Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Aug-2018

ضعف الانتماء والمجتمعات المتسامحة مع الإرهاب - رومان حداد

 الراي - أحداث الفحيص والسلط الإرهابية يجب أن تساعدنا على فتح عيوننا على وسعها وكذلك فتح عقولنا على قراءات مختلفة للقراءة التقليدية التي يقدمها خطاب الدولة اليوم، فرغم قدرة الدولة على مخاطبة الأردنيين بصورة تحاول التخفيف من روعهم، إلا أني أتمنى أن تكون أجهزة الدولة المختلفة، للحكومة، تمتلك قدرة قراءة الحالة ونقدها في الغرف المغلقة، فما أفرزته أحداث إربد والكرك والسلط من قراءات اجتماعية تعطي مؤشرات على ضعف حالة الولاء المجتمعي في الأردن، وهو أمر يجب مناقشته بصورة مطولة.

فظاهرة ضعف الانتماء تتحمل الدولة بمؤسساتها مسؤوليتها، وهي من أبرز الأسباب التي ساعدت على تنامي ظاهرة البيئات المتسامحة مع التطرف والعنف والإرهاب، حيث رأت مجموعة من الأردنيين دخول الدولة إلى مضمار تحديث شكلها وبعض مؤسساتها أمراً خطيراً على استقرارهم الاجتماعي في ظل عدم ترافق ذلك التحديث ببرامج تساعد المجتمع على الدخول إلى الحداثة بمفهومها الحقيقي الذي يطور ويغير في بنية المجتمع وفي علاقته مع الدولة ومؤسساتها ومع مكونات المجتمع ذاته وفي أدواته التعبيرية عن هذه العلاقات الجديدة.
فالمجتمع الأردني لم يمر بأية تحولات جذرية تطال بنيته ولم يختبر أية تغييرات عميقة من داخله تساعده على تقبل المؤسسات الجديدة من منظومات قانونية أو ديمقراطية أو ما يؤهله لاحترام التعددية والاختلاف، بل تم الاكتفاء بالتغييرات السطحية، والمظهرية الشكلية، كالتغيير الذي أصاب المأكل والملبس وظهور بعض الأدوات اللغوية الجديدة عبر تبني لغة أجنبية أو لهجة جديدة نشأت في كنف هذا (التحديث) تعكس هشاشته أيضاً، كل ذلك لم يقد المجتمع إلى دخول مراحل التطور بل أدى إلى خلق بؤر جديدة للاصطدام داخل المجتمع نفسه. ترافق ذلك مع انهيار منظومة الثقة بين المجتمع والحكومة وهو ما أدى إلى تزايد الهجوم على رجال الدولة وعلى مؤسسات الدولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وترافق ذلك بدس الشائعات بين مجموعة من الحقائق لتكتسب الشائعات ضد مؤسسات الدولة مصداقية الحقائق التي تغلفها أو تحف بها، كل ذلك كان يحدث مع غياب واضح للدولة وخطابها، فبدت الحكومة ضعيفة، فتآكل شعور الانتماء للدولة في حين تصاعد شعور الانتماء للهويات الفرعية، وتم إعلاء مصلحة هذه الهويات على الهوية الجامعة، فلم يعد المجتمع قادراً على اجتراح الخطوات الإصلاحية الضرورية له لتجاوز منعطفاته، وفقد وسيلته الدفاعية تجاه ما يهدده من (عطب أو خراب) سياسياً واقتصادياً وقبل ذلك اجتماعياً.
فكل ادعاء لمحاولة في اتجاه الإصلاح الاقتصادي كانت تؤدي إلى ضمور الطبقة الوسطى، وهي الطبقة الأكثر أهمية في أي مجتمع والتي تلعب دوراً مهماً في المحافظة على التوازن المجتمعي، وتخفيف حدة الاحتقان الطبقي، فالوعود المستمرة التي تطلقها الدول بالتنمية وتوزيع عوائدها على الجميع، وتحسن الحياة وسبل العيش دون تحقيق ذلك مراراً وتكراراً، يدخل بعض الفئات التي تحيا على الوعد بمستقبل أفضل حالة من حالات القنوط واليأس، فالمعادلة صارت بسيطة وواضحة بالنسبة لهم، فهم لا يملكون حاضراً يعيشونه أو مستقبلاً ينتظرونه، واللحظة مشحونة بالغضب الناتج عن عدم القدرة على الحلم والأمل في ظل واقع يضغط الحياة بشظف العيش، وهذه المعادلة (السحرية) هي كل ما يحتاجه الفرد كي تتولد لديه شحنات الغضب، وبالطبع فإن هذا الغضب موجه نحو الدول المسؤولة عن تحقيق الحياة الفضلى، ويرى بعض المواطنين بعدم تحقق النمو وانعكاس ذلك على حياتهم اليومية ما يكفيهم من أسباب للتخلي عن الانتماء للمجتمع الذي لم يحمه من صعوبة واقعة، وهو ما يظهر على شكل تسامح مع بعض الأشخاص الذين يقومون بتهديد الدولة، والتخطيط لإيذائها، فصارت هذه المجتمعات المتسامحة مظلة عمياء تضم الإرهابيين والمخربين دون أن تلاحظهم أو دون أن تشعر بتهديدهم.
على الدولة اليوم أن تعيد للدولة هيبتها ودورها، وألا تتسامح مع الهجوم المستمر عليها وعلى شخوص رجال الدولة النابع من رغبة بتصفية الحسابات الشخصية، فحجب العطب كبير في منظومة الانتماء، وعلى الدولة إيقاف العطب والبدء بتصحيحه، وإلا فإن ما ينتظرنا في قادم الأيام أصعب وأشقى.