Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Jan-2021

صندوق التصويت

 الدستور-رانة نزّال

لَست أقصد بعنواني أعلاه بيت مجلس النّواب الأمريكي، ولا الديمقراطية في شكلها المطروح فيه، ولا صناديق تصويته المدارة هناك، بل أقصد آلة النُّطق التي سمّاها علماء العرب من الدّارسين للأعضاء المُحدثِة للنطق من حيث أنّ الأوّل هو مجلس الكونغرس الأمريكي حيث يصوّت النوّاب المنتخبون من الشعب على القرار، ولولا آلة النطق التي تُعنى بها مقالتي هذه عبر صندوق تصويتها لما كان الأوّل.
وفي علم دراسة الأصوات التي تنتج كلاماً عبر أصوات توافق عليها البشر وتآلفوا وتفاهموا بها من خلال صندوق للصوت والتّصويت هنا بمعنى الصائت من الأصوات أي المسموع بخلاف الساكن، وتُشكِّلُ المادة المسموعة بنية المادة المكتوبة، إذ الأولى أصل والثانية تابع يقول أبو نصر الفارابي: «الهواء الذي ينبو من المقروع، هو الذي يحمل الصوت، وهكذا يصل الهواء الموجود في الصَماخين عبر التضاغط والتخلخل» وحمّل كتابة (كتاب الموسيقا الكبير) شروحاته في هذال المقام، في حين بنى الخليل بن أحمد الفراهيدي معجمه (العين) على أساس الصوائت اعتبرها الدارسون الأولى في علم الدراسات الصوتية اعتمد فيها ترتيباً للحروف يتبع مخارجها وصفاتها همساً وجهراً وشدة ورخاوة، ومن هذه شكلت إضافات تلميذه (سيبويه) في كتابه (الكتاب) وفي (حاوي علم الخليل) في ظواهر الإعلال، والإبدال، والتقليل الصوتي، والمخارج الصوتية للحروف العربية سواء في مهموسها أو مجهورها ناهيك عن أصولها وفروعها دراسة جادة لمعنى (صندوق التّصويت اللغوي في عربيتنا)، ومن هذه النظريات الصّوتية قدّم الكندي قرابة المئة قانون وفق إدراك عميق لتردد الصوائب من الحروف بنسبة أكثر من غيرها، في قانون شمل معظم اللغات ليأتي الابتكار الحقيقي في هذا الفن والعلم على يد ابن جني في (سرّ صناعة الإعراب) حيث تحدّث فيه عن آلية عمل جهاز النطق وقارنه بالمزمار حيث يضع الزّمار أنامله على حروف الناي فيتحرّك الهواء بين الصائت والصامت؛ ليتشكّل اللحن وكذا التجاويف أعلى الحنجرة تفعل ذلك في الهواء الصادر من الرئة، وقد ميّز بين الحروف والحركات ليقول: «اعلم أن الصوت عَرَضٌ يخرجُ مع النّفس ومستطيلاً متصلاً حتى يعرض له في الحلق والشفتين مقاطع تُثنيه عن امتداده واستطالته فيسمى المقطع أينما عرض له حرفاً) ليصل إلى ابن سيناء الذي قدّم في دراسته لتشريح الحنجرة واللسان تفسيراً لأسباب حدوث الحروف، ليقرّ دارسو اللغة المعاصرين من أمثال فردينان دي سوسور، وبروكلمان بأن علم الأصوات عند العرب شكّل ظاهرة لم تعتمد على علوم سابقة لها ، فما قدمه إخوان الصّفا من حديث عن القرع الذي يحدث في الهواء نتيجة تصادم الأصوات؛ ليشكّل تدافعاً وتموجاً ينتج شكلاً كروياً اتساعها يضعف الصوت، وانفقاعها يحدث صوتاً جهرياً، وبين الصامت والصائت من الأصوات تتشكّل حروف وحركات اللغات، ومنها لغتنا العربية بفيزياء حروفها الصوتية تردداً وانضغاطاً وتمدداً، وكلّ غايتنا من هذا المقام هو التأكيد على أن صندوق التّصويت في عالمنا حيّ وجذوره نابضة راسخة لو سلم الهواء من موانع دخوله شهيقاً وظهوره زفيراً، وأنّنا أصلّ يليق به أن يمتد ليصل إلى صناديق تصويت حقيقية تليق بها ديمقراطية قوامها الشّورى وما ينفع النّاس حقًا، ليكون صندوق تصويتنا متسقًا مع سوابق عهدنا من اللمع والعلوم بكلّ صنوفها وبحورها وفيوضاتها.