Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Oct-2016

الجبهة الروسية في الشمال - عاموس هارئيل

 

هآرتس
 
الغد- استكملت روسيا في الاسابيع الاخيرة تعزيز دفاعاتها الجوية شمال سورية. نشرت "واشنطن بوست" هذا الاسبوع خريطة فيها مجال التغطية المتوقع للصواريخ المختلفة، اس 300 واس 400 التي تدعم بصواريخ مضادة للطائرات وضعت على سفن في ميناء طرطوس. مجال الإسقاط في دائرة تبلغ 400 كم تغطي مساحة لبنان وجزءا كبيرا من الاراضي التركية والاردن وشرق حوض البحر المتوسط إلى ما وراء قبرص – وأيضا منطقة إسرائيل حتى النقب الشمالي.
في البنتاغون يجدون صعوبة في التوقع اذا كان يمكن دخول الطائرات والصواريخ إلى مجال الإسقاط. يمكن القول إن الأميركيين طوروا قدرة تكنولوجية تُمكنهم من تشويش الأمر. ولكن "واشنطن بوست" تقول إن الاجهزة الروسية تقيد قدرة القصف من الجو للأهداف العسكرية لنظام الاسد. وفي نفس الوقت تصعب ايجاد مجالات جوية محمية، ممنوعة من الطيران، والتي أيد وجودها مؤخرا المرشحان للرئاسة، كلينتون وترامب.
يوجد تأثير للتعزيزات الروسية على إسرائيل أيضا، حيث أنه حسب وسائل الاعلام الاجنبية، قامت إسرائيل بالقصف الجوي مرات كثيرة تجاه قوافل السلاح من سورية لحزب الله. وحسب الخارطة فإن الطائرة الإسرائيلية لا يمكنها الاقلاع من موقع تل نوف بالقرب من رحوبوت دون أن تلاحظها الرادارات الروسية. ومنذ تدمير الصواريخ السورية المضادة للطائرات في 1982، يحظى سلاح الجو الإسرائيلي بالتفوق الجوي المطلق، وكذلك حرية العمل المطلقة في الساحة الشمالية. وقد انتهت هذه القصة في اللحظة التي قررت فيها موسكو تعزيز دفاعاتها الجوية في منطقة طرطوس. 
لقد قيد الروس بدون جهد تقريبا سلاح الجو الاقوى في الشرق الاوسط. وهذا التقييد ليس عسكريا فقط، بل سياسي أيضا. اقامت إسرائيل وروسيا اجهزة تنسيق مشتركة من اجل عدم حصول صدام جوي بينهما، والتقى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اربع مرات مع الرئيس الروسي بوتين، حيث كانت النية المعلنة هي منع الصدام في سماء سورية. وقد تبنى نتنياهو دون وجود خيار آخر، الحب الروسي. ولكن فعليا، هذه القصة الرومانسية هي مثل ملاحقة ترامب الفظة للنساء اللواتي سقطن بين مخالبه. هذا تقرب مفروض اضطرت إسرائيل إلى الموافقة عليه منذ قرر الوحش الروسي دخول ساحتها الخلفية.
تعزيز الدفاع الجوي الروسي تم كما يبدو ردا على الاستنكار الأميركي للقصف في حلب، والخوف في موسكو الذي لا يبدو واقعيا الآن، أن ادارة اوباما ستتخذ خطوات عسكرية ضد الاسد. رغم أن الاقتصاد الروسي ضعيف، إلا أن بوتين ما زال يسير على الحبل الفاصل: والرموز المتتالية حول خطر نشوب حرب نووية، ومحاولة التأثير في الانتخابات في الولايات المتحدة وخطوات اخرى مفاجئة في الشرق الاوسط، وأيضا المناورة العسكرية المشتركة التي اعلنت عنها مصر وروسيا في هذا الشهر. لكن نوايا موسكو التي تبذل جهد لبلبلة وردع خصومها، يصعب تحليلها. حقيقة أنه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، قلصت الاستخبارات الإسرائيلية اهتمامها بروسيا، لا تساعد في فهم اعتبارات بوتين وخططه.
محاولة اولى لمواجهة هذه الاسئلة تتم الآن فوق منصة عسكرية، مجلة "اشتونوت" التي يصدرها مركز الابحاث لمعهد الامن القومي. خصص عددها الجديد لتحليل التدخل الروسي الواسع في سورية، ومغزى ذلك استراتيجيا والدروس العلنية. التي قام بكتابتها د. ديما ادامسكي، محاضر رفيع في معهد المجالات المتعددة في هرتسليا، والذي يدرس أيضا في المعاهد العسكرية. يصف ادامسكي طريقة اتخاذ القرارات في الكرملين كطريقة مدروسة ومنظمة تعتمد على التفكير الاستراتيجي بعيد المدى. 
