Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Aug-2020

هنا يصبح التدين مشكلة*حسين الرواشدة

 الدستور

يرفض الإسلام مبدأ القداسة للبشر، اذ لا يحق لأحد ان ينصب نفسه ناطقا باسم الله او متحدثا باسم الإسلام وبالنيابة عنه، ولا يجوز لاحد، مهما كان، ان يدعي الحصانة بمرسوم إسلامي او ان يفتي بإخراج أخيه من الملة بناء على فهم او تفسير لأفكاره وآرائه (ملاحظة: العصمة للأنبياء من جانب ما يصدر لهم عن الوحي فقط).
وإذا كانت القداسة ارتبطت بكل الأديان فإنها في الإسلام قد اختفت تماما (حل مكانها الاحترام والإجلال) فلا مناطق محرمة على العقل والتفكير والنقاش ولا شرطة ثقافية ولا مخافر ولا سياجات فكرية تحول بين الإنسان وعقله وحريته في الخلق والإبداع، بل والخيال أيضا.
وفي المعجم الإسلامي الصحيح لا نكاد نجد مصطلحا واحدا يشير إلى أي منصب يربط الإنسان بمرسوم خاص من الله او الدين، مما يعني ان الخلق كلهم عيال الله وهم بالنسبة للمسلم اما أخوة في الدين.. او أمثال في الخلق.. ولعل هذا ما دفع خليفة المسلمين الأول الى استبدال لقب خليفة الله بخليفة المسلمين ظنا منه ان فهمه للدين وسلوكه كبشر يخطئ ويصيب لا يجوز ان يتقاطع مع جوهر الدين الثابت، فهو ليس خليفة لله، او ظلا له تعالى او نائبا عنه وانما خليفة للمسلمين باختيارهم، وسلوكه واجتهاده محسوب عليه لا على الدين المنزه عن الخطأ والزلل.
 سؤال: هل الدين مجرد وسيلة ام غاية؟ وهل هو لخدمة الإنسان أم ان الإنسان منذور لخدمته، وهل المطلوب - تبعا لذلك - تقديس الدين بمعنى وضع الاسيجة حوله ومنع التفكير فيه او الاقتراب منه ام ان المطلوب من التقديس والسمو - هنا - الاحترام والالتزام وعدم الاجتراء.
ثم هل المقاصد والأحكام والتعاليم التي جاء بها الإسلام تحمل طابع القداسة والثبات - بمعنى الجمود - ام انها تحتاج - وتدعو ايضا - الى فهم بشري يتناسب مع وظيفة الإنسان في الكون ومقدراته النسبية على فهمه وسبر أغواره وإدراك ما يقدمه من تصورات وحلول لمشاكلنا المعاصرة.
لا تنقصنا الإجابات على ذلك، فقد حفلت مؤلفات فقهائنا بكثير من التفاصيل حول هذه الأسئلة، فالشرائع - كما يقول الشاطبي - تابعة للمصالح، وما دام علمنا محدودا فان حفظ مقاصد الشريعة له اوجه قد يدركها العقل وقد لا يدركها واذا ادركها فقد يدركها بالنسبة الى حال دون حال او زمان دون زمان... الخ، وعليه فقد اقر الفقهاء مبدأ تغيير الفتوى تبعا لتغير الأزمنة والأمكنة، كما اقروا مبدأ تأجيل تطبيق النصوص او وقفها لا إلغائها.. ثم ان الإسلام الدين الوحيد الذي يكافئ المخطئ على اجتهاده، فمن اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اخطأ فله اجر واحد.
 التدين هنا ليس مشكلة بحد ذاته، وانما يصبح مشكلة حين يستخدم كغطاء لارتكاب الأخطاء وتمرير الباطل، او كذريعة لاقتناص الدنيا باسم الدين، وهنا يتحول الدين من وسيلة لتنمية ما بداخل الإنسان من قوى روحية ومعرفية.. الى وسيلة لاحتكار الحقيقة او سلاح لنفي الآخر وتدميره، وهنا يقع المحذور ويصبح التدين مغشوشا بامتياز.