Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Jun-2017

دبلوماسية حكيمة - د. مأمون نورالدين
 
الراي- من عنق زجاجة إلى آخر، عقود وعقود من الأحداث المتتالية والمليئة بالتحديّات الإقليمية والدولية، حتّى أننا قد نكون نسينا شكل المنطقة دون صراعات. عقود وعقود والأردن ممسكاً بعصا من المنتصف يتباين وزن الحمل المعلّق بيمينها عن يسارها، محافظاً على توازن أرهقه وأرهق موارده، لكنّ زاده منعة وحصانة حفظت شعبه وأرضه.
 
لا مسلّمات بالسياسة عادةً، إلّا أن هذه الحقبة التي نعيشها تفوقّت على نفسها بخاصيّة تشعّب التحالفات وديناميكيّتها، والتي زادت التعقيد تعقيداً وخلقت تحالفات وتكتّلات تحفّز على الإنقسام والفرقة خصوصاً على المستوى العربي. إنّها مرحلة إزدوجت فيها الأوجه وعاكس فيها العمل المعلن العمل السريّ، وإختلفت فيها تعريفات قوى الخير وقوى الشر كلٌّ يصنّف حسب مصالحه. وفي وجه كل هذا يكدّ صاحب القرار في السياسة الخارجية الأردنية بالعمل لتوطيد علاقات المملكة مع دول الغرب والشرق من أصحاب الثقل السياسي والإقتصادي، وهذا بحد ذاته حمل ثقيل ويحتاج لحنكة فريدة؛ لكن هذا الحمل ليس لوحده فهناك حمل موروث على الأردن وقيادته وهو الحمل الخاص بقضايا العرب والمسلمين، هذا الحمل غير العادي وخصوصاً في أيامنا هذه التي تكتب فيها صفحات جديدة من توتر البيت الداخلي للعرب، وفيها نجد موقفنا الرسمي حريصاً على وحدة العرب وتضامنهم ضد ما يتربّص بهم من أخطار ما ظهر منها وما بطن. نحن نرسم سياسة خارجية خاصّة بالأردن كدولة ذات سيادة، تبني قرارها على النظرة الشمولية وليس على ردّ الفعل الحماسي أو العاطفي محافظةً قدر الإمكان على العلاقات الطيبة خصوصاً مع من يريد المثل. أردن العرب يدعو دوماً إلى تهدئةً النفوس لا تأجيج نيرانها، جامعاً وليس مفرقاً يعطي كل ذي حقّ حقه. الأردن وبرغم ما يتعرّض له من ضغوطات من هنا ومن هناك إلّا أنّه يأبى إلّا أن يكون قراره السياسي سيادياًّ محافظاً يأخذ بعين الإعتبار مصلحة الوطن ومواطنيه أولاً وفوق كل إعتبار، ويلي هذا الإعتبار الوعي التامّ لضرورة مراعاة مصالح الأمة العربية وتضامنها، الأردن مؤمن بأخوّة العرب واثقاً بأن أصحاب العلاقة المباشرة هم الأولى والأقدر على إزالة أشواكهم بأيديهم. للبيت العربي في سياستنا صورة ثابتة ملخّصها أن لكل خلاف حلّ، وأن الجفى لا يثمر وعليه ألّا يستمر وعلى هذا نبني الفعل ورد الفعل.
 
نحن من العرب ولهم، ونحن ما نحن عليه اليوم بسبب هذه الدبلوماسية الحكيمة التي إحترفنا انتهاجها كدولة؛ هذه الدبلوماسية رعت مصالح الوطن لعشرات السنين، ولله الحمد لم يندم الأردن يوماً على قرار أتخذ ولم يتراجع عن موقف. الأردن يصبر ويتحمّل ويتكلّف كي يحافظ على وسطيته وعلاقات طيبة تجمعه بالجميع متجنّباً كافة الضغوطات مهما كان مصدرها إذا ما كانت تتعارض مع خطوطه الدبلوماسية المرسومة بدقّة والضامنة لمصالحه الإستراتيجية على المدى القريب والبعيد. نحن بفخر حلفاء قوى الخير والسلام أينما وجدت، وأصدقاء الجميع، إلّا من تسوّل له نفسه التعرض لأرضنا وشعبنا وسيادتنا، ففقط عند هذه النقطة تجمّد الدبلوماسية ويستأصل هذا الخطر وقائياً وعلاجياً، وتتخذ الإجراءات اللازمة والحازمة بموضوعية ووفق مقاييس خاصة بنا وبمبادئنا السامية، قائمين بدورنا وعلى أكمل وجه كشريك عالمي رئيسي جادّ في مكافحة الإرهاب والعنف والتطرّف وتجفيف منابعه لحماية أنفسنا والإنسانية جمعاء من هذا المرض الخبيث.