Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    24-Sep-2016

معضلة المستوطنات - ناحوم بارنيع

 

يديعوت أحرونوت
 
الغد- صباح يوم الثلاثاء أقام الجيش الإسرائيلي حاجزا داخل قرية بني نعيم، جنوب شرق الخليل. ولم يأتِ القرار استنادا إلى مصادر استخبارية خفيّة، بل إلى التجربة التي تراكمت منذ الصيف الماضي. فقد خرج شابان من القرية في الايام الأخيرة للقيام بعمليات ولم يعودا – الاول قتل، والثاني اصيب بجراح خطيرة. وبعدهما لا بد سيأتي الثالث. وبالفعل فقد جاء. وعندما أمره الجنود في الحاجز بالتوقف، امتشق سكينا. فأطلقوا النار عليه كي يصيبوه. لوح بالسكين، فاطلقت النار عليه فقتلته. 
انهم لا يموتون على قدسية فلسطين؛ انهم لا يموتون على قدسية الاسلام؛ ولا على قتل اليهود. انهم يموتون على قدسية اليأس، على قدسية أنفسهم. الهدف هو الموت والجنود هم الوسيلة. بالضبط عكس ما كان في موجات الارهاب السابقة: في حينه كان الجنود هم الهدف والموت هو الوسيلة. ومثلما قالت لدى التحقيق معها براء رمضان عويصي، الفتاة ابنة الـ 12 التي وصلت أول من أمس إلى حاجز الياهو، ما كان يسمى ذات مرة حاجز الفواكه، كانت تحمل حقيبة لم يكن فيها سلاح، ولا حتى سكين، ورفضت اطاعة تعليمات الجنود. "ابي يكسب أجرا زهيدا في بلدة قلقيليا، أمي عاطلة عن العمل، أردت أن أموت". وانتهت بإصابة في ركبتها. 
المعطيات التي تراكمت لدى الجيش الإسرائيلي على مدى السنة مثيرة: سأعود اليها لاحقا. قضيت يوم الثلاثاء في الخليل، في ما يسمى في الاتفاقات H2 المنطقة التي يفترض ان يعيش فيها 40 ألف فلسطيني و400 يهودي تحت حكم إسرائيل. الاعداد تغيرت: العرب تناقصوا بعدة الاف واليهود ازدادوا بعدة مئات. ما تبقى على حاله هو الاكتئاب. في كل مرة أصل فيها إلى الخليل، يصيبني الاكتئاب من جديد. ليس ثمة بين النهر والبحر مكانا يبعث أكثر على الاكتئاب، يشغل البال اكثر ومعادٍ أكثر – ولا حتى مخيمات اللاجئين في غزة.
حاجز الشرطي، على لسان العرب حاجز الشهداء، هو أحد المعابر بين شطري المدينة. ليس نقطة تفتيش تشارلي بالضبط. بين الحين والآخر يرشق الفتيان في الطرف الفلسطيني الحجارة على جنود الناحل في الطرف الإسرائيلي. يرد الجنود بقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع. الغاز يثير الحكة. عائلة فلسطينية – أب، أم وثلاثة اطفال صغار – يسيرون في الشارع المتوتر، الذي يسميه العرب شارع الشهداء واليهود "دافيد هميلخ". الأم هي أول من يشم الغاز. فتحذر الاطفال الذين يغطون وجوههم بعجل بأطراف أكمامهم. الاطفال لا يبكون، لا يشتكون، فقد ولدوا في ظل الغاز. 
أما الاكتئاب فيتولد من المحلات المغلقة: مئات المحلات كانت في هذا القسم من الخليل، وكلها، باستثناء بعض حصل على الاذن بالفتح، مغلقة بابواب من حديد؛ من الاسيجة والشباك والاسمنت؛ من المنازل المهجورة؛ من القمامة التي لا تخلى؛ من الكمية الكبيرة من الجنود في كل مكان؛ وبالأساس من الفراغ، من الصمت مثل ميدان المعركة، مثل ارض اليباب. الموت هنا يسود، كتب يورم طوهارليف في ملحمة عن يوئيل موشيه سلومون. سمع سلومون تغريدة عصافير فهدأ. في الخليل لا توجد عصافير: فالرصاص يهربها. 
