Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Mar-2015

سبعينية تصون التراث الفلسطيني بالإبرة والخيط
العربي الجديد - عندما عادت الحاجة السبعينية، سعاد الغماري، إلى حيّ الشجاعية، شرقي غزّة، بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية الأخيرة، بكت بيتها الذي أصيب ببعض القذائف، ومطرّزاتها الصوفية والحريرية التي تشبّعت برائحة البارود والركام داخل مشغلها الصغير.
 
على الفور، استجمعت الغماري قواها وشرعت بتنظيف مشغلها، وفرز الأعمال الناجية من الخراب عن المشغولات التي أضحت شاهدة على بطش الاحتلال، ليس فقط لإعادة الحياة لمصدر رزق عائلتها، بل لنقش صور الحرب وروائحها على الأقمشة قبل أن تتلاشى.
 
التصميم والمثابرة رافقاها منذ الصغر، وأقنعا جارتها بأن تعلّمها، وهي طفلة، آلية إمساك الإبرة وأنواع الأقمشة الصالحة للتطريز وكذلك فنّ تنسيق الألوان، لتمسك الغماري بزمام المبادرة على الفور وتبدأ بتطريز بعض الأعمال اليدوية البسيطة كفساتين المواليد الصغار وعلب المحارم، التي نالت إعجاب جارتها ووالدتها.
 
شاع خبر موهبة الطفلة سعاد عندما التحقت بالمدرسة، وأصبحت تعرف بـ"الفنانة"، وعن هذا تخبرنا: "تميّزت في حصة الأشغال اليدوية لجمال الأعمال اليدوية التي كنت أبدعها، بجانب الهدايا المطرّزة التي كنت أقدمها لزميلاتي والمعلمات، اللاتي شجعنني على المشاركة في المعارض المحلية".
 
يسيطر التراث الفلسطيني العريق على كافة أعمال الفنانة السبعينية، إيماناً منها بمكانته التاريخية، ودوره في ترسيخ الحِرف الفلسطينية القديمة والعادات والتقاليد التي كانت منتشرة في القرى الفلسطينية قبل نكبة 1948، بجانب دوره كشاهد على أحقية الشعب الفلسطيني بأرضه المحتلّة.
"
يسيطر التراث الفلسطيني العريق على كافة أعمال الفنانة السبعينية، إيماناً منها بمكانته التاريخية، ودوره في ترسيخ الحِرف الفلسطينية القديمة والعادات والتقاليد
 
"لم تتوقف أنامل الغماري عن نسج المطرزات، رغم انشغالها بالدراسة ثم الزواج، بل أضحت أعمالها بمثابة معارض متنقلة داخل قطاع غزة وخارجه.
 
وهي تحرص على ارتداء أثواب فلسطينية مطرّزة عندما تسافر خارج القطاع للتعريف بالهوية الفلسطينية، شارحة: "نالت تلك الأثواب إعجاب كلّ من شاهدها خصوصاً النساء الأجنبيات، فيما طلبت بعض الفتيات أن يتعلّمن فنون التطريز، الأمر الذي أكسبني سعادة كبيرة، فكل بمهنته يقاوم، الرجل بسلاحه والنساء بالإبرة والخيط.
 
وعندما وصلت الغماري إلى العقد الخامس من عمرها، أجبرتها الظروف الحياتية على تحويل الفن من هواية إلى مصدر دخل مالي لعائلتها، بعد إصابة زوجها بمرض عضال مكث على أثره بالفراش ثلاث سنوات إلى أن فارق الحياة، تاركاً لها أولادها الأربعة بجانب ستة أحفاد، يعاني والدهم من الإعاقة الحركية.
 
وتشير الحاجة السبعينية إلى أنّ أكثر الطلبات تأتي لصالح الثوب الفلسطيني بشقيه الفلاحي والمدني، الذي لا يتقن نسجه على أصوله التراثية المتوارثة من الأجداد، وبشكل يدوي كامل، إلا بضع نساء في غزة، رغم أن عملية تجهيزه قد تستغرق أكثر من شهرين، وسعره يتجاوز أحياناً 250 دولاراً.
 
ولكل بلدة فلسطينية ثوب يميزها، بحكم عادات أهلها وطبيعة عملهم، فنساء مدينة القدس وحيفا ويافا يرتدين الثوب الأبيض لأنهن لا يخرجن للفلاحة والزراعة، عكس نساء القرى أو غزة، اللاتي يعملن غالباً بفلاحة الأرض وحراثتها، لذا يشتهرن بالثوب المطرّز باللون الأسود.
 
وبينما تتنوع أعمال الغماري ما بين الحقائب اليدوية والقرطاسية والملابس الصوفية، وكذلك المعلقات التي ترسم عليها مظاهر فلسطينية، كالعرس القديم وقبة الصخرة، ومشغولات أخرى، إلا أن جميع أعمالها تتميز بالإتقان العالي، والألوان الجذابة، فضلاً عن الزخارف الهندسية والنقوش البرّاقة والحبيبات اللامعة.
 
يعيق الحصار الإسرائيلي عمل الغماري، إغلاق المعابر يسبّب نقصاً في المواد وارتفاع أسعارها، ولكنها نجحت بكسره بإخراج بعض أعمالها التراثية لعرضها في المعارض الخارجية التي تناصر القضية الفلسطينية، من خلال الوفود المتضامنة مع سكان القطاع.