Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Nov-2017

الحسن بن طلال: «ما فائدة معرفة هدفها التدمير؟» - يوسف عبداالله محمود

 الراي - في «الاعمال الفكرية» - المجلد الاول - لسمو الأمير الحسن بن طلال تلقانا رؤية إنسانية نبيلة تريد لهذا العالم المعاصر الذي تصطرع فيه الحروب والنزاعات أن ينحو نحو «ثقافة السلام».

وحدها هذه الثقافة هي التي ستخلق عالماً آخر يسوده التحاب والتعاون الانساني. في كتاب سموه دعوة حارة لقادة العالم وعلمائه انه يتمسكوا بِ»المسؤوليه الاخلاقية» وهم يسوسون شؤون عالم انهكته الحروب وفتكت به المجاعات.

في إحدى مقالاته يطرح الحسن بن طلال أسئلة مشروعة على هؤلاء الكبار الذين يتحكمون في مصير البشرية علها توقظ ضمائهم من سُباتها. يقول في ص 641» ما فائدة معرفة هدفها التدمير؟ ما الغاية من تطوير ثقافة لا تؤدي إلاّ الى قتل من يطوّرونها وكل من عداهم ايضاً؟ لماذا يبلغ الانفاق العسكري مليوني دولار في الدقيقة الواحدة ونحن نعلم ان السلاح لم يأت قط بحل دائم لأية مشكلة؟ ما معنى وجود سباق تسلح لا يمكن الفوز فيه، بل يمكن بسببه تفاقم خطر الابادة الجماعية فقط؟». أسئلة يطرحها أمير خبر السياسة وخبرته. في تجربته الحياتية يتكامل المثقف والسياسي على نحو فريد.
 
وفي كلمات جامعة مانعة يخاطب بلدان الشمال قائلاً: «للشمال اقول: يحتاج العالم الى غذاء لا الى قنابل». وللجنوب أقول: فلنجعل السيف محراثاً». هذه الرؤية الانسانية آن لقادة العالم ان يتدبروها بحكمة وروية. آن لها ان تلامس حسهم الانساني. البشرية بحاجة الى غذاء لا الى قنابل. الغذاء يعطي الحياة لملايين الجياع.
 
اما القنابل فتبيد الأخضر واليابس. تدمر حضارة الانسان. ذات مرة قال ليوبولد سنغور كلمات ممتلئة يُشاد بها. قال: «إن حقوق الانسان تبدأ بوجبة الفطور». والمقصود ان أولى مقومات الحياة الانسانية هي توفير لقمة العيش للانسان. وهنا نقرأ للحسن بن طلال عبارة تؤكد على ضرورة توفير الحقوق الاقتصادية والثقافية للانسان اينما كان، فهي كما يقول في ص 622» إن الحقوق الاقتصادية والثقافية اساس الحقوق المدنية والسياسية».
 
متى يلتفت قادة العالم الى هذه الرؤية الباهرة؟ متى يتمثلونها سلوكاً وعُرفاً اخلاقياً؟ من حق الانسان الا ينام طاوياً على الجوع. من حقه ان يتعلم وترتقي مداركه. من حقه ان يتمتع بالحرية في وطنه. من حقه ان يعيش في أمان لا في رُعب. من حقه ان يعيش في ظل عدالة اجتماعية تحترم كرامة كل انسان.
 
في كتابه يدعو الحسن بن طلال الى معالجة المنازعات الاقليمية بالعمل التعاوني لا بامتشاق السلاح. المنازعات الاقليمية ان لم يتم حلها بالحكمة «استشرت وأضرّت بالفرد والمجتمع».اليس ما نشهده اليوم دليلاً على ذلك؟ حرب هنا وحرب هناك، لا غالب فيها ولا مغلوب. «الاعراف الانسانية» غائبة عن هذه الحروب. المدنيون الابرياء يتم قتلهم عشوائياً. «الحكمة» لا تفرض حضورها في عالم تهيمن عليه غطرسة الاقوياء، شريعة الغاب هي السائدة. يناشد سموه «من يعتاشون من السلاح ان يبحثوا عن وسائل ربح بديلة».
 
أما الانشطة الداخلية لآلة الحرب فينبغي «ان تتحول الى أهداف سلمية». المرجع السابق ص 641 .الحسن بن طلال وكما يؤكد مؤمن بأن السلام قادم وممكن، «انا شخصياً أؤمن بأن السلام ممكن، فإذا توافرت الارادة السياسية الكافية لا على المستوى الاقليمي وحده، بل على المستوى الدولي ايضاً، أمكن أن يصبح حقيقة». المرجع السابق 642 .اتساءل هنا: متى تتوفر هذه الارادة السياسة؟ متى نؤسس لعالم تختفي فيه «قعقعة السلاح»؟
 
يرفض سموه الصيغة السائدة في السياق النووي والقائلة «اذا اردت السلام فأعدَّ للحرب». هذه المقولة كما يراها «ولى زمانها وباتت غير واقعية وغير مقبولة على الاطلاق». انها تستنفر الغرائز البدائية المدانة. يرفض هذا الامير الهاشمي استخدام الطاقة النووية للغايات العسكرية لان هذا الاستخدام تجن على الحياة. «إن استخدامها هو اختيار للانتحار الجماعي مهما كان التبرير - أكان لتوازن القوة ام للردع ام للأمن الوطني» المرجع السابق ص 642.
 
ما يحدث اليوم في عالمنا العربي هو بمثابة «انتحار جماعي» تأباه شرائع السماء. البديل لهذا «الانتحار الجماعي» الذي تشهده بلدان عربية، هو تغليب «الحكمة» وترك «العناد» والإصرار عليه. إن بُرْءَ الجروح لا يكون بمراكمة اسباب تفاقمها. مُراكمة هذه الاسباب هو الانتحار بعينه. بُرء الجروح يكون بوسائل اخرى سلمية.
 
تُرى متى نجنح الى اختيار مثل هذه الوسائل؟ متى ندرك –وكما يقول سموه-: «ان إدارة التوحش وإدارة الرحمة نقيضان لا يجتمعان»؟