وحسب قوله فإن الروس يعتبرون أنفسهم يدافعون عن النفس امام الاعتداءات الغربية، في شرق اوروبا (الصراع في اوكرانيا وعمليات توسيع الناتو) وفي العالم العربي (اعمال الناتو في ليبيا، والمحاولة الغربية من اجل تغيير النظام في سورية)، التدخل العسكري في سورية، كما كتب هو الخطوة الاولى من نوعها لروسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي والعملية الاوسع منذ الحرب في افغانستان في الثمانينيات. الخطوة التي تحمل الرمز السري "عملية القفقاز 3" تم التدرب عليها من قبل القيادة الوسطى لجيش روسيا، في الاشهر التي سبقت ارسال القوات إلى سورية في ايلول 2015. 
الدافعان الاساسيان حسب ادامسكي هما الرغبة في الدفاع عن نظام الاسد، وعن طريق ذلك الدفاع عن المصالح الروسية في سورية وعلى رأسها قاعدة حميميم في طرطوس والخوف من أن نجاح منظمات الجهاد السنية في سورية سيزيد من الارهاب الداخلي في روسيا. يعيش اليوم في روسيا اكثر من 20 مليون مسلم معظمهم من السنة، ووصل من اجل محاربة الاسد آلاف المتطوعين من القفقاز.
دافع آخر يرتبط برغبة روسيا في كسر العزلة الدولية عليها، واضعاف العقوبات التي فرضت عليها في اعقاب الحرب في اوكرانيا. ارسال القوات إلى سورية حرف الاهتمام العالمي من التورط الروسي في شرق اوكرانيا وألزم الغرب بالتعامل مع موسكو كلاعبة اساسية في ساحة الشرق الاوسط والساحة الدولية.
طلب الروس اعادة اعمار التواصل الجغرافي الذي يسيطر عليه الاسد، وبعد ذلك قيادة المفاوضات السياسية التي تحدد حسبها مكانة النظام ويتم فيها ضمان مصالحهم. نظرية الانتصار الخاصة بهم، والادوات الصلبة التي يستخدمونها، اعتمدت على تجربتهم في حرب الشيشان الثانية في العقد الماضي، التي انتهت بانتصار ساحق وفظيع لموسكو. وحسب ادامسكي، بعد عام من التدخل في الحرب السورية يستطيع الروس التفاؤل بحذر. أما إسرائيل فهي مختلفة. لأن حزب الله يساهم اليوم في الحرب التي تقودها روسيا، وقد اطلعت هذه المنظمة على طرق الحرب وطرق العمل التي بلورها الروس. هذه المعرفة قد تزيد قدرة حزب الله العسكرية، خصوصا في مجال استخدام القوات الخاصة من اجل تحقيق إنجازات هجومية في حال حصل صدام مستقبلي مع الجيش الإسرائيلي.
البحث الذي قدمه ادامسكي هو مادة قراءة ضرورية للمستوى العسكري الرفيع. التواجد الروسي في سورية غير الواقع الاستراتيجي. وفي اعادة التفكير، في مكتب وزير الأمن اليوم شخص تربى على الثقافة الروسية وتعلم ما هي نظرية القوة السوفييتية ونظر إلى العالم باشتباه وشك. يمكن أن وثيقة ادامسكي قد تساعد جنرالات الجيش الإسرائيلي في فهم أفيغدور ليبرمان أيضا بشكل افضل.
النجاح الروسي في سورية ليس كاملا ولم يكن حسب الجدول الزمني الاصلي لبوتين. في خريف 2015 خططت موسكو لهجمة مدتها ثلاثة اشهر يساعد فيها سلاح الجو القوات البرية للجيش السوري وبغطاء ايراني من اجل احتلال حلب وادلب وتحرير شمال شرق سورية من المتمردين حتى ضفة نهر الفرات. قائد جيش القدس في حرس الثورة الايراني، قاسم سليماني، زار موسكو ووعد أن يرسل إلى سورية اكثر من 2000 من رجال حرس الثورة الايراني. وأمل الروس أن تنتهي بذلك المرحلة الفاعلة والخطيرة للتدخل في سورية. 
صحيح أن القوات الايرانية وصلت ودخلت في المعركة، لكن سرعان ما تكشفت الصعوبات في خطة العمل الروسية. وحدات جيش الاسد سحقت بسبب ضراوة الحرب على مدى سنوات وهناك صعوبة في العمل، حزب الله تعرض لخسائر كبيرة، والزعيم الروحاني الايراني علي خامنئي أمر بإعادة حرس الثورة إلى البيت وإبقاء عدد من مئات المستشارين. وهكذا ولدت الخطة الروسية البديلة التي ذروتها القصف على حلب في الاشهر الاخيرة، جريمة حرب تنفذها موسكو امام الجميع دون دفع أي ثمن.
في الوقت الذي يسمح فيه الأميركيون لروسيا بعمل ما تريد في سورية، فإنهم يركزون على ما يحدث في العراق. بدأت هذا الاسبوع الهجمة الكبيرة للجيش العراقي بمساعدة مليشيات شيعية وبغطاء أميركي من اجل طرد داعش من الموصل. توقيت الهجوم ليس صدفيا. اضافة إلى استغلال شروط الحالة الجوية المريحة، فإن هذا من اجل اظهار القوة العسكرية لادارة اوباما، حيث أنه بقي أقل من ثلاثة اسابيع على الانتخابات الرئاسية، ومن اجل التغطية على التسامح الذي تظهره الادارة امام المجزرة المتواصلة في سورية.