Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-Jan-2020

موسم نوستالجيا*إسماعيل الشريف

 الدستور

(نحن لا نعود إلى الماضي لجماله، بل لبشاعة الحاضر)، علي الوردي.
في بداية كل عام تصيبني نوستالجيا، أو ما يسمى الحنين إلى الماضي، فأحن لأيام الصبا والطفولة وأبكي الأحبة الذين مضوا.
سأل المذيع إحدى السيدات عن استعداداتها لاستقبال العام الجديد؛ الموت والدمار والكآبة في كل مكان. هذه كانت إجابتها؛ إرهاب وحروب أهلية وغلاء وانتحار ولاجئون وفقر وظلم اجتماعي واحتلال... نصحو وننام عليها، وهذه فيما يبدو قصة زماننا، فعن أي احتفال تتحدث؟!
يعزي بعض علماء الاجتماع ظاهرة فوز ترامب، ثم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى أنهما كانتا محاولة لعكس عقارب الساعة، فـ 85 % من البريطانيين قالوا: إن الحياة أسوأ مما كانت عليه منذ ثلاثين عامًا، ويضيف علماء الاجتماع أن عودة الشعبوية والعنصرية من أسبابها الحنين للماضي.
هذه النظرة التشاؤمية للحاضر قد سيطرت على تفكيرنا، فنعومي كلين -الكاتبة الكندية المناهضة للرأسمالية والعولمة- ترى أن حضارتنا تجري في مسار اصطدام، والفيلسوف جون جراين يصف الإنسان بالمخلوق المفترس المدمر الذي أوشكت حضارته على نهايتها.
حتى الآن كلامي هذا يعجبك!
أذكر قبل سنوات قلت هذا الكلام لأحد أعمدة الأردن المؤسسين الذي توفاه الله قبل أسابيع قليلة، أطرق مستمعًا لحين أنهيت حديثي، ثم ابتسم وقال لي: هل فكرت كيف عاش الناس بدون أدوية ومياه نظيفة وطعام وكهرباء ومجاري؟ لقد عشت هذه الحياة، في الثلاثينيات من القرن الماضي، ضربتنا المجاعة.
 
كنا نشاهد الأمهات يبكين بصمت لأنهن لا يجدن طعامًا يضعنه في أفواه أطفالهن، الأطفال كانوا هزيلين جوعى يتنقلون بين الحقول يتسولون الطعام. ويضيف: رغم صغر سني إلا أن الحادثة التالية قد حُفرت في وجداني؛ جاءنا أطفال يتسولون الطعام فنهرَتْهم أمي والدموع في عينيها، فلم نملك سوى كسيرات قليلة من الخبز ولكن تحت إلحاحنا أعطتهم بضعًا من هذه الكسيرات، ويقسم الرجل أنه سرت إشاعة في قريتهم أن هؤلاء الأطفال قد ماتوا جوعًا.
وأكمل: فعن أي نوستالجيا تتحدث عندما كان حليب الأمهات مخلوطًا بالدم، والمجاعات تحصد ملايين الأرواح، وأكل الناس بعضهم بعضًا في أوروبا وآسيا، عندما باع الناس أنفسهم من الجوع أو باعوا أطفالهم.
في عصر الحنين ذاك لم يكن هنالك تنوعٌ في الطعام، هذا إن كان متوفرًا، وعمل الناس في مهن شاقة لساعات طويلة، وكانت الحريات في مستويات متدينة، ومات الناس من الرشح، وكانت الأمية متفشية، والقائمة تطول ولا تنتهي.
دعك من كلام النوستالجيا هذا، فهذه إحدى خدع العقل لتجعلك سعيدًا، يا بنيّ لا تدع حنينك إلى الماضي يفسد حياتك، فحياتنا أفضل كثيرًا من حياة آبائنا، ومَن يولد اليوم من المتوقع أن يعيش ليصل لسن التقاعد، فمعدل الحياة قد ارتفع، والتعليم والمواصلات والطب ووسائل الترفيه أفضل وفي تحسن مستمر.
تفاءل دائمًا، فالغد سيكون أفضل، ولا تؤمن بالحركات الشعبوية العنصرية أو الإرهابية التي تريد العودة للماضي، أو الذين يبنون الأسوار حول العقول قبل مجتمعاتهم، واعلم أن جزءًا من حنيننا للماضي سببه التكنولوجيا التي ربطت العالم، بحيث أصبحنا نشاهد الموت أكثر، بالصوت والصورة وفي بث مباشر، فلطالما كان العالم هكذا ولكن مع اختلاف أن ما نراه اليوم أقل وحشية مما كان.