Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Nov-2017

من الدوار الثالث إلى الزعتري: لا للركوب المجاني (3 - 3) - د. ذوقان عبيدات

 

(1) المفهوم والمعنى
الغد- بدأ مصطلح الركوب المجاني كمفهوم اقتصادي منذ الخمسينيات من القرن الماضي، وانتشر في كتاب مانكور أولسن 1965 بعنوان منطلق العقل الجماعي. 
وقد عرف المفهوم بمعنى: الانتفاع من خدمات أو سلع، دون مشاركة في كلفة انتاجها، لا من حيث الجهد ولا من حيث رأس المال.
 وتعددت استخدامات هذا المصطلح ليشمل نشاطات عديدة: فالافراط في استخدام أدوية حكومية مدعومة هو ركوب مجاني.
والافراط في صيد العصافير في موسم التناسل هو ركوب مجاني. والانتفاع بانجاز مزيف - دون مشاركة - هو ركوب مجاني. وهكذا تتعدد حالات الركوب المجاني، حيث نكاد لا نرى الا قلة من الراكبين الذين دفعوا الاجرة.
وبناء على ما سبق، يمكن اعتبار الادعاء الكاذب أو الانتهازية أو التواكل هي من أشكال الركوب المجاني. والتهرب من الضريبة هو ركوب مجاني، والوساطة والمحسوبية هي ركوب مجاني، والعشائرية ركوب مجاني، وسرقة الانجاز من أصحابه أو الادعاء بمشاركتهم فيه هو ركوب مجاني.
ومن حالات الركوب المجاني مثلاً، أن متخصصا الف كتاباً حين كان خريجاً جديداً، وقبل الطباعة، طلب منه استاذه في الماجستير أن يضع اسمه على الكتاب، وأخبر رئيس جامعة وطلب وضع اسمه هو الآخر على الكتاب. وصدر الكتاب وركبا مجاناً في كتاب تم طبعه أكثر من خمسين طبعة! أليس هذا ركوباً مجانياً مؤلماً؟ تضع اسمك على كتاب لم تكتب فيه حرفاً واحداً!
(2) الركوب المجاني اقتصاديا وأخلاقيا وقانونيا
يتناقض الركوب المجاني مع نظريات اقتصادية وأخلاقية عديدة. ففي الاقتصاد هناك كسب دون مجهود. وامتيازات دون مبرر واستهلاك جائر. وفوائد عرضية كثيرة. وفي الاخلاق هناك شكل دون مضمون. وهناك مكانة دون جهد وإنجاز دون مسؤولية. وتهرب دون ضرائب. فالركوب المجاني انتهازية وكذب وادعاء.
ومن الناحية القانونية، هو تجاوز على حقوق الآخرين وانتهاك لها، وحصول على مكاسب غير مشروعة. إذن الركوب المجاني يتجاوز جميع هذه القيم!
هذا لا ينفي وجود جوانب أخرى للركوب المجاني: - كل الخيرات الطبيعية، من غابات وانهار هي ركوب مجاني للانسان.
- وكل انجاز علمي في مكان تم بجهد، قد يكون ركوباً مجانياً في بقية الأماكن. 
- ووجود خلايا نحل قريبة من حقلنا، هو ركوب مجاني لنا، لأننا نستفيد عرضاً من وجود نحل غير مقصود. إذن كل خير يصيبنا - دون أن نسهم في صناعته - هو ركوب مجاني. جمال الطبيعة، وتذوق معرض فني، والتنعم بشاطئ البحر كلها تصب في هذا المفهوم. فهل مصائب قوم عند قوم فوائد؟ هي ركوب مجاني.
أما الوجه السلبي للركوب المجاني فهو ظاهر للعيان، لعل في التدخين السلبي مثالا آخر، والتلوث الناتج عن المصانع والسيارات فالأضرار التي تلحق بنا هي ليست من صناعتنا! طبعاً هذا لا يضعنا في مقارنة الركوب المجاني الايجابي مع السلبي!!
(3) الركوب المجاني في عمل الفريق
إن بروز مظاهر كثيرة للركوب المجاني يجعل من هذه الظاهرة امتداداً على مجالات عديدة: - إن تحديد حد أدنى للاجور يفتح مجالاً لركوب مجاني. 
- ودعم سعر الخبز أيضاً يفتح مجالاً آخر. 
إن كل هذه المظاهر تقودنا إلى الحديث عن الركوب المجاني. في العمل التطوعي، حيث الانتهازية والشكلية والايثار الكاذب تتضافر جميعا لتبنّي مؤسسة تطوعية انتهازية: فتبنّي قضية الايتام قد تنحرف الى ركوب مجاني وكذلك قضايا العمل الخيري وربما الدعوي وغيرها.
ففي جمعية ما، يعمل كثيرون، ويجني المكاسب شخص واحد لا يعمل، وفي حزب ما، يعمل كثيرون ليفوز واحد. وبكل فريق او لجنة، يتحمل شخص او اكثر كل اعباء العمل، ويجني الباقون المكاسب وحدهم! والمشكلة لا تتوقف عند هذا الحد حيث يمكن ملاحظة ما يأتي:
