Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Jul-2017

التجهيل وأوهام الذات! - د. غادة خليل
 
 
الغد- المؤسف والمحبط في خطاب زغلول النجار، هو ما يكشفه مثل هذا الخطاب عن فقرنا الحضاري المدقع في هذه المرحلة الزمنية، وذلك من ناحيتين على الأقل:
الأولى؛ الخطاب نفسه حين يستخدم العلم سبيلا للتجهيل، وإعطاء الرأي الشخصي أو القراءة الفردية صبغة الحقيقة العلمية الثابتة التي لا تقبل الرد أو الطعن، في حين هي مجرد قراءة ووجهة نظر، فضلا عن أنها - في الكثير من الأحيان-  تحوي مغالطات علمية صارخة وطروحات متناقضة، وكل ذلك في موضوعات ذات طابع ديني تستدرج مشاعر الجمهور وتدغدغ حواسه وتشعره بالرضا الزائف عن نفسه.
وحين نقول استخدام العلم سبيلا للتجهيل فإننا نقصد ذلك حقيقة لا مجازا، فالخطاب على سبيل المثال حين يريد الانتصار للحجاب لا يتحدث عن دواعٍ أخلاقية أو رؤية خاصة للإسلام في هذا الشأن، بل يسدل على الأمر صفة  الإعجاز العلمي الذي مفاده - كما جاء في إحدى المحاضرات- أن  جسم المرأة يتأثر بالأشعة السينية الضارة لوجود طبقة دهنية  تحت جلدها أسمك من تلك التي للرجل، ولذلك وجب عليها ستر جسمها (ماذا بالنسبة للرجال البدناء؟!). وفي محاضرة أخرى يفيد بأن الـ(DNA) الخاص بالمرأة يختلف عن الرجل بحيث يجعلها عرضة لأضرار  الأشعة فوق البنفسجية، وهنا يكمن السر في  إعجاز الحجاب!
وفي سياق أخطر  وأعظم أثرا في مغالطات فادحة، من مثل أن كوكب الأرض مركز الكون بالمعنى الفيزيائي، وأن الأرض لا تدور حول الشمس نجد الخطاب - وهو يسترشد في مجمل طروحاته  بإنجازات "الغرب الكافر" في شتى العلوم ويدعي أنها موجودة سلفا في النصوص الدينية- نجده يدعو الشباب إلى عدم قراءة كتب الغرب العلمية لأنها حتى ولو كانت صحيحة فقد كُتبت (بعقول مريضة)! وفيما يخص علم الكون والفلك ينصحهم بعدم دراسة هذه العلوم لعدم جدواها فهي تشغل البشر دون طائل، فالله أوجدنا على هذه الأرض ولا يريد منا أن نتطلع لغيرها! ولعمري هذا كلام غريب جدا ممن يصف نفسه بالعالم وحفيد ابن الهيثم!
ولعل الفقر الحضاري المتبدّي في مثل هذا الخطاب ليس في تبعيته الذليلة لمنجزات الآخر وتجييرها لصالحه دون أدنى مساءلة للذات فحسب، بل وإعفاء الذات كذلك من بذل الجهد والتفكير والمساهمة في إعمار الأرض وحل مشاكلها، بل والدعوة للنأي بها عن قطاع واسع من العلوم غيّر مجرى حياة البشر ومراكز القوة والسيطرة في العالم، قطاع سيظل من أوسع وأهم مجالات العلم الحديث في تداخله مع باقي العلوم وربما سيرسم مستقبلا مغايرا للبشرية!
الناحية الثانية التي يكشف فيها هذا الخطاب فقرنا وبؤسنا الحضاري تظهر في طبيعة تفاعل الجمهور معه. إن التسليم والذهن الفارغ الذي يبصم به مئات الآلاف على هكذا طروحات - حتى من حملة الشهادات- يوضح عمق الخلل والتدين السطحي الأعمى لقطاعات كبيرة من مجتمعنا بعيدا عن التفكر والتدبر والأخذ بالقيم والتوجيهات الأسمى لحضارة تألقت في زمن ما وساهمت بنصيبها في تطور البشرية. إنها ردود فعل تشبه من أصابه خدر أو وقع في شبه غيبوبة. ولأن الطروحات ترتبط بمواضيع دينية والغرض الظاهر منها إثبات إعجاز القرآن تنساق الجموع - في معظمها- إلى التأييد والدفاع وسحب الإحساس بالقداسة والتبجيل على شخص الداعية نفسه.
ففي ظل القحط المعرفي والثقافي وسياسة التجهيل في تعليمنا المدرسي والجامعي عبر عقود، وحين  تبحث الذات عما يسند إحساسها بالهوية والتميز والإنجاز - وهو إحساس أصيل ولا بد من تلبيته - تخفق، فهي لم تزود بالأدوات المعرفية الكافية للمشاركة في الحياة بشكل خلاق ومنتج وناقد -  وإن حصلت على أعلى الشهادات - ولم تستطع بناء هوية واسعة تحتفي بنفسها وبكل إنسان، هذه الذات العاجزة  تداري إحساسها بالنقص والعجز بتجيير إنجازات البشرية لصالحها من جهة (فكل ما تم اكتشافه موجود في نصوصنا الدينية ابتداء) وسلب الآخر أي تميز أو تفوق من جهة أخرى (فهو رغم علومه واختراعاته كافر ومريض وأدنى مرتبة)، وهكذا ترضي الذات نفسها إرضاء مزيفا وتردد سبحان الله!! من دون أن يخطر في بالها أنها ربما على شطط، ومن دون أن تفكر لحظة في مراجعة مسلماتها والمغزى الحقيقي لوجودها في نهر الحياة. 
ومن دون أن تتساءل الذات عن جدوى إهدار الوقت في تطويع النصوص الدينية لتفسيرات علمية، وعن إضاعة الطاقات في رصد ما أنجزه آخرون، والبحث عن إشارة  من بعيد أو قريب على ما يظن أنه يلمّح له، أو عن شطط استخدام المصطلحات العلمية في تقديم وجهة نظر غير علمية ولا أدلة حقيقية عليها، تمتلئ الذات بإحساس الفخر والإنجاز الزائف وتسبّ من يخالفها الرأي أو يناقشها وتتوعده بالويل، وتستمر في العيش على هامش الوجود معتقدة أنها في المركز وقد تخلت من دون وعي منها ومن دون أن تدري حتى عن أبسط قيم الإنسانية وما جاء الدين  ليهذبه ويرتقي به! وبذلك نكون قد أضفنا فقرا أخلاقيا كثيرا ما تعكسه اللغة التي يتحاور بها من  يَفترض أنه يدافع عن قيمة عليا!