قرب مغارة الماكفيلا (الحرم الابراهيمي) مقابل محل الهدايا التذكارية اليهودية، يوجد محل يعرض منتجات قاتمة. رمان فخاري أحمر لرأس السنة، صحون على الطراز الارمني، منصات للنرجيلة.
"بضاعتي لا أبيعها هنا"، يقول محمد، صاحب المحل. "أنا أبيع في سوق الخردة في يافا، في محلات في تل أبيب". هو ابن 48، طليق اللسان وفهيم. له شقة في الطرف الإسرائيلي وشقة في الطرف الفلسطيني. هناك أيضا سيارته. "في التاسعة يغلقون الابواب"، يشرح. "اذا علقت، فقد علقت".
لماذا يخرج الشبان للعمليات، أسأل. "لا عمل، لا مال"، يقول محمد. "اذا نال عملا، فكم سيكسب؟ ربما 1500 شيكل في الشهر. لا يمكنه السفر إلى القدس، إلى تل أبيب، إلى البحر. لم يتبقَ  للشباب ما يخافون منه".
عامله يجلس في مدخ المحل ويلون بالمكحل، بيد فنان، الصحون الارمنية قبل أن يدخلها إلى الفرن. يرفع يرأسه. "سجن واحد كبير"، يقول. "سجن واحد كبير".
"هؤلاء الشبان لا يفكرون بفلسطين"، يقول محمد. "ليس لهم ما يخسروه. اذا استمر الوضع هكذا، كل شيء سينفجر". 
ما الحل؟ سألت. 
"اذا قسمنا 400 على 50، فكم يكون؟" اجاب محمد بسؤال. 
"8، صحيح؟ 50 مقعد في الباص، 400 يهودي يوجد في الخليل. فلتأت ثمانية باصات من شرطة "إيغد"، وتأخذهم جميعا". 
نظر اليّ كمنتصر. يوجد حل بسيط جدا، سهل جدا، واحد لم يفكر فيه من قبل. 
دولتان؟ سألت.
"دولة واحدة"، قرر. "بدون أبو مازن وبدون نتنياهو". 
أطفال الدلال
في الجيش الإسرائيلي قدروا أن موجة العنف ستستأنف، بعد سنة من بدئها. "قلنا تعالوا نرى ما تعلمناه، كيف سنتحسن. نحن تنظيم يتعلم"، يقول مصدر عسكري. 
تحليل العمليات الاولى أفاد أن السكاكين تنجح في قتل أو جرح المدنيين، وبالأساس المدنيات. أما اللقاء بين الجنود والسكين فتنتهي على ما يرام بشكل عام. 
في المرحلة الثانية بدأت عمليات اطلاق النار. في معظم الحالات كان السلاح من انتاج محلي. تبين أنه وراء الارتجال يقف مهنيون: في الضفة تعمل صناعة سلاح مزدهرة. والبندقية التي تنتجها – هي وسيلة ناجعة للغاية، تطلق عيارات منفردة وتطلق بصليات. مثل هذه البندقية عملت في العملية في نطاق سارونه. 
أغلق الجيش الإسرائيلي 30 مصنعا، اكبرها في بيت لحم. والالات التي اكتشفت في بيت لحم كانت في مستوى رفيع. واعتقل المالكون. وكنتيجة لهذه الاعتقالات ارتفع سعر السلاح في الضفة. كارل غوستاف من انتاج محلي، كان يكلف قبل سنة 2.000 شيكل ارتفع اليوم إلى 4 آلاف بندقية "ام 16" عسكرية إسرائيلية تكلف 80 ألف شيكل. 
معظم السيارات التي شاركت في عمليات الدهس كانت سيارة قديمة تباع في إسرائيل لاغراض القطع المستعملة. وفي العربية يسمونها سيارات مشطوبة. وبدلا من ان تذهب إلى التفكيك، وصلت إلى الضفة. وعملت الشرطة والجيش ضد التجار. 
