Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Apr-2018

إنهم يكذبون..! - د. زيد حمزة

الراي -  قبل أن أحدثكم عن الكذابين وعم يكذبون فتدهشوا لاستخدامــــي وصفاً قاسياً كهذا لم تعتده ثقافتنا» المؤدبة» سوف أعيد عليكم ما كتبته عن الكذب في مقال قديم مؤرخ في 3 /4 /1997 يوم استشاط نوابنا غضباً على رئيس إحدى البلديات لأنه وصفهم بالكذابين وهددوا بان يسوقوه إلى المحكمة ! فقلت.. « الكذب في لغتنا ومفاهيمنا وتراثنا صفة ذميمة وتهمة قاسية نتجنب في العادة

استعمالها إلا حين نستغيب أحدا لا نملك الشجاعة لأن نطلقها في وجهه، أما عندما نتحدث علناً فإننا نتفاداها تأدباً ونستبدلها بعبارات التفافية مثل: كلامه غير صحيح أو غير دقيق أو جانبه الصواب أو خانه التعبير!...أما عند شعوب أخرى تنهى دياناتها عن الكذب وبعضها أكثر تقدماً منا ولا أريد أن أقول أفضل خلقاً، فتختلف النظرة إليه إذ لا يعتبرونه سباً يورث العداء أو قدحاً وذماً يستحقان الملاحقة القضائية والعقوبة القانونية خصوصاً حين يطلق في المحافل العامة والمنابر السياسية، ففي البرلمان البريطاني مثلاً سمعت بنفسي بعض النواب يقاطعون رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر وبصوت عال قائلين: كذابة! ويرددونها مرات عديدة وتستمر هي في خطابها ولا تتوقف غاضبة أو تخرج من القاعة احتجاجاً..! وقبل أيام كان عالم بريطاني على شاشة التلفزيون يصف أعضاء البرلمان بأنهم منافقون
يتجاهلون العلم ولم اسمع بعد ذلك أن مجلس العموم البريطاني هب هبة رجل واحد وحرك ضده دعوى فأوقفه المدعي العام خمسة عشر يوماً على ذمة التحقيق..!»
الكذابون الذين أعنيهم اليوم هم أولئك المسؤولون وأضيف لهم أصحاب المصالح الذين ما زالوا منذ عشر سنوات على الأقل يماطلون ويختلقون الذرائع لتأجيل تطبيق قانون منع التدخين في الأماكن العامة أي منذ أقرت منظمة الصحة العالمية الاتفاقية الإطارية بهذا الشأن، طوراً باحتمال تأثيره السلبي على السياحة وكأن فرنسا واسبانيا وتركيا ولبنان بلاد تدهورت فيها السياحة حين طبقته فوراً بكل دقة واحترام، وطوراًبالتحايل على تعريف الأماكن العامة حتى فسرها كل على هواه فالنواب المدخنون استثنوا منها القاعة
الكبرى تحت القبة كي يدخنوا كما يشاؤون وهم المؤتمنون على تشريع القوانين الحامية للصحة العامة، وآخرون اعتبروا المضافات ودواوين العائلات والعشائر أماكن خاصة لا ينبغي الحد من حرية ( ! ) التدخين فيها، وطوراً ثالثاً بإدارة الظهر كلياً للنص الذي يصف طريقة العزل التام بين قسمي المدخنين وغير المدخنين في المطاعم لتكون النتيجة وصول الدخان بسهولة مسبباً الضرر لغير المدخنين، ويحدث هذا في أرقى مطاعم العاصمة وفي افخر فنادقها وكأن أصحابها يقولون.. نحن فوق القانون وافعلوا ما يحلو لكم فقد استطعنا تمييعه لعشر سنوات وقادرون على ذلك إلى ما لا نهاية!
هكذا نشأ ونما وتضخم الاستهتار بهذا القانون بعد ما وجد الناس من تسامح وتساهل أبدتهما وزارة
الصحة المسؤولة الأولى عن تطبيقه مخالفة بذلك واجبها الدستوري، وحين احتجت بأنها لا تستطيع التنفيذ إلا بجيش من المراقبين يمنحون صفة الضابطة العدلية كانت تجهل وظيفتها الأساسية وصلاحياتها القانونية في المحافظة على صحة المواطنين وهي اقرب إلى صلاحيات الحاكم العسكري العام أثناء الحرب، ولا أريد هنا أن استرسل في تعداد مشاهد الاستهتار بالرقابة والتطبيق التي يتندر بها المواطنون كالتدخين تحت لافتات ممنوع التدخين في ردهات المحاكم ودوائر الحكومة والمستشفيات والجامعات وسواها، أو تدخين المسؤولين أنفسهم أمام الجمهور المطلوب منه أن يحترم القانون! لكني أريد أن اذكر بالمواطنين غير المدخنين من مرتادي الأماكن العامة وبينهم بالطبع مرضى قلب وضغط وجهاز تنفسي كالربو الذين استبشروا خيراً يوم صدر القانون وفرحوا بأنه سوف يحمي صحتهم من الاعتداء عليها جهاراً نهاراً بسموم الدخان ثم اكتشفوا انه مجرد خدعة لا بل انه يجامل ويحابي أصحاب المصالح من مالكي المطاعم ومقاهي الارجيلة وصناع التبغ محلياً وعالمياً.
وبعد.. مطلوب من وزارة الصحة أولا ودون إبطاء آخر أن تضبط تعريف الأماكن العامة كما فعلت دول مثل
إيران وتركيا وسواهما بأنها تلك التي يرتادها أكثر من شخص واحد فتنقذنا من الفوضى التي تسببت بها عند صياغة مشروع القانون وأوصلتنا إلى ما لا يليق بها أو بنا، وثانياً أن تبادر بتطبيق القانون فوراً بكل تفاصيله وإغلاق أو معاقبة أي «مكان عام» يخرقه قبل أن يسخر منا العالم على أننا الدولة التي تخالف اتفاقية وقعتها بنفسها في منظمة الصحة العالمية!