Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Jul-2017

قررت أن أكتب عن فصل الربيع! - د. آية عبدالله الأسمر
 
الراي - بينما أنا أتجول في طرقات واقعنا الاجتماعي، السياسي، والاقتصادي أبحث بين ثنايا همومنا ومشاكلنا عن موضوع مقال لهذا الشهر، لاحظت أمرا مثيرا للطرح والاستفسار، وهو أمر يشبه الإسراف في تتبيل الطعام بشتى أنواع البهارات إلى حد يفسد معه الطعم، ويشبه المبالغة في المديح حد التفريط وولوج دائرة النفاق والمداهنة، ألا وهو خوفنا من كيفية استقبال كلماتنا، والذعر الذي ينتاب الكاتب عندما يُساء تفسير كلامه ومقالاته، واحتمالية تأويله ما لم يقله، وإماكنية تعدد التفسيرات لجملة أو فكرة ما...
 
فقد كنت قد قررت الكتابة تحت عنوان «إشكالية العلاقة بين السلطة والشعب» فحذرني صديق من إمكانية أن يُفهم مقالي على أنه تحريض ضد السلطة، أو استخفاف بالشعب من منظور مغاير، فعدلت عن الفكرة وقررت الكتابة عن « المحددات الذاتية للمرأة»، فنبهتني صديقة إلى ضرورة تجاوز الكتابات «النسوية» من جهة، والحذر من إثارة لغط المرأة تجاه فكرة المقال من جهة أخرى، فانتقلت إلى الضفة الأخرى لأكتب عن «المعيقات غير المباشرة في مسيرة المرأة»، فلامني آخر على كوني امرأة متحيزة للعنصر النسائي، وأن قضايانا السياسية والاقتصادية اليوم أجدر بالمناقشة والتمحيص والتحليل والبحث، بصراحة أقنعتني وجهة النظر فعقدت العزم على الكتابة عن «العلاقة العكسية بين جيوب الفقر وبؤر الفساد»، فتعملق المحذرون والمتوعدون والوطنيون أمامي متهمينني بأنني أثير شغب في مرحلة دقيقة وحرجة تمر بها البلاد، فآثرت الكتابة عن بعض الشؤون والشجون النقابية، ولكن الاصطفافات الانتخابية وكيل الاتهامات المعدة سلفا، والتأويلات الجاهزة مسبقا، راحت تطل متربصة في الأفق، وتنظر نحوي متوعدة تسيل من القلم شزرا.
 
بالطبع أكتب الآن وفي مخيلتي قصة جحا وابنه والحمار في طريقهم إلى السوق، وعدم تمكنهم من كسب رضا الناس بالرغم من محاولاتهم المختلفة، الإشكالية تكمن في أن الكاتب الهادف والفكر الحر والقلم النظيف يسعون دائما نحو توعية المجتمع وتثقيفه، بمعنى نقوم بتشخيص العلّة وتحديد الأسباب والمسببات، والوصول إلى العوامل الأساسية والمساعدة، ومن ثم تحليل الوضع الراهن الناشئ من تداعيات العلة، حتى نخلص إلى طرح الحلول الممكنة، أو الأهداف المرجوة سواء على المستوى القريب أو المستوى البعيد، وعليه فإن الكاتب الصادق لا يسعى إلى نوال رضا القارئ، ولا يهدف إلى كسب استحسانه، بقدر ما يهدف إلى توعيته بحقيقة ما يحدث من زاوية ربما تختلف عن زاويته هو، أحيانا يكتب الكاتب ما يعتمل في صدر القارئ وما يجول في خلده، ولكنه يؤطر الأفكار بصورة متسلسلة يسهل معها الفهم والتحليل، في النهاية هو يكتب من وحي الواقع وله، يعكس ما يحدث ليغيّر ما يحدث، يكتب لمصلحة القارئ ومتحيزا لقضاياه.
 
المدهش أن الكثير منا عندما ينظر إلى نفسه في المرآة لا يرى صورته الحقيقية كما تعكسها المرآة بتجرد، بل يرى نفسه كما يرغب هو في أن يراها، والأسوأ أن الآخرين لا يرونه على حقيقته أيضا، بل كما يريدون هم أن يروه، لذلك يتفاجأ بعض الأبناء عندما يكبرون بأنهم ليسوا هم أجمل الأبناء، وأذكى الأبناء، وأبرع الأبناء، بعكس ما قد تعلموه في منازلهم من أهاليهم ووالديهم وذويهم، هنا تكمن القضية الحقيقية الجوهرية، عدم رغبتنا في سماع الحقيقة واكتشافها، ورفضنا لها عندما تأتينا واضحة صارخة مجردة.
 
على الكاتب إذا وفي هذه الحالة إما أن يتحايل على الحقائق ويغلّفها بغلاف وردي مزركش بالورود والأحلام والبسمات، أو أن يتجنب الكتابة حول القضايا الخلافية والملفات الشائكة والمسائل الجدلية، أو أن يختار المواضيع السلمية البسيطة المتواضعة التي تثير الاستحسان ولا تؤجج اللغط والجدل، أو أن يختار إحد تلك المواضيع التي تدغدغ عواطف الشارع وتنال استحسانه وتصفيقه، ربما لذلك كانت الكتابة عن فصل الربيع، أو مظاهر الاحتفال بالعيد، أو حتى عن الأمومة أو الطفولة، من المواضيع المحببة في الفصول الدراسية الابتدائية لجميع المدارس في مختلف الدول العربية!