لقد بذل جهد لاستكمال بناء جدار الفصل لوضع العراقيل في وجه عبور منفذي العمليات إلى إسرائيل. وجرت أعمال لتقليص عدد الماكثين غير القانونيين. من جهة أخرى أصر الجيش على مواصلة السماح للفلسطينيين بالعمل القانوني في إسرائيل، وتحويل الاموال، وتقديم تسهيلات في فترات الاعياد. في الحكومة لم يستطيبوا هذا، ولكنهم سلموا به. 300 عملية خرجت من القدس ومن المناطق على مدى السنة، ولكن حسب تقدير الجيش الإسرائيلي، منعت ألفي عملية.
في الجيش طوروا "طريقة التقسيم الموسعة": يجب التأثير على الاب، على المعلم، فلعلهما يهدآن الشباب. الاهالي يتلقون مكالمات هاتفية وكذا المعلمون. يمكن للمكالمة ان تأتي من إسرائيل أو من جهة في السلطة الفلسطينية. وبالفعل، كان للمعلمين في اثناء هذه السنة دور ايجابي. فقد شرحوا للتلاميذ عدم جدوى خروجهم إلى الحاجز. 
مشوقة القصة الجغرافية: في الموجة التي بدأت في السنة الماضية وخبت حتى نيسان، 40 في المئة من المخربين خرجوا من سبع قرى، مدن أو احياء. 50 في المئة من العمليات وقعت في سبعة اماكن. 
مئة حالة اختيرت وحقق فيها حتى النهاية. تبين أن فيها جميعها كانت قصة شخصية. أطفال الدلال: ليس من هوامش المجتمع، مثلما في الانتفاضة السابقة، بل من عائلات ميسورة. ولكن فتيان كل واحد منهم سحب على ظهره حملا. 
هذا التفسير لا يقول الكثير: بعد 50 سنة احتلال لكل فتى فلسطيني توجد مشكلة شخصية، قريب عائلة قُتل او موجود في السجن، إهانة على الحاجز، ضغط من المخابرات والجيش الإسرائيليين، ضغط من الاجهزة، عائلة متفككة وغيره وغيره. ليست المشكلة هي التي تغيرت بل الحل. يوجد حل: أن يكون شهيدا. 
"هذا فيروس"، يقول مصدر عسكري. "مثلما يأتي الفيروس، هكذا يعود. هناك أناس اكثر حساسية للفيروس، وهناك اقل حساسية له". 
سهل، وربما سهل جدا، الشرح لماذا عاد الفيروس الان: يوم السنة، عيد الاضحى، اعياد تشري المقتربة، التي تبشر ضمن امور أخرى بالحجيج الجماهيري لليهود إلى الحرم، اطفال قتلوا، بما في ذلك طفلة ابنة اربعة اجتازت طريق 60، طريق القدس – الخليل، ودهستها مستوطنة. لم يسأل الفلسطينيون ماذا كانت تفعل ابنة أربعة على طريق ما بين المدن. بل شبهوا الدهس بمقاييس القتل. وبعد بضعة اسابيع سيبدأ موسم قطف الزيتون.
الجديدة
في أثناء كانون الأول يفترض بالدولة ان تخلي وتهدم منازل عمونة، البؤرة الاستيطانية التي بنيت على أراض فلسطينية خاصة، قرب مستوطنة عوفرة. وكانت قررت الهدم محكمة العدل العليا بعد تأجيلات لا حصل لها. ويعصف الاخلاء بالساحة السياسية. 25 من 30 عضوا في كتلة الليكود، بينهم وزراء ورئيس الكنيست أعلنوا أنهم يعارضون الاخلاء. اعضاء في كتلة البيت اليهودي يهددون بالانسحاب من الائتلاف. سياسيون وموظفون يبحثون بالشموع عن اختراع يزيل شر القضاء، قانون يتجاوز العليا أو اقامة بلدة على ارض بديلة. اذا اخليت عمونة، يقولون في اليمين، سيتعين عليهم ان يخلوا حتى 3 آلاف منزل في المستوطنات ذات المكانة المشابهة: نهاية العالم، خرب البيت. ولذات السبب بالضبط في جمعيات اليسار يفركون أياديهم: فقد نجحوا. 
وأنا اقول، لا تهدموا ولا تخلوا. اذهبوا إلى محكمة العدل العليا واعترفوا امامها: قصرت يدنا.
