بالضرورة بينها إسرائيل ) ولتحقيق هدفين: رسالة ضغطة على إيران تستعمل في المرحلة القادمة من استئناف مفاوضات الملف النووي الإيراني ، والآخر: رسالة لكل من روسيا والصين بأن التحالف العربي هو صديق لواشنطن وأهدافها الاستراتيجية في المستقبل ! .
 
٦: ‏وبعد، فما هي الأجندة العربية للقاء جدة الأسبوع القادم؟ وهل هناك فعلاً أجندة عربية موحدة ؟
 
أن الاتصالات البينية العربية خلال الشهر الماضي قد تشير إلى تفاهمات الحد الأدنى بين العواصم العربية المشاركة، ‏ومن مجمل المتابعات استطيع القول أن تلك التفاهمات تتضمن ما يلي:-
 
= دعم الدول العربية النفطية في مواقفها وسياساتها النفطية.
 
= ‏عدم القبول بتحالف عسكري دفاعي ( و بالضرورة ألا يكون هجومياً ) وتكون اسرائيل عضواً فيه، ما لم تكتمل شروط هويتها الشرق اوسطية لأوسع من مفهوم الجغرافيا ، وإنما لمفهوم حسن الجوار وشروطه وفق قواعد القانون الدولي.
 
= ‏المحافظة على قواعد العلاقات الاستراتيجية و علاقات الصداقه بين واشنطن والعواصم العربية المجتمعة في جدة مع الحرص بأن لا يكون معنى ذلك إدخال هذه العلاقات في أتون حرب باردة جديدة أنتجتها الحرب الروسية الاوكرانية، وردود الأفعال الدولية بشأنها.
 
= ‏ومن الواضح أن هناك قناعة عربية بضرورة استئناف عملية السلام ووضع أفكارٍ واضحة للوصول إلى حل الدولتين، والأردن ‏وعلى لسان جلالة الملك عبدالله الثاني ، الذي كرر لأكثر من مرة، وعلى اكثر من منبرٍ أن القضية الفلسطينية هي قضيتنا المركزية الأولى ، وهذا يؤكد أن جلالته سيكرر الطلب من الجانب الأمريكي ويوضح بأن الظروف الدولية يجب أن لا تمنع الجانب الأمريكي الذي هو صديق لجميع أطراف النزاع من أن يبذل جهدا متميزا في هذه المرحلة الحساسة من العلاقات الدولية ،ولتجنب صدام دموي داخل حدود فلسطين التاريخية.
 
٧: ‏وقبل الحديث عن أمن إسرائيل وهويتها الشرق أوسطية على لساني بعض قادتها وعلى لسان رئاسة البيت الأبيض ومستشاريه، أعود بانعطافة تاريخية عاجلة ، فعندما أنشأت الدول المجتمعة في سان فرنسيسكو منظمة الأمم المتحدة عام ١٩٤٥ لترث عصبة الأمم ،فقد كان الهدف أن لا يعود العالم مرة أخرى إلى وضع شبيهٍ بويلات الحرب العالمية الثانية، وكان المبدأ الأساسي أن لا تكون العلاقات الدولية هي علاقات " قوة " وإنما علاقات تعاون , ومع كل تلك الأماني والأحلام الا أن طموحات المنتصرين تغلبت على المبادئ فكانت سياسات الانتداب والاستعمار ، ومنها إنشاء دولة إسرائيل على أرض فلسطين .
وبعد مرور 74 عاما وبرغم اتفاقيات السلام منذ كامب ديڤيد ،وصولاً للاتفاقيات الإبراهيمية ، مرورا طبعا بما أفرزه مؤتمر مدريد للسلام فإنه هوية إسرائيل الشرق أوسطية ما زالت مهزوزة ،والسبب الرئيسي الأول هو أن (( أمن إسرائيل )) ينطلق من منظورها الذاتي المغلق.
 
‏ومن الملاحظ أن استراتيجية إسرائيل الدفاعيه تقوم على أساس بناء القدرة العسكرية الضاربة القادرة على مواجهة كل القدرات العسكرية المجاورة لها بما فيها الدول التي ترتبط معها بمعاهدات سلام ( وتنسيقٍ أمني ) وهذا ربما يرتبط وفق بعض المحللين بعوامل نفسية تاريخية نتيجة الإضطهاد التاريخي الذي واجهه العبرانيون منذ آلاف السنين وقمته كانت في أوروبا خلال القرنين الماضيين .
 
أن السياسة الإسرائيلية لم تستطع أن تبحث في القواعد البسيطة المتعارف عليها في علم الاجتماع السياسي، فلا يمكن لأحد أن ينام بسلام إذا كان من بجواره يتأثر بظلمه، فما بالك إذا كان هذا المظلوم داخل بيتك وليس فقط في الجوار!
 
‏وأكرر أن اكبر جريمه اقترفها اليمين الإسرائيلي المتطرف هي القضاء على ثقافة السلام لدى الأجيال الإسرائيلية الشابة (الناخبون) ، وبمفهوم الموازاه، كان ذلك أيضا قتل للإيمان بالسلام لدى المواطن العربي وخاصة جيل الشباب الفلسطيني.
 
‏أن الرسالة التي طالما نقلها حتى مثقفون إسرائيليون هي أن القيادة الإسرائيلية لا تستطيع أن تنشئ نموذجاً لدولة تمييز عنصري في إطار نظرية الدولة الواحدة ، فديمقراطية الديموغرافيا ستحيلها إلى دولة فلسطين، وكما كانت قبل الانتداب البريطاني ، وهذه القيادة الاسرائيلية لا تستطيع أن تطرد الملايين خارج حدودها، لذلك يبقى الحل الموضوعي هو الوصول إلى حل الدولتين و إعادة عملية السلام وعلاقات السلام إلى الكيفية التي أرادها رواد سلام الشجعان رابين وعرفات.
 
‏من الواضح الآن أن الحكام في إسرائيل يهربون إلى الأمام تحت مسمى الانتخابات المتكررة للكنيسة لكي لا يتم الجلوس والحديث الموضوعي مع حلفائهم في واشنطن ، وشركائهم في عملية السلام ، وهم يعلمون أن هذا لا يعالج حقائق الجغرافيا و الديموغرافيا والحتميات التاريخية ، فهل يمكن أن تنتج إسرائيل قيادة شجاعة مرة أخرى شبيهة بإسحق رابين؟
إن أمن إسرائيل الدائم و هويتها الشرق أوسطية ليست قرارا إسرائيليا ولا قدرة عسكرية ولا موقفا ودعما أمريكياً ، ولكن أمنها بالكلفة الأقل ماليا واجتماعيا ، هو قبول كل الجوار العربي لأمن إسرائيل، وقبولها كجارٍ شرق أوسطي بعلاقات تعاون طبيعي لفائدة الجميع ، وشرط ذلك واضح تماماً ، ألا وهو نشوء الدولة الفلسطينية المستقلة و المتصلة والقابلة للحياة . واحترام إسرائيل لارتباطاتها التعاقدية مع جوارها الجغرافي ، و تحقيق الشرعية الدولية . فمتى تدرك القيادات الإسرائيلية مسؤولياتها التاريخية تجاه أجيالها القادمة ؟!