- يتكتل جميع الراكبين مجانا ضد العامل المنجز، اما بانكار دوره، او مهاجمته لاسباب لا صلة لها بالعمل، او بالكشف عن ماض او بيئة او فعل مسيء حتى لو كان ذلك غير صحيح. 
- انكار اي انجاز لهذا العامل، بل انكار اهمية هذا الانجاز او عدم ضرورته للمؤسسة. 
- مراجعة عمل المنجز من قبل لجنة قد تجري تعديلات بسيطة على عمله لتبرر وضع اسمها على المنتج الجيد دون وجه حق.
(4) الركوب المجاني  في التعليم
كما في كل عمل جمعي، في التعليم ركوب مجاني، فحين انتشرت مفاهيم التعليم التعاوني، ومجتمعات التعلم برزت فكرة الركوب المجاني، حتى صار الفريق التعاوني يعتمد على طالب متفوق، بينما يتابعه البقية بالملاحظة فقط، ولكن بالنتيجة يحصلون على نفس الدرجات، ولذلك تفنن المعلمون في مواجهة الركوب المجاني، فوزعوا الادوار والمهام، بحيث يمارس كل عضو في الفريق مهمة ما، دون ان تتاح له فرصة الركوب المجاني، ومع ذلك وبالرغم من المعادلات والحسابات التي عملوها، ما يزال الركوب مجانا لبعض الطلبة.
وفي المدرسة، ايضا معلمون يمارسون الركوب مجانا، فلا يسهمون في تطوير اداء المدرسة، بينما ينعمون بانجازاتها، وقد يفوز معلم مهمل كسول بنفس الجائزة التي يفوز بها معلم جاد.
ان من اخطر نتائج الركوب المجاني هي غياب العدالة، وبروز الانتهازية، وسرقة الانجازات، واتهام الجادين، وبروز غير الجادين في حصاد الجوائز، فالعمل التربوي كالثورات، يقوم بها اشخاص، ويقفز فوقها اشخاص يقتلون من قاموا بها، ويروي التاريخ ان الخليفة الاموي الذي اسس الدولة الاموية في الاندلس قتل جميع القادة الذين ساعدوه في تأسيس الدولة! كما ان التاريخ المعاصر مليء باحداث مماثلة، ويبقى السؤال: هل فكرة الركوب المجاني تكفي  للقضاء على العمل الجمعي ومجتمعات التعليم او العمل؟
(5) مجتمعات التعلم ومجتمعات العمل
مجتمعات التعلم أو المجتمعات المتعلمة مصطلح تربوي حديث، يعني أن تلتقي مجموعات او افراد من المعلمين او الطلاب او المديرين او من كل هذه الجماعات على قيم تربطها معا، مثل قيم تبادل المعرفة، النمو المهني، التجريب، انتاج المعرفة... الخ. ورأى عدد من المربين ان مجتمعات التعلم هي الحل المناسب لقضايا تحسين الاداء والانجاز وبناء العلاقات.
ان ميزة هذه المجتمعات هي في انها اختيارية ولا تسمح بالركوب المجاني، فكل عضو في المجتمع يكلف بدور محدد، وعليه ان يؤديه او يتبادله مع الجميع.
ويمكن تشكيل مجتمعات متعلمة من اية فئات تربوية او غير تربوية، كأن يشكل مجموعة من العاملين في اية مؤسسة مجتمعا متعلما بهدف انتاج المعرفة وتبادلها. 
وفي المدرسة مثلا يمكن تشكيل عشرات المجتمعات مثل مجتمعات: - مجتمع تعلم من 5 - 8 طلاب. - مجتمع متعلم من طلاب ومعلم. - مجتمع متعلم من طلاب ومعلمين. - مجتمع متعلم من طلاب ومعلمين واهال. - مجتمع متعلم من طلاب ومعلمين واهال وخبراء. - مجتمعات متعلمة من اهالي الطلاب والمعلمين.
وكذلك يمكن تشكيل مجتمعات عمل بشرط اغلاق الفرص امام الركوب المجاني.
(6) القضاء على الركوب المجاني
1 - قال الشاعر طي حتاملة: "عار ان تقبع أصفار في ظل الواحد كي يصبح عشرات او آلافا او حتى مليارات!!" هذا يعني ان الواحد، راكب مجاني مع اصفار. وان الاصفار ركاب مجانيون مع الواحد. ومهما تضخم الواحد في الاصفار، سيبقى اقل من الواحد، وكذلك تبقى الاصفار اصفارا. هذا الكلام ينطبق على رئيس حزب او رئيس جمعية او رئيس فريق او ربما رئيس وزراء. 
 2 - قال أحدهم: "قف كالمرآة امام المرآة!! نظف كتفيك، او انفض كتفيك! علَّ هناك على كتفيك يتسلق انسان ما"!!
نعم الركاب المجّانيون يتسلقون على اكتافنا، ولا حق سوى ان ننفض اكتافنا، ونرفض هذا الراكب