 لاعتبار أن لا معنى للإخلاء يوجد سببان؛ سبب أخلاقي وسبب عملي. السبب الاخلاقي يعود 40 سنة إلى الوراء، إلى التحول الذي رفع الليكود إلى الحكم. في 1978 توصلت حكومة بيغين إلى اتفاق سري مع غوش إيمونيم على إقامة 6 مستوطنات في الضفة، واحدة منها بيت ايل، شمال رام الله. رفع أصحاب الاراضي التماسا إلى المحكمة العليا ومثل الدولة غبريئيل باخ ودوريت بينيش، القاضيان في العليا لاحقا. وادعيا أن الارض صودرت لأغراض عسكرية. اما الهيئة القضائية برئاسة موشيه لنداو فترددت وتلبثت وفي النهاية صادقت على المصادرة. 
بيغين رد بدعابة محفوظة لمحبي كرة القدم بعد تسجيل هدف. "يوجد قضاة في القدس"، اعلن. وخلافا لما حز في الذاكرة العامة، فإن بيغين لم يسعَ إلى تعظيم المحكمة، بل سعى إلى تعظيم انتصاره. 
منذئذ كانت المحكمة العليا مطالبة بأن تتناول مئات الالتماسات المتعلقة بالمستوطنات. وحجة الاحتياجات العسكرية استبدلت بحجة أخرى، ان الاراضي هي بملكية الدولة. وكانت الحجتان مهزوزتين في افضل الاحوال، وكاذبتين في اسوأها، ولكن في معظم الحالات سارت العليا في تيارها. وأشغلت بال القضاة بالأساس مسألة واحدة: هل منازل المستوطنة مقامة على أرض فلسطينية خاصة. مثلما كتب لنداو في قرار الون مورية: "حق الملكية الخاصة هو قيمة قانونية مهمة.. الصهيونية تقف على حق العودة لشعب إسرائيل إلى بلاده، ولكنها لم تسع أبدا إلى سلب سكان البلاد من حقوقهم المدنية". 
سلم أولويات قضاة العليا على أجيالهم كان واضحا: مسموح نزع القانون الدولي الذي يمنع نقل السكان إلى أرض محتلة؛ مسموح نزع حكومات إسرائيل من سياستها الرسمية، التي تتحدث عن اقامة دولة فلسطينية في الضفة وفي غزة؛ مسموح نزع معظم الإسرائيليين من تطلعهم لأن يعيشوا في دولة يهودية وديمقراطية، مسموح نزع الفلسطينيين من مستقبلهم. ولكن على حق محمد في أن يملك قطعة ارض لن يتمكن ابدا من فلاحتها أو البناء عليها، قطعة على الورق، على هذا تصر محكمة العدل العليا. هذا سيكون الملجأ الأخير للعدالة، الملجأ الأخير للقانون.
لعله يمكن تبرير هذا الفهم بمفاهيم قانونية وسياسية. ولكن أصعب من ذلك تبريره من ناحية أخلاقية. المشكلة لا تتعلق بالقضاة فقط. من يرفع التماسا بدعوى أنه يتم المس بحق الملكية الخاصة لأحد ما، يشارك في تسويغ الاستيطان في باقي الارض. هذه هي طبيعة اللعبة. 
اخلاء عمونة سيء أيضا من ناحية عملية. كحجم الاحتجاج في القطاع الاستيطاني، حجم التعويض الذي سيدفع مقابل الاخلاء الطوعي. ومثلما في قضية ميغرون، ستقيم الحكومة عمونة جديدة أكبر واوسع من عمونة القائمة. اللوبي القطاعي لن يكتفي بذلك: فهو سيطالب بتسويغ البؤر الاستيطانية العشوائية الأخرى، ربما كلها، في الماضي، في الحاضر وفي المستقبل. وهو سيطالب بتشريع يسمح بمصادرة الارض الخاصة؛ سيطالب بالميزانيات. وبالمقابل، في يوم الاخلاء، سيوفر للحكومة صورا قاسية، فتيات تبكين بمرارة على كتب توراة، فتيان يصرخون من فوق الاسطح والعالم كله سيعرف أن إسرائيل هي دولة قانون: يوجد قضاة في القدس.