Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Nov-2021

جسر بضفة وحيدة

 الدستور-رشيد عبد الرحمن النجاب

 
 
 
تتردد في ذهن الشخص أحيانا مقاطع من أغنيات أو أعمال موسيقية، دون مقدمات ودون أن يسمعها في مكان ما أو بطريقة ما، كان ما تردد في البال مقطع من مغناة السيدة فيروز المعروفة بـ»جسر العودة» لاسيما المقطع الذي يقول: «كنت عند النهر، صادفت البنية فملأت جرتي وقصدت الخيمة......»، تقول فيروز في مقطع آخر: «يا جسر الأحزان أنا سميتك جسر العودة»، وحدث أن افتتح معرض عمان الدولي للكتاب، فلفت انتباهي أن بين العناوين التي اشتريتها من المعرض كتابان يحملان كلمة «جسر»؛ «جسر عبدون» والكتاب الآخر هو الموسوم بعنوان هذه السطور وموضوعها: «جسر بضفة وحيدة» للأديبة والناقدة السيدة هيا صالح، والصادرة عن دار النشر :»الآن ناشرون وموزعون»، أي صدفة جمعت كل هذه الجسور في برهة من الزمن قصيرة؟! وبعيدا عن رواية جسر عبدون التي تدور أحداثها في فضاء مختلف، فإن رواية «جسر بضفة وحيدة» استدعت مغناة جسر العودة لتتردد في البال في أكثر من مشهد أثناء القراءة، فقد كان ثمة ما يشير إلى عودة، عودة من؟ وفي أي سياق؟ ربما سيكتشف القارئ أن رابطا يتشكل بن الرواية والمغناة في إثارة شجون الفقد، والوحدة وأمل العودة وإن اختلفت فضاءات الأحداث بين الموضوعين.
 
ثمة مدلولات متعددة للجسور عبر الرواية بصفتها طريقة للوصل بين عوالم متعددة، كالصلة بين الحياة والموت، والصلة بين الحقيقة والوهم، والصلة بين البشر؛ بين الحبيبة والحبيب، والزوجة والزوج، والأب والابن، وحتى بين الأصدقاء، مدت الراوية «سامية» جسور الوصل مع بعض الشخوص وبادلتهم التنقل عبرها، ومدت جسورا مع آخرين ثم أدت ظروف إلى هجر هذه الجسور بغير قصد منها، وآخرين مدت لهم جسورا أحاطت بها غيوم ملبدة بالصمت وأطبقت عليها في بعض الأحيان برودة جليدية. وجسور أخرى خافت من أن تتجاوزها ترى ما هي طبيعة هذه الجسور؟
 
نظمت المؤلفة الصلة بين هذه الأطراف المتقابلة بغض النظر عن توافقها أو عدم توافقها بإبداع واقتدار، وبدرجة عالية من التشويق، ربما ساهم في ذلك مهارة في نسج الحبكات ونثرها بين سطور الرواية وفصولها، يضاف إليها خيال خصب استحضرت من خلاله بعض الشخوص وأملت في استحضار آخرين ومحاورتهم بشأن هموم الفقد ومشاعر الوحدة. وعلى الرغم من ذلك فالنص في معظمه ينطوي على سرد منفرد من الراوية «سامية»في ما يشبه أعمال «المونودراما» في المسرح إلى حد ما.
 
وبسرد سلس رقيق منسجم مع طابع الأنوثة الذي مثلته الراوية «سامية»، تجلى هذا الوصف في مظاهر متعددة من السرد؛ في الحديث عن تعاملها مع نماذج مختلفة من الرجال، وطريقة حديثها عن علاقتها بالصديقات، ووصفها لجسدها ومظاهره العامة وحركاته ورصدها لتغيراته، واهتمامها بالتدقيق في ما يتردد حولها من الأغاني، وما تتضمنه هذه المقاطع من دلالات ذات صلة بظرفها، وما يمكن أن تسوقها إليه هذه المقاطع من أفكار أو هموم، أو حتى لحظات من السعادة. قد لا يخلو النص الذي يكتبه الرجال من بعض هذه المظاهر ولكن للأنوثة استحقاقاتها في إضفاء طابع معين لأي منهما دون أن يكون في ذلك تفضيل لطرف على الآخر.