Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Aug-2020

سلامات.. أيها الوطن الكبير..!*علاء الدين أبو زينة

 الغد

تعلّم جيلنا مع الأبجدية نشيد “بلاد العُرب أوطاني”، وتعّلم عن يوسف العظمة، وجميلة بوحيرد وعمر المختار وعبد القادر الحسيني. واستقرّ في وعينا وقلوبنا أن كل شبر في هذا الوطن العربي يخصُّ كل واحد فينا وينتمي إليه. ولا يحتاج الأمر إلى قصائد لتعرف أن الوطن العربي بيتك؛ اذهب إلى أي مدينة عربية، أو تواصل مع أي مواطن عربي، وستجد أنّ لا فرق؛ لا أودية يترتب جَسرها.
كل من وما ينطق بالعربية لك. لم يعلّمنا أهلنا البسطاء عن الطائفة والدين المختلف. وإذا عرفنا فللمعرفة عن تنوع حضارتنا وغنى ألوانها الداعي إلى الفخر. لكن العقود الأخرى دفعت دائما إلى إبراز الفروقات واختلاق الاختلافات، هبوطا من القُطر، إلى الطائفة، إلى المدينة والقبيلة. وبيننا الذين ينظرون ويتألمون، ولا يستطيعون فكاكا من الحب الطاغي للوطن الكبير الذي يتمزق بيد أهله قبل الآخرين.
بيروت أخيرا، التي تتعافي من حرب الطوائف، واحتلال العدو البائن الذي غامت رؤى البعض حتى أصبحوا يدعون إلى احتضانه. بيروت التي تشكو بلا توقف من ثقل الطائفية داخليا، وحرب المصالح العربية والإقليمية، ضُربت ونزفت أهلها أول من أمس. سلامات يا بيروت!
سلامات يا دمشق؛ يا بغداد؛ يا عدن وصنعاء؛ يا طرابلس ويا قدس، وكل المدن العربية المدمرة –حرفياً- وتناضل من أجل النجاة. سلامات أيتها المدن الأخرى التي تعيش حرباً مستمرة غير معلنة، والتي يصارع فيها سكانها ضد القمع والإسكات ونزيف الكرامة، والشعور الممضّ بثقل القدمين بينما يركض العالَم ويصعد ونحن نراوح في المكان. سلامات أيها الوطن الكبير الذي لن ينهض منه جزء ما دامت أكثر أجزائه مريضة.
كل الأمم الأخرى تُخفي الفروقات وتبرز المشتركات وتستعين على المشقات بهوياتها القومية –ليس بدافع عاطفي أو عصبية تاريخية، وإنما كضرورة وجودية في عالَم محكوم بالتنافس. وليست الفكرة اعتناق العدوانية والاستقواء بالعصبة، وإنما الدفاع عن الذات والمقدرات وما لا بد من الدفاع عنه. وعندما تتساوى القوى يقل احتمال العدوان ويُسمع صوت العقلانية فوق إلحاح الطمع وإغواء نهب حصة الآخرين.
ولكن، لا حياة لمن تنادي. أصبح “الخلاص الفردي” هي الدّين السائد في بلادنا. بل إن هذا الخلاص أصبح يعني إغراق الآخرين في حارتك، ومدينتك، وبلدك، ناهيك عن البلد الجار وأهله. ولا بأس في استئجار العصابات والمرتزقة والمتطرفين، واستنفار العصبيات، وتعميق القُطريات، وطمس أي ألوان غير لونك. والنتيجة: لا نجاة ولا ألوان، ولا إنسانية ولا عاطفة. ووطن العرب، من المحيط إلى الخليج، عجز وخوف وتعلق بأذيال الغرباء. وعندما تنظر إليه، حتى لو من واحة صغيرة، سترى حولك حطام العواصم واليباب وانهيار التاريخ والحضارة والثقافة والهوية. وسواء كنتَ في خيمة أو قصر، فأنت مستضعف ومستباح لمَن شاء أنّى شاء.
لن يجلب أي وصف واقعي لأحوال الوطن العربي الكبير أي أمل. وكان هذا العقد الأخير قاسياً بشكل خاص. بعد تدمير بغداد الفيزيائي في بدايات القرن، توالى تدمير الحواضر العربية المادي أيضاً في العقد الثاني–خاصة الأعرق تاريخا والأكثر وسامة بسمات الملامح العربية والضيافة العربية. وكل شيء بدأ من ضياع فلسطين الذي نحت ندبة بشعة على جبين العرب، وشوه المنظر وخرّب النفسية. ولا يحتاج الأمر إلى جهد للعثور على الصلة. ولمن يريد دليلاًعلى أن لا خلاص لأحد بلا توسيع المشروع والانتماء، فلينظر تحت قدميه أو يمينه أو شماله.
عن جروح بيروت، النظرية السائدة أن الكارثة نتيجة إهمال، سببه الأول المحاصصة الطائفية والفساد تحت شعار الوفاء للهويات الصغيرة. أو هو نتيجة، بطريقة ما، لكون لبنان ما يزال يقاوم مشروع الإخضاع الكبير. ومنذ “الربيع العربي” في بداية العقد، اجتمعت الشياطين المحلية والخارجية على تحطيم كل إنسان وحجر وأمل، بالتحديد بوضع خطوط تحت الهويات الدينية والطائفية والقبلية حتى تحولت المنطقة إلى ساحة حرب كبيرة، مباشرة أو بالوكالة، وبأهلها والغرباء. ولم يكسب أحد، حتى القاعدين على الكراسي بثمن دم العرب وسفح كرامتهم وكرامة المجموع.
بيروت، القدس، بغداد، دمشق أو عدن، وكل مكان عربي باسمه، أجزاء من كياننا يتحطم. ولا نملك سوى الحزن، والكثير من الحب، وأمنيات السلامة.