Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Jan-2018

ناصر وجدتي.. والحلم العربي!! - محمد كعوش

الراي - اسمحوا لي أن أكتب لكم عن جدتي رحمها االله، هي لم تتخرج من جامعة ولم تدخل مدرسة رسمية ولا خاصة، بل لم تفك الحرف، ولكنها كانت تحب عبد الناصر وتتابع خطاباته وتحفظ الكثير من عباراته، التي كانت تستفز فيها وعيها الوطني البدائي ومشاعرها الفطرية وحنينها لوطنها المحتل، مثل الكثيرين من الأجداد والأباء وابناء جيلنا وكل الذين مثل عبد الناصر احلامهم وآمالهم وتطلعاتهم في ذلك الزمن الجميل.

لذلك اقول إن جدتي محظوظة لأنها رحلت في ذلك الزمن بلا ندم، فهي لم تشهد اللهاث والهرولة خلف السلام المعلق على حبال الوهم، كما لم تسمع ما يذاع ويشاع من عبارات الغزل والتودد تجاه اسرائيل بلا احساس بالعار أو الخجل، ولم تعش في زمن صار فيه ثمن برميل الدم العربي أرخص من سعر برميل النفط !!
بمناسبة مئوية عبد الناصر لن اكتب عن جمال الرئيس ولا القائد ولا الزعيم، بل أكتب عن عبد الناصر الظاهرة، حيث وزع ناصر نفسه وانتشر في كل الجهات، وحرك فينا حنينا واضحا الى قوة الأمل والعمل في أرض القمح والقطن والخبز والفقراء، على امتداد الوطن الكبير، في مرحلة تاريخية مهمة هي مرحلة التحرر العربي والمد القومي الذي اسميناها مرحلة ( الزمن الجمبل ). في ذلك الزمن تبنّى عبد الناصر مشروع الوعد الوحدوي الكبير ضمن مشروع نهضوي عربي شامل حتى بتنا لا نستطيع التمييز بين ما هو وطني وما هو عربي، بل اقول إن الهوية القومية كانت طاغية.
الحقيقة انني لا اريد تحويل هذا الرمز الى اسطورة لأنه منا ومثلنا لم يفقد ضعفه الأنساني وغير معصوم، وله هفواته وكبواته كما له انجازاته وانتصاراته، الا أن حزيران الذي مثل هزيمة عبد الناصر، لم يعد الأسوأ بين اشهر السنة لأنه لم يستطع أن يكسر روح الأمة ، وتلاه اعادة بناء الجيش وحرب الاستنزاف التي جعلت قادة اسرئيل يعترفون بأن حرب حزيران مستمرة وما انتهت.
كنا نرى ناصر لنتماسك، ونسمعه فنمضي في درب الوعود والآمال، لأن اللغة كانت واحدة والموقف موحد والمصير مشترك، فهو كان يمثل النخوة والنجدة في وقت الشدة، وكان يوجه البوصلة العربية نحو صواب العقل والقلب.
لذلك نقول إن حزيران لم يعد الأسوأ لأن ساحة المشهد العربي الحاضر مفتوحة امام الأنهيار الجماعي وعملية تدمير الهوية العربية، وكسر روح الأمة، وتقسيم الأوطان الى شظايا موزعة على شكل دويلات عرقية ومذهبية، وقد يكون في الأجندة العربية ما هو اسوأ في المستقبل القريب بسبب الفراغ المتوفر الذي يفتح شهية كل الطامعين والغزاة.
ما نعرفه اليوم هو ان عبد الناصر يمثل فصلا ضائعا من عمرنا الجميل، لذلك هناك من يحاول ان يحذف هذا الفصل من التاريخ أو يشوهه على الأقل، عبر تغليب الهوية القطرية وطمس الهوية القومية، ومن خلال نشر كتابات ومذكرات مشبوهة، موجهة لمخاطبة أجيال جديدة لم تعاصر عبد الناصر، وهي كتابات وكتب تحمل من الخناجر ما يكفي لاغتيال الراحل اكثر من مرة باسم ( الحرية والديمقراطية)، في محاولة لانتزاع هذا الزعيم العربي من الذاكرة العربية مع مشروعه القومي خدمة للمشروع الصهيوني – الأميركي المتمثل باقامة الشرق اوسط الجديد.
اليوم، ومن تحت انقاض ما هدمه الحاضر يجب أن نستمد من ذكرى عبد الناصر قوة المقاومة بحيث نعود الى مطلع الزمن العربي واول النشيد وندعو الى استنفار ما تبقى من صلابة الروح وما فينا من مشترك التاريخ واللغة والمصير والوعي والحلم لخلق الواقع العربي الجديد.