Friday 29th of November 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Jan-2012

أين وثائق الدولة؟*د.باسم الطويسي

الغد-الكشف عن حادثة إحراق وثائق برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي التي نفتها وزارة التخطيط جملة وتفصيلا، فسواء حدثت أو لم تحدث بالفعل، أو حدثت بشكل جزئي كما نتوقع، يفتح المجال أمام مكاشفة الرأي العام بشكلين من الفساد غير المباشر في مجال التعامل مع وثائق الدولة وذاكرتها؛ أولهما اتلاف الوثائق الرسمية بعيدا عن الأصول المعروفة، والذي لم يتوقف، بهدف إخفاء الفساد والتحايل على القانون، وهي ظاهرة تنتشر من أصغر دائرة حكومية في أبعد قرية وصولا إلى الدوار الرابع؛ وثانيهما محو ذاكرة الدولة والمجتمع بإحراق وإتلاف أطنان من الوثائق والملفات سنويا نتيجة سوء التقدير، وبدون تدقيق أو غربلة ومراجعة تحت بند ما تسمح به القوانين والأنظمة.قبل أيام، روى المؤرخ الكبير الدكتور علي المحافظة جانبا من معاناته الشخصية في توثيق وحماية وثائق الدولة قبل أكثر من أربعين عاما، حينما أمر رئيس الوزراء الأسبق المرحوم وصفي التل كافة مؤسسات الدولة بنقل أراشيفها إلى الجامعة الأردنية؛ وكيف ماطلت مؤسسات ووزارات سيادية في تنفيذ هذا المطلب الوطني، وأضاعت جانبا مهما من تاريخ البلاد. لنتصور لو أن مشروع جمع وثائق الدولة في مطلع السبعينيات قد اكتمل، فكم سيكون حجم موارد المعلومات والمعرفة المتاحة اليوم، ليس فقط للباحثين بل أمام الأجيال الحالية والقادمة، ودور ذلك في صياغة رواية مستقلة عن التاريخ والوقائع التي شهدتها البلاد، وليس الاسترخاء أمام روايات الآخرين كما يحدث اليوم.لقد حان الوقت لنلتفت إلى أن الدولة التي ستشهد بعد سنوات قليلة مرور قرن على تأسيسها ما تزال بدون ذاكرة مؤسسية، ولا يوجد فيها قانون لحماية الوثائق الوطنية، ولا يوجد لديها منظومة وطنية من التشريعات التي تحمي ذاكرة الناس في الوثائق العامة وفي المؤسسات الأهلية وفي الشارع وفي العمارة والتراث المادي وغير المادي. وحتى الجامعات التي تعد المكان الأكثر ملاءمة لحماية الوثائق وجمعها وأرشفتها، لا يوجد لدى معظمها –إن كنت متفائلا– أرشيفها الخاص، ولا إجراءات واضحة تحمي ذاكراتها ووثائقها.الجانب المتعلق بالوثائق والفساد المباشر قصة قديمة، فلطالما حاول الفاسدون إخفاء الأدلة على فسادهم من خلال التخلص من هذه الوثائق، وأسهل الطرق إشعال النيران "بالجمل وما حمل". وهي عمليات تتم بكل جرأة، وبدون أدنى اعتبار في المؤسسات العامة. ولطالما قرأنا قصصا عن جمعيات ومؤسسات أهلية هبت فيها النيران وأكلت الأخضر واليابس داخلها. وبينما يغلق ملف القضية ضد مجهول، أو باعتبارها مجرد حادث بدون شبهة جنائية، تثبت الوقائع أن ما حدث ليس أكثر من مخرج لدفن قصة فساد.حماية الوثائق بمنظومة متقدمة من التشريعات أولا، وبإجراءات واضحة ثانيا، هي الأساس لبناء شفافية وطنية تتأسس على تقاليد الحكم الرشيد، وتقاوم ذاتيا ثقافة السرية والكتمان التي طالما بنت دولة أخرى داخل الدولة، عنوانها الصريح دولة الكتمان والسرية. وربما هذا ما يحتاجه برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي، أي البحث في وثائق الدولة الأخرى!