Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Apr-2014

سينما عربية جديدة تعاين تفاصيل الواقع بحساسية الصورة
الراي - ناجح حسن - حضرت الافلام العربية التي وقع عليها اختيار القائمين على مهرجان تطوان الدولي لسينما البحر الابيض المتوسط الاخير، وهي تخوض في تلافيف الذاكرة والواقع الصعب وتحديات اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية جسام.
فالفيلم المغربي «سرير الأسرار» لمخرجه المخضرم جيلالي فرحاتي – نال جائزة لجنة تحكيم المهرجان – يستمد موضوعه عن احدى روايات الاديب المغربي رشيد الدامون، قدم في اطار من الاشتغال الجمالي الذي يفيض ببلاغة لغة الصورة وايحاءاتها عبر استدعاء ذاكرة بطلته في منحى درامي يدور حول حياة امرأة وجدت وحيدة نفسها وهي طفلة وحيدة عقب سجن والدتها، لتكتشف لاحقا، ان المراة التي كانت تعيش الى جوارها ليست والدتها بل احتضنتها.
ركزت كاميرا الفيلم على ملامح أداء طاقمه في اكثر من حقبة زمنية، وفي اتون بيئة قاسية تتخذ من مدينة تطوان فضاءات لأحداثها، بدت فيها حيوية الكاميرا وتكويناتها البصرية التي برع فيها المصور كمال الدرقاوي وهو ما منح العمل الكثير من الالق والجاذبية، مثلما كان لسلاسة الانتقال بين لقطة واخرى تاثيره الايجابي لدى المتلقي في سبر غور عوالم الفيلم الهامشية واندفاعات شخوصه الى مصائر غير محسوبة.
وسرد الفيلم التونسي «باسترادو» للمخرج نجيب بلقاضي – ظفر بالجائزة الكبرى في مهرجان تطوان–قصته على نحو شبيه ولكن من خلال رجل عثر عليه صدفة وهو طفل ، ليخوض صراعه الخاص في بيئة شديدة الفقر والعنف والقسوة، حيث تتشابك فيها علاقاته مع افراد وجماعات في مناخات تهيمن عليها صنوف من معاناة التسلط وعذابات التهميش والتشرد على خلفية من البؤس الاجتماعي. وينطلق الفيلم من اشتغالات سينمائية تنهل من جماليات الفقر بحيث تمنح العمل سمات جديدة في الفيلم التونسي من النادر ان قدمتها اعمال سابقة حيث ينطوي على عوالم مفعمة بالتناقضات المليئة بالايحاءات البليغة تجاه تحولات اجتماعية تزخر بالهموم والطمو حات المشرعة على رغبات إنسانية بالانعتاق والانطلاق في الحياة. يزخر الفيلم بذلك التنوع في رسم الشخصيات ومساراتهم الدرامية التي تحفل بمعالجة ذات مفردات سينمائية وجمالية اثيرة تبدو فيها عناصر التوظيف الذكية للإضاءة وتكوينات زوايا الكاميرا وهي تقتنص رعاشات القرية وقاطنيها امام اشكال من التحديات والمواجهات لبلوغ الهيمنة وفرض التسلط على الاهالي غاب عنهم الاحساس بطعم الحياة أو حقهم في عيش ينهض على القناعة والتواصل والتعاضد بدلا عن مرارات الفساد والعذاب اليومي في بث الخراب واشاعة السرقة والقتل وانعدام الاخلاق. يحكي فيلم (فلسطين ستيريو) للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي الذي نال جائزة حقوق الإنسان في المهرجان عن محاولات شقيقان الهجرة الى استراليا وذلك بعد ان اصابهما اليأس من ممارسات وسلوكيات الاحتلال الاسرائيلي والتي ادت الى تدمير بيتهما في مخيم جنين وهما يقومان في تنظيم احتفالات الاعراس والمناسبات كتقنيي صوت وموسيقى. يوضح الفيلم ما الت اليه احوال الشقيقين التي تقترب من درجة الياس فاحدهما فقد السمع والنطق والاخر ترك مهنة الغناء في الاعراس وطوال مدة الفيلم يرسم المخرج الوانا من الحياة اليومية الصعبة التي يحيا فيها شرائح من المجتمع الفلسطيني تحت هيمنة وتسلط وقمع الاحتلال. ومن خلال اسقاطات رمزية تحتشد بصور من مناخات وقائع الحرب التي تعصف في سوريا، جاء فيلم «سلم الى دمشق» لمحمد ملص–اضطلع برئاسة لجنة التحكيم كما احتفى المهرجان بمسيرته السينمائية الطويلة- وتدور أحداث الفيلم في فناء بيت دمشقي عتيق يعيش فيه مجموعة من الشباب القادمين من سائر مكونات النسيج الاجتماعي بالبيئة السورية محملين بافكار متباينة يبثون الكثير من امالهم والآمهم تجاه المستقبل المنظور. استخدم ملص في الفيلم اسلوبية جديدة تمزج بين التجريب والابتكار والدراما والتوثيق، في سعيه للتعبير عن تطلعات هذه الفئة من الشباب تجاه ما يحيط بهم من اشكالات واسئلة تتعلق بنهوضهم، وغلب على الفيلم ذلك الاداء العفوي لشخوصه، حيث اختار ملص طاقما تمثيليا من الشباب الجدد، اغلبيتهم يؤدي دوره في تماس مباشر مع واقع حياته اليومية.
ظهر في الفيلم، ذلك الافتتان والحنين بمدينة دمشق، عبر توظيف المخرج لطاقاته البصرية، حين صور بشاعرية في اتكاء على مفردات لغته السينمائية، الكثير من المشاهد التي بدت وكانها لوحات تشكيلية تتعانق فيها حبات المطر ة وزجاج النوافذ وحركات شخوص الفيلم في باحة واركان البيت، كأنه يطلق صرخاته التحذيرية ببلاغة الصور، قبل ان يفجرها في المشهد الختامي على نحو مباشر. وضم الفيلم الروائي المصري المعنون «أوضة الفئران» مجموعة من الشخصيات التي تعيش في مدينة الاسكندرية الى جوار احاسيس يختلط فيها القلق والعزلة والحيرة والخوف والموت ، كل ذلك يظل يدور في اذهانههم في هيئة هواجس تارة ومشاعر حقيقية تارة اخرى تجاه الاهل والاصدقاء والجيران والعابرين.وهو عمل نابض بروحه الشابة المتحررة حيث انجز بشراكة وتعاون بين ستة من المخرجين الشباب في اطلالتهم الاولى على السينما هم: نرمين سالم، محمد زيدان، محمد الحديدي، مي زايد، هند بكر واحمد مجدي مرسي جميعهم التقوا على الشغف بالسينما المستقلة، وكان هذا العمل الذي احسن توظيف معالجته الدرامية في قصص وتبيان تفاصيل علاقات انسانية نضرة تؤكد على الحميمية والدفء والحنان برغم جبروت وعناء الواقع. ولا تخلو جعبة المهرجان من مفاجأة حقيقية حين قدمت المخرجة المغربية الشابة كريمة الزبير فيلمها الطويل «المرأة ذات الكاميرا» وجرى عرضه قي ركن مسابقة الفيلم التسجيلي مع ان الفيلم جرى انجازه على حدود المزج بين الروائي والتسجيلي وتسري وقائعه في بيئة فقيرة على هامش العاصمة حيث تتعقب كاميرا المخرجة فتاة نمنهن تصوير حفلات الاعراس بكاميرا الفيديو وهي التي لم تكمل تعليمها المدرسي حيث وجدت نفسها مطلقة وعاشقة لحرفتها. تصوغ كاميرا المخرجة من حياة الفتاة التي يتمحور حولها الفيلم، بناء دراميا وجماليا شديد الجاذيية والاعتناء بعناصر اللغة السينمائية ودلالاتها الفكرية البليغة، حيث يمتليء الفيلم بمناخات لافتة متضادة بين بهجة الاعراس وضجيج وصخب واقع الفتاة البائس في البيت